الهوية العروبية كمدخل للوحدة العربية

تم نشره الخميس 08 كانون الأوّل / ديسمبر 2022 12:17 صباحاً
الهوية العروبية كمدخل للوحدة العربية
علي محمد فخرو

بينا في مقال الأسبوع الماضي (العودة إلى شعار الوحدة الوجودي) أن الوعي الجماهيري العربي، الذي تجلى بأشكال مختلفة مبهرة في مونديال كرة القدم في الدوحة، قد أثبت أن المشاعر التضامنية الأخوية والتزامات الهوية العروبية الجامعة ما بين العرب، كأفراد وجماعات وأقطار، لم تتأثر إطلاقاً بحملات الدوائر الاستعمارية والصهيونية وبعض التابعين لهما من العرب الجهلة والانتهازيين، التي عملت عبر سنين طويلة على تشويه تلك المشاعر والالتزامات أو طمسها أو تضليلها بالكذب والافتراء، أو إضعاف الذاكرة الجمعية القومية للملايين من أبناء الأمة.

لقد كانت حناجر عشرات الألوف من الحاضرين العرب في ذلك المونديال، تصرخ بصوت غير مباشر في وجه مفكري ومثقفي وقادة المؤسسات السياسية والمدنية الأخرى: ارجعوا وعودوا إلى شعار الوحدة العربية الوجودي.
ولكن قبل الحديث عن مزايا الوحدة والطرق المؤدية إليها، دعنا نبرز لشابات وشباب الأمة بعض المنطلقات الأساسية التي من دون الاتفاق على معانيها ومضامينها سيبقى شعار الوحدة تائهاً وغامضاً ونظرياً.
في قلب تلك المنطلقات موضوع الهوية العروبية التي تعني شعور الإنسان العربي العميق ويقظة وعيه بانتمائه إلى وطن عربي واحد، وبالتالي إلى أمة عربية واحدة، كجواب على تساؤلاته عمن يكون وإلى أين هو ذاهب، التي تعني أيضاً أن العرب ينتمون لثقافة واحدة وتاريخ مشترك يتمايز بهما العربي بين سائر الثقافات الأخرى التي تعني أيضاً وجود علاقة خاصة، عبر القرون الطويلة، ما بين تلك الهوية ودين الإسلام، من حيث انتماء كل عربي للإسلام كلغة عربية قرآنية وكحضارة، وكمصدر لقيم إنسانية كبرى تتمثل على الأخص في قيم الكرامة الإنسانية، التي لا توجد إلا بتحقق العدل والقسط، وتحقق المساواة في الخيرات والحقوق والواجبات، وتحقق حرية الفرد المتناغمة مع حرية الجماعات، وتحقق مبدأ الشورى الديمقراطية. وهي قيم تتحسن وتسمو مع مرور الأزمنة وتغير الأحوال وتنامي العلم والمعرفة، وتنسجم على الأخص مع منطلقات الديمقراطية الكبرى. وهي علاقة تتناقض كلياً مع التزمت الديني المنغلق واستعماله بانتهازية في الأمور التنظيمية السياسية والاقتصادية والمعيشية الدنيوية. وبالتالي فهي علاقة تغرس قيم الفضيلة واستعمالات المعرفة بإنسانية وعقلانية في عقول وقلوب الأجيال، وتبعدهم عن التعايش مع الاستبداد والفساد والامتيازات الفئوية والولاءات الطائفية والقبلية الضيقة. ومن خلال تلك العلاقة الخاصة تنتهي الصراعات والمماحكات في المجتمعات العربية، بسبب تعدد الإثنيات واللغات والثقافات المحلية الفرعية والديانات والطوائف، التي تتناقض كلياً مع قيم المساواة والكرامة والعدل والشورى والديمقراطية والأخوة الإنسانية. وفي الوقت نفسه يتعايش الولاء لتلك الهوية العروبية بانسجام أخلاقي وعقلي مع الولاءات الفرعية، مثل الولاءات الدينية والمذهبية والقبلية والسياسية والأيديولوجية، طالما أن تلك القيم المشتركة هي التي تحكم ذلك التعايش وتضع ضوابطه المسلكية.
يبقى بعد آخر مهم لموضوع الهوية: بعد علاقتها بالسلطة ذلك أن من يملك السلطة والقوة، حتى الشرعية منها، سيكون قادراً على التلاعب بتعريف الهوية ومكوناتها وأهدافها. هذا جانب يحتاج أن يعيه الشباب والشابات بقوة، إذ بسوء استعماله يمكن للهوية أن تنقلب إلى أضحوكة ومجموعة بلاءات لا تخدم إلا صاحب السلطة، وما يتبعها من أدوات القوة والهيمنة. من دون فهم عميق عقلاني إنساني لموضوع الهوية من المنطلقات وغيرها الأساسية سيكون الانتقال إلى شعار الوحدة العربية محفوفاً بالمشاكل والمخاطر.

القدس العربي



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات