مفتاح السلام الوحيد الذي بيد جين بينغ

تم نشره السبت 25 آذار / مارس 2023 12:36 صباحاً
مفتاح السلام الوحيد الذي بيد جين بينغ
علي الصراف

توحي الأوصاف التي يطلقها المسؤولون الصينيون والروس عن العلاقات بين بلديهما وكأنها تسبح في فضاء لا حدود له. تعابير من قبيل “تعميق الشراكة الشاملة” و”الشراكة بلا حدود” و”التوافق التام والشامل” تقدم تصورا يتعمد المبالغة للتغطية على شيئين كبيرين: الأول، هو أن البلدين ما يزالان على سطح الأرض. وهو ما يعني أن هناك توازنات قوى ومصالح تحد من قدرتهما على السباحة في فضاء بلا جاذبية. ومن هذه التوازنات والقوى، حقيقة أنهما لا يستطيعان العيش بمعزل عن الغرب. الولايات المتحدة، لو قررت أن تقاطع الصين كما تقاطع روسيا، فإن اقتصاد الصين سوف ينهار.

إعادة التذكير بالفائض التجاري مع الولايات المتحدة الذي يزيد عن 400 مليار دولار سنويا لصالح الصين، تفي بالغرض لبقاء الأقدام على الأرض. هذا الفائض يعادل بمفرده نحو 40 في المئة من إجمالي الفائض التجاري الصيني مع بقية دول العالم. هذا لكي تعرف أن الأقدام ليست على الأرض فقط. إنها تغوص عميقا بالطين.

لو شاءت الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، أن تقاطع الصين، فإن أضرارا جسيمة سوف تلحق بها وبالعالم بأسره. هذا صحيح تماما. ولكن الحقيقة هي أنك إذا كنت تريد أن تدمر توازنات هذا العالم وتقيم عالما على مقاس حذاء فلاديمير بوتين فلسوف يكون من المناسب تماما للولايات المتحدة وحلفائها أن ترى انهيارا عالميا شاملا، على أن تسمح لبوتين بأن يفرض شروطه.

والثاني، هو أن شراكتهما التي “بلا حدود” لا تكفي لبناء نظام عالمي جديد. لن يُسلّم أحد لهما بذلك أصلا. وهما يدركان أنهما، حتى لو أقاما سوقا مشتركة، فإن ناتجيهما الإجمالي المشترك لن يرقى إلى مستوى الناتج الإجمالي الأميركي وحده، كما أن هذا الناتج لا ينطوي على تنوع يكفي لبناء عالم مستعد للانفصال عن العالم الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة. والذين يدورون في فلكهما أقل من عدد أصابع اليد الواحدة. أما دول العالم الأخرى التي تقيم وشائج مفتوحة مع الجميع، فإنها لن تجد لنفسها مصلحة في انقسام عالمي جديد.

لو تُرك الأمر لعناد بوتين والذين يدورون من حوله، فإنه مستعد لعمل أي شيء. إلا أن الواقع واقع في النهاية. والرئيس شي جين بينع يعرفه جيدا. دفتر حسابات بلاده يخبره بذلك.

سوف يوقّع جين بينغ مع بوتين اتفاقات “عظيمة” و”تاريخية” و”شاملة” تحلّق بهما في فضاء كوني جميل. إلا أن هناك مفتاحا واحدا للسلام على الأرض، يمكنه أن يبرر رؤية النجوم تتلألأ حولهما. هذا المفتاح يتألف من جملة واحدة، إذا استخدمها جين بينغ، وألزم “صديقه العزيز” على القبول بها، فإن الطريق إلى استعادة الاستقرار سوف يُفتح من جديد. ولكنه إذا اكتفى باتفاقات التعاون التي هي “بلا حدود” فلسوف تظهر الحدود، وترتفع الأسوار بين الصين وروسيا من جهة، وبين العالم الغربي برمته من جهة أخرى.

تلك الجملة يجب أن تدعو إلى “انسحاب روسيا إلى حدود 24 فبراير 2022”.

الغموض الذي تعمدته مبادرة النقاط الـ12 التي طرحها جين بينغ قبل أسابيع أسقط قيمتها عندما اقتصر على القول بـ”احترام ميثاق الأمم المتحدة”. هذا الميثاق ينص على احترام وحدة وسيادة الدول، ولا يجيز احتلال الأراضي بالقوة. ولكن جين بينغ أبقى مسافة القول أقصر مما يجب.

الانسحاب إلى حدود 24 فبراير 2022 هو الحد الأدنى المقبول لاستئناف مباحثات سلام تتناول القضايا الأمنية الأخرى. لن تشمل هذه الدعوة انسحابا من شبه جزيرة القرم، مما يوفر مهربا معنويا لبوتين. ولسوف يظل من الممكن بالنسبة إلى أوكرانيا أن تقبل بإرجاء البحث في مستقبل القرم، على اعتبار أنه يرتبط بسجال العلاقات التاريخية بين روسيا وأوكرانيا. ولكن لا شيء أقل من أن تستعيد أوكرانيا سيادتها على أراضيها كما تقرّرها وثائق الأمم المتحدة.

هذا المفتاح هو الوحيد. وهو الأخير أيضا. فإذا ما فشل جين بينغ باستخدامه، أو عجز عن أن يقنع به “صديقه العزيز”، فإن الطريق إلى الجحيم سيكون مفتوحا على الممرّين معا.

لا تجوز التمنيات بالأسوأ. ولكن الفشل هو ما يبرّرها. عالمٌ يفرض فيه المستهترون شروطهم يستحق أن يتهدم على رؤوسهم. بلدٌ مثل روسيا هو الأكبر مساحة على سطح الأرض ليس في حاجة إلى أن يتمدد إلى أراضي دول مجاورة. بوتين لم يفهم أن عالم الإمبراطوريات القديمة قد زال. وككل مَنْ لا يفهم فمن الصحيح والمنطقي والواجب أن يدفع الثمن. الإمبراطوريات الحديثة ليست إمبراطوريات توسع في الأراضي. إنها إمبراطوريات توسع في العلم والتكنولوجيا والمال والنفوذ الدبلوماسي. وحيث أن الكرملين تحول إلى مجلس مستهترين مستعدين لاستخدام أسلحة نووية، لأجل كسب شبرين إضافيين من الأرض، فإن هذا المجلس يحسن أن يساق إلى النهاية التي اختارها المستهترون لأنفسهم.

هم لم يتركوا للعالم خيارا عندما أهانوا شعبا في الجوار، وعندما قرروا سحقه وتدميره، بهستيريا “شاملة” من القصف “الشامل”، وعندما أرادوا إعادة بناء نظام دولي لا يملكون إلا حصة محدودة فيه، لا تتجاوز 1.7 تريليون دولار في اقتصاد عالمي يبلغ 101 تريليون دولار، وعندما لوّحوا كالمجانين بأسلحتهم النووية، وهم يقولون: أعطونا ما نريد أو ندمر الكرة الأرضية!

هم بأنفسهم قالوا إنهم أخطر على الوجود البشري من أن يمتلكوا تلك الأسلحة أصلا. وإن مكانهم الطبيعي ليس المحكمة الجنائية الدولية وإنما مستشفى للأمراض العقلية.

المبالغة في أوصاف العلاقات بين روسيا والصين، قد توحي، من جانبها الآخر، بأن هناك “أوهاما بلا حدود”. وإنها أوهام كلما زادت ابتعادا عن الواقع كلما زادت خطرا.

بوتين قاد بلاده إلى جهنم، بناء على حسابات خاطئة. الصين ليست مضطرة لأن تكون شريكة في هذه الحسابات أو أن تدفع ثمنها. وحيث أنها قوة التأثير الوحيدة الباقية لكي يستعيد الكرملين رشده، إذا بقي له رشد، فإنها ملزمة بأن تقول له: إلى هذا الحد، ويكفي. لأن عالما يسير على حافة هاوية لن يخدم روسيا كما لن يخدم الصين.

العرب اللندنية



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات