رحم الله السادات !
عندما تصبح مباركة أميركا وموافقتها شرطاً واجباً وضرورياً للإتفاق على حكومة الوحدة الفلسطينية التي هي بحاجة الى ألف وزيرٍ لإخراجها من بئر خلافات ثلاثة عشر فصيلاً معظمها لا وجود له على أرض الواقع فإنه لابد من تقديم الإعتذار ولو متأخراً للذين ظلمهم التاريخ وهو تاريخ إنفرد بكتابته تجار الشعارات الذين أوصلوا هذه الأمة الى الهاوية السحيقة التي وصلت إليها .
كان الرئيس المصري السابق محمد أنور السادات ، رحمه الله الرحمة الواسعة وغفر له كل ذنوبه المتقدم منها والمتأخر ، قد رفع الصوت عالياً بعد حرب تشرين الأول ( أكتوبر ) وعشية مفاوضات وإتفاقات كامب ديفيد بأن تسعة وتسعين في المائة من أوراق هذه المنطقة في يد الولايات المتحدة وأنه لابد من إقحام الأميركيين إقحاماً على خط عملية السلام في الشرق الأوسط للحؤول دون إستفراد إسرائيل بهم ومصادرة كل مواقفهم وتوجهاتهم ودعمهم وتأييدهم وعلى طريقة ظالماً ومظلوماً .
ويومها ثارت دبابير نضال وجهاد الشعارات وتعرض السادات لحملة لم يتعرض لها قبله إلا المغفور له الملك عبدالله الأول بن الحسين الذي استشهد على بوابة المسجد الأقصى والذي كان لابد من تغييبه وتغييب أفكاره وتوجهاته ومرونته وواقعيته وإعتداله كي يقبر قرار التقسيم الشهير وكي تمر المؤامرة وكي تقوم هذه الدولة الإسرائيلية بالمساحة التي قامت عليها من فلسطين .
لم يستمع الرأي العام العربي ، بأحزابه وقواه ويساره ويمينه وقطرييه وقومييه ، ولم يسمع للرئيس السادات كما لم يستمع قبل ذلك ولم يسمع للملك عبدالله الأول ، الذي نسأل الله ان يمطر تربته الطاهرة بشآبيب رحمته ، والحجة ان القبلة التقدمية والثورية هي موسكو وأنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة وأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلاَّ بالقوة وكأن حرب تشرين الأول ( أكتوبر ) العظيمة ليست قوة وكأن المعركة السياسية عندما تخاض على أسس صحيحة وتكون نتيجتها إستعادة كل الأرض المصرية التي أحتلت في حزيران ( يونيو ) ليست في مستوى المعركة العسكرية وربما تكون في بعض الأحيان أهم منها .
الآن عندما يشترط الأشقاء في سوريا ، ومعهم كل الحق ، لتحويل المفاوضات غير المباشرة مع الإسرائيليين الى مفاوضات مباشرة ضرورة ان تشارك الولايات المتحدة مشاركة كاملة وفعلية في هذه المفاوضات وعندما تكتشف الشقيقة العزيزة ليبيا إنه عليها ان تغير إتجاهاتها السابقة وأن تراجع حساباتها وتستعيد العلاقات مع أميركا ومعها كل الحق أيضاً فإنه لابد من الإعتراف ولو بعد أكثر من ثلاثين عاماً ان نظرة الرئيس السادات كانت بعيدة وصائبة وصحيحة .
البؤس كل هذا البؤس لهذا التاريخ المزور الذي كتبه ولايزال يكتبه محمد حسنين هيكل الذي كان إخترع نظرية : إن أميركا ثور هائج من غير الممكن مناطحته يوم كان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بحاجة إليها بعد هزيمة حزيران ( يونيو ) ليبرر إنفتاحه على الولايات المتحدة وتماشيه مع المشاريع التي كانت طرحتها إستناداً الى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 وفي مقدمتها مشروع جوزيف سيسكو الشهير والمعروف .
لو أن طرفاً فلسطينياً واحداً من هذه الأطراف التي تحاورت في القاهرة والتي لاتزال تتحاور على طريقة مسرح العرائس لم يصبح هو ومعه الذين يقفون خلفه ويشدون الخيوط التي تحركه على هذا المسرح عن بعد مقتنعاً بما كان إكتشفه السادات قبل أكثر من ثلاثين عاماً بأن تسعة وتسعين في المائة من أوراق هذه المنطقة بيد أميركا فلما وافق على مهمة مدير الإستخبارات المصرية الى واشنطن ولما طأطأ رأسه للإستنجاد بـ الشيطان الأكبر .. ورحم الله السادات الرحمة الواسعة !!
الرأي