هل الصومال بحاجة إلى مجلس للإفتاء؟

تم نشره الأربعاء 25 كانون الثّاني / يناير 2023 12:36 صباحاً
هل الصومال بحاجة إلى مجلس للإفتاء؟
عبد الباسط شيخ إبراهيم

أعلن الرئيس الصومالي الحالي حسن شيخ محمود أن حكومته تعمل على تقديم مشروع قانون يسمح بإنشاء إدارة للإفتاء وتعيين مفتي عام للصومال من أجل وضع حد للفوضى التي تهيمن في مجال الإفتاء عامة وفي المسائل الشرعية ذات العلاقة بالشأن العام خاصة والتي لا يجوز أن ينفرد في تحريرها وتقريرها آحاد وأفراد من العلماء ولو كانوا فقهاء يشار إليهم بالبنان، لأنها مسائل تمس في حياة الناس في جميع المجالات ومما تعم بها البلوى، ولذا يجب أن تدرس وتناقش تحت إطار هيئة علمية لها اعتبارها الشرعي والقانوني، وما لم تفعل الحكومة ذلك فإن فوضى الفتاوى الشرعية والتفاف النصوص الدينية وتفسيرها حسب المصالح الفئوية والحزبية والسياسية ستأخذ مسارا قد يصعب التراجع عنها.

الفتاوى الشرعية

وقد انقسم الناس حيال هذا المشروع إلى مؤيدين ومعارضين:
يقول المؤيدون: هذا المشروع إن كتب له النجاح فهو أول مشروع يولي اهتماما بالشأن الديني في الصومال منذ الاستقلال في عام 1960م، وسيساهم في ضبط الفتاوى الشرعية وتوحيد آراء العلماء في المسائل الكبيرة والعويصة، كما يوفر للسلطة التشريعية والتنفيذية قدرا من التحرك عندما يتخذ قرارات ذات علاقة بالشأن الشرعي لقطع الطريق أمام من يحاول التشكيك في صوابية هذه القرارات وعدم ملاءمتها لقواعد الشرع.
ثم إن الفوضى العلمية والفتاوى المتناقضة وتفسير النصوص حسب توجهات كل فئة وجماعة أضرّ بالدين وحول العامة إلى قطيع يلبون نداء كل دعي وناعق دون التثبت، ولهذا فقد فاض الكيل وبلغ السيل الزبى وحان الوقت لإيقاف هذه المهزلة وإلجام أصوات أصحابها، ولا يمكن ذلك إلا بتأسيس مجلس شرعي يسند إليه مهمة الإفتاء في المسائل الشرعية الكبيرة ليبقى الدين شامخا وبعيدا عن المهاترات الحزبية والتأويلات الحركية والدسائس السياسية.
وأما معارضو هذا التوجه فيتخوفون من أن يتحول المجلس إلى أداة قمع جديدة تمارس دور محاكم التفتيش تجاه كل من يبدي رأيا مخالفا للنظام السياسي أو يتبنى موقفا شرعيا لا يتوافق مع توجهات المفتي ومجلسه المعين من قبل الحكومة، لأن دوائر الإفتاء في العالم الإسلامي ليست مستقلة عن النظام السياسي القائم، ولذا ينبغي عدم تلطيخ سمعة العلماء في أتون سياسة لا تبقي للدين شيئا، وقد فشل الساسة الصوماليون في إدارة سياسة الحكم بصورة صحيحة فليس من المقبول أن ينتقل فسادهم إلى ميدان العلم الشرعي.
عودة إلى الوراء قليلا: الحكومات التي تعاقبت على الحكم منذ الاستقلال إلى اليوم لم تبن مسجدا أو مصلى صغيرا فضلا من أن ترعى إماما أو خطيبا أو تؤسس معهدا شرعيا، أو قضاء متخصصا في شؤون الأسرة والإرث، بل كانت في وقت من الأوقات العدو اللدود للدين وأهله، فحاولت نشر الإلحاد عن طريق الاشتراكية العلمية وأنكرت أحكام الشرع في المواريث والزواج واستخدمت قانون القوة والتخويف في إنجاح مشروعها، وكان الشعب وحده من يدافع عن دينه وأخلاقه، ولأجل هذا يعتقد كثير من الناس أن نظام الحكم في الصومال يجري على نسق واحد وإن تغيرت الوجوه، ولذا من السابق لأوانه الوثوق بالسياسي الصومالي ما لم يبرهن أن هذا المشروع لا يراد منه تحجيم الدين في داخل زوايا مغلقة.

عقبات ومطبات

هذا المشروع قد يواجه عقبات ومطبات يمكن أن تكون حجر عثرة أمام تنفيذ المهام الموكلة إليه، ومنها :
آلية اختيار المفتي وفريق عمله: من المشاكل التي ستكون عقبة على تنفيذ هذا المشروع هو كيفية وآلية اختيار أعضائه لأن العلمية السياسية في الصومال مؤسسة على القَبلية والجهوية غير العادلة، هناك قبائل تعودت بأخذ قسمة الأسد في مناصب الحكومة السياسية والإدارية والدينية، ولذا فهي مستعدة لهيمنة مقاعد المجلس ولو وجد من هم أولى به. كما يوجد قبائل أخرى كثيرة وليس لها تمثيل يذكر في سلطتي التشريعية والتنفيذية فضلا عن الدوائر الحكومية الأخرى، فعلماء وفقهاء هذه القبائل ليس لهم وجود في مراكز القيادة في التكتلات الدينية من الطرق الصوفية والحركات الإسلامية والمجامع العلمية ومن السهل أن يتجاوز عنهم لأن القرار السياسي والإداري ليس بأيديهم.
وإذا تم تجاوزهم أو لم يحصلوا تمثيلا يليق بمقامهم فإن هذا التصرف يزيد عبئا على المشاكل الكثيرة التي يعاني منها الصوماليون، ويكون فتنة أخرى لا يندمل جراحها.

الحكومة الفدرالية

معضلة أخرى: تتكون الحكومة الفدرالية من خمس حكومات إقليمية وإقليم بنادر (عاصمة الصومال) والعلاقة بين الحكومة الفدرالية والحكومات المحلية ليست على وئام، ومن السهل أن يعترضوا على التعيينات أو يؤسسوا مجالس إفتاء خاصة بهم لا تتقيد على فتاوى المفتي الفدرالي.
هناك أسئلة كثيرة حول عمل هذا المجلس: ومنها: هل سيتدارس فقط الموضوعات والمسائل التي تريد الحكومة مناقشتها والتي تصب دائما في صالحها أم سيبحث كل موضوع قد لا يرضي الحكومة. فهل له الحق في إصدار فتاوى لا يتماشى مع هوى الحاكم، فهل يكون له رأي في الخلاف السياسي الذي يدور بين السياسيين؟ ومن له الحق في إقالة المفتي ومجلس الإفتاء؟
وأخيرا لو كان الصومال يتمتع بحكومة مركزية قانونيا وأمنيا وتسيطر على كامل أراضها وينفذ قراراتها دون تردد لكان إنشاء إدارة للإفتاء له معنى وقيمة لكن بعد تشتت البلد وتقسيمه إلى دويلات طائفية ، حيث تتبنى وتنشئ كل قبيلة نظامها الخاص وتعلن مقاطعة الحكومة الفدرالية إن لم يُستجب لمطالبها غير الدستورية في الغالب فلا معنى لإنشاء هذا المجلس ، فإصلاح النظام السياسي وتقويمه أهم بكثير من كل قضية أخرى ، لأن تأسيس هيئة للإفتاء ومنصب للمفتي دون توافق سياسي قد يفتح بابا للصراع الديني حيث يحاول كل طرف التمسك بعلماء قَبيلَته ومنطقته ويجعل وجودهم في هذا المجلس شرطا للموافقة وإلا سيعتبر المجلس مجلسا جهويا لا يمثل إلا جهة واحدة.

الفساد السياسي والإداري

الصومال في حاجة إلى عقلاء وحكماء يتفرغون لتوعية الشعب وتثقيفه وإعادة بناء جسر التواصل الذي انهدم بسبب الفساد السياسي والإداري من جديد، ونبذ القَبلية والجهوية التي فرقت الناس وحولتهم إلى أعداء وإلا فيستمر التخلف والتشرذم .

القدس العربي



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات