إسرائيل على خطى "ولاية الفقيه" ؟!

تم نشره الثلاثاء 06 كانون الأوّل / ديسمبر 2011 12:55 صباحاً
إسرائيل على خطى "ولاية الفقيه" ؟!
عريب الرنتاوي

لم تعد إسرائيل “واحة الديمقراطية الوحيدة” في صحراء الشرق الأوسط القاحلة...هي لم تكن كذلك يوماً، فمن يمارس الاحتلال والإجلاء والعنصرية ضد شعب بأكلمه، لا يمكن أن يكون ديمقراطياً بأي حال من الأحوال...لكن الصورة النمطية لإسرائيل في الغرب، أنها الشريك الوحيد للعالم الحر، في منظومته القيمية ونظامه الديمقراطي، فيما الصورة النمطية للعرب، أنهم “خارج التاريخ”، متسلطون وفاسدون، يهدرون ثرواتهم على تكديس الأسلحة وأدوات القمع والإنفاق على مختلف “الموبقات” التي بمقدور العقل أن يتخيلها.

الصورة الآن تغيرت، بل وتغيرت تماماً...العرب أطلقوا الموجة العالمية الرابعة من الديمقراطية....هم يلتحقون بها تباعاً...وصورة “العربي” باتت ملهمة للعديد من شعوب العالم، بمن فيها شعوب “العالم الحر”، الأمر الذي أفقد إسرائيل “فرادتها”...في أحسن الحالات، هي الآن “ديمقراطية” من ضمن ديمقراطيات عديدة ناشئة في هذه المنطقة، هكذا يقول الخطاب الرسمي للغرب، معظم الغرب على أقل تقدير.

أمس، أهالت السيدة كلينتون الكثير من التراب على “صورة إسرائيل النمطية”...هي عبّرت في أحد معاقل “اللوبي الإسرائيلي”، معهد سابان عن قلقها حيال مستقبل الديمقراطية في إسرائيل، بعد أن كانت قد رحّبت بأوضح العبارات بـ”ربيع العرب” قبل بضعة أسابيع، في خطابها الشهير أمام “المعهد الوطني الديمقراطي للشؤون الدولية”...الصورة تبدو معكوسة تماماً هذه الأيام...العرب أخذوا يتقدمون على سلم الديمقراطية وإسرائيل تتراجع، بشهادة أرفع مستويات صنع القرار في واشنطن.

كلينتون تناولت التشريعات المعروضة على الكنيست الإسرائيلي، والتي من شأن إقرارها ضرب حرية الصحافة والإعلام وتقييد مؤسسات حقوق الإنسان فضلا عن إضعاف القضاء (محكمة العدل العليا)، بالإضافة إلى الأثر المترتب على النفوذ المتزايد للحركات الإصولية اليهودية، والتي تجعل من إسرائيل مجتمعاً أصولياً دينياً، يقوم على التمييز بين النساء والرجال في الجيش والتعليم ويرفض الاختلاط، إلى غير ما هنالك من صيغ ومفردات وتوصيفات، ذات طبيعة طالبانية بامتياز.

لكن السيدة كلينتون، وهي توجه انتقادات غير مسبوقة في تاريخ العلاقات الأمريكية الإسرائيلية كله، تجاوزت أمرين اثنين، أحسب أن عدم التوقف ملياً أمامها، سيُبقي الصورة ناقصة، والفهم مجزوءا ...الأول، عندما قفزت عن حقيقة أن شعباً يحتل شعباً آخر، لا يمكن أن يكون حراً بأي حال من الأحوال...والثاني، عندما تجاهلت أثر شعار “يهودية الدولة” في مفاقمة أصوليتها...فـ”يهودية الدولة” في الحالة الإسرائيلية، ليست تعبيرا “قومياً” بأي حال من الأحوال، بدلالة أن هذا الشعار لم يكن مدرجاً على جداول أعمال الأحزاب العلمانية في إسرائيل من يمينية ويسارية طوال خمسة عقود، وأن طرحه ارتبط بنهوض الأحزاب الدينية وزيادة ثقل “الأصوليين اليهود” في الحياة السياسية والعامة في إسرائيل....إنه شعار “ديني” متطرف بامتياز، علماً بأن السيدة كلينتون وإدارتها، طالما دعما هذا الشعار رضوخاً عند الموقف الإسرائيلي، وجرياً على مألوف انحيازهما للدولة “العبرية”.

تعيدنا تصريحات كلينتون هذه، إلى الموقف الأمريكي الداعم لأنظمة الفساد والاستبداد العربية بذريعة أنها صمام الأمام في وجه الزحف الأصولي الإسلامي...إلى أن فاجأتنا صناديق الاقتراع بأن المد الإسلامي يغطي غالبية مقاعد المجالس النيابية المنتخبة في دول الربيع العربي...دعم واشنطن لتل أبيب وانحيازها غير المشروط للدولة العبرية، دفع بأكثر تياراتها تشدداً وتطرفاً وغلواً لفرض هيمنتها على إسرائيل رأياً عاماً وكنيست وأحزابا، وها هو ينتقل شيئاً فشيئاً ليصبغ المجتمع الإسرائيلي برمته، بطابعه “الديني” الخاص، مهددا “الديمقراطية” الإسرائيلية وفقاً لكلينتون.

لقد بلغ “القلق” بالسيدة الأولى في الخارجية الأمريكية على “الديمقراطية” حد المقارنة بين ما يجري في إسرائيل من تحوّلات بإيران في ظل “حكم الملالي” و”ولاية الفقيه”، وهذا آخر وأخطر ما كان يمكن لمسؤول إسرائيلي أن يسمعه، وممن؟...من وزيرة الخارجية الأمريكية (؟!)...حتى نحن الذي قلنا ونقول في إسرائيل ما لم يقله مالك في الخمر، لم تخطر ببالنا مثل هذه المقارنة، ولكم أن تتخيلوا كل موجات الغضب والقلق التي اجتاحت نخبة إسرائيل السياسية والثقافية والإعلامية والأمنية.

صورة العربي تغيرت (شكراً لربيع العرب).. ومن الطبيعي أن تتغير صورة “الآخر” الذي ناصبه العداء لأكثر من مئة عام...سقطت نظرية “الواحة الإسرائيلية والصحراء العربية”...أسقطها ميدان التحرير وثورة تونس واليمن وليبيا وسوريا...وستسقط معها نظريات أخرى، إن نحن “غيرنا ما بأنفسنا”...وقد لا يكون بعيداً ذلك اليوم، الذي تخرج علينا فيه السيدة كلينتون أو من هو (هي) في مقامها، بتصريحات تتحدث عن إسرائيل بوصفها عبء استراتيجي، بعد أن ظلت لأكثر من خمسين عاماً “ذخراً استراتيجياً”...ليس بعيداً أن نسمع الشكاوى تترى من واشنطن وعواصم أوروبا من “الأصولية اليهودية/ الإسرائيلية” بوصفها تهديدا للأمن والاستقرار الدوليين، بل وربما تهديدا للديمقراطية الناشئة في العالم العربي ؟!.

قد يقال أنني ذهبت بعيداً في “التفاؤل”...وهذا صحيح...ولكن من كان يتخيل قبل اندلاع ربيع العرب، أن يصدر عن الخارجية الأمريكية، تصريح من هذا القبيل...هي نقلة نوعية في النظرة الأمريكية لإسرائيل....صحيح أنها غير كاملة، وينقصها “الشق” المتعلق باحتلالها الاستعماري للأرض العربية، وسياساتها العنصرية حيال المواطنين العرب، ولكنها مع ذلك نقلة مهمة، تملي علينا الاستمساك بخياراتنا الديمقراطية حتى أبعد مدى، والاستمساك بحقوقنا الوطنية والقومية حتى آخر قطرة...فالزمن لا يلعب لصالح إسرائيل، وليسمح لي السيد رياض الشقفة أن استعير منه عبارة: “رفعت الأقلام وجفت الصحف”.
 
(الدستور)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات