سراج القلب والعقل

تم نشره الثلاثاء 15 أيلول / سبتمبر 2009 02:16 صباحاً
سراج القلب والعقل
الحسن بن طلال
يقول شهاب الدين السُّهروردي ، صاحب حكمة الإشراق: "الفكرةُ سراجُ القلْب: فإذا ذهبَتْ فلا إضاءةَ له." لعلّ أطول مسافة أعرفها تقع بين عقل الإنسان وقلبه. والتقريب بينهما يعيدنا إلى قيَم الإيمان والعمل وإلى واقعنا الاجتماعي. كما يجعلنا نتساءل كيف يمكن أن نبذل المزيد لإخوتنا في الإنسانية. فإذا توثقت الصلة بين العقل والقلب ، ينطلق الإنسان نحو فضاءات العطاء في شتى المجالات. ولا ريب أنّ الخير في الأمة قائم: وإنْ بدا لنا معلّقًا.

في مجال الفكر ، يمكننا البذل والعطاء بتعزيز الحوار البنّاء والتلاقي الدافئ بين أبناء الأمة ، بما يحقق التكامل بين شعوبها ودولها ، ويصبّ في الصالح العام.

نحن بحاجة إلى الحوار المبدع الذي يعمّق التوافق بين المعتقدات الدينية والجوانب العملية ، ويأخذ بمبدأ عدم الإكراه ، ويركز على القواسم الإنسانية المشتركة بين الديانات ، ويشجع على النظر في النصوص المقدسة "للآخَر" وتراثه وتاريخه.

إن الإخلاص في عطائنا الاجتماعي وفي عَلاقاتنا الاجتماعية من شأنه أن يسهم في تحقيق التوازن بين المادة والرّوح: بين الدنيا والآخرة: بين حقوق الله وحقوق العباد. أشير هنا إلى رسالة الإمام علي زيْن العابدين بن الحسين - رضي الله عنه - في الحقوق. وهي خمسون حقًّا ، تُلقي الضوء على مصفوفة القيَم في الإسلام. ومنها: حق الله ، وحق النفس ، وحق اللسان ، وحق الكبير ، وحق الصّغير.

لقد استودع الله الإنسان حقوقًا ، واستأمنه على رعايتها وحفظها: فلا يجوز الإخلال بها. يقول الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم): "كلكم راعْ وكلكم مسؤول عن رعيته".

ويندرج تحت العطاء الاجتماعي ذاك التواصل الإنساني الأخلاقي الذي يعمل على تمتين النسيج المجتمعي ، وتعميق روح التضامن والتكافل بين أفراد المجتمع وفئاته. ولا يتحقق هذا الشكل من العطاء في غياب السلام الداخلي ، القائم على تحقيق التوازن بين الروح والمادة.

يقول الشيخ الأكبر محيي الدين ابن عربي ، "للعقل نورّ وللإيمان نورّ". و"إن الحكيم الكامل المحقّق المتمكّن هو الذي يعاملُ كلّ حالْ ووقتْ بما يليقُ به ، ولا يخلطُ".

لكم نحتاج إلى نقاء القلوب وصفاء السرائر، فكما يقول السيّد عبد القادر الجيلاني: "إذا كان القلب مرآة مصقولة ، فمن الواجب أن نزيل الغبار الذي تجمّع عليها: لأن مصير القلب أن يعكس نور الأسرار السماوية." فسراج القلب لا يضيء إلا بإشراقً نور الله عليه. وكما ورد في محكم التنزيل: "اللهُ نورُ السماواتً والأرضً مثَلُ نورًه كمشكاةْ فيها مصباحّ المصباحُ في زجاجةْ الزجاجةُ كأنها كوكبّ دريّّ يُوقدُ من شجرةْ مباركةْ زيتونةْ لا شرقيةْ ولا غربيةْ يكادُ زيتُها يضيءُ ولو لمْ تمسسْه نارّ نورّ على نور يَهدي اللهُ لنورًه من يشاءُ ويضْرًبُ اللهُ الأمثالَ للناسً واللهُ بكلًّ شيءْ عليم". (سورة النور: الآية )35 كذلك ، يتجلى نور الله في تكريم الإنسان باستخلافه في إعمار الكون ، الذي سخر له ما فيه لتحقيق هذه المهمة ، أيًّا كان عرقه أو لونه أو جنسه أو دينه أو مذهبه. يقول تعالى: "ألمْ ترَوْا أنَّ اللهَ سخّرَ لكُمْ ما في السمواتً وما في الأرضً وأسبغَ عليْكمْ نًعَمَهُ ظاهرةً وباطًنَةً". (سورة لقمان: الآية )20 وكما ذكر الشاعر الفيلسوف محمّد إقبال ، فإن وحدة الأخوّة الإنسانية هي التي يمكن الاستناد إليها: لأنها تسمو فوق العرق والقومية واللون واللغة. فعلى الأسرة الإنسانية أن تترجم إيمانها بأنّ العالم كلّه وحْدة واحدة بالممارسة والتطبيق. وفي الحديث الشريف: "الخَلْق كلّهم عيال الله: وأحبّهم إليه أنفعهم لعياله." فالمجتمع الأمثل يجسّد إرادة الله على الأرض. وإذا كانت الأخوّة الإنسانية قيمة سامية في الديانات والشرائع ، فإن الأولى أن نبدأ بتعميق هذا المفهوم في إطار الفضاء المقدس. لا بد من التأكيد أنْ لا يكون الدين رهينة للسياسة. وقد دعوت - غيْر مرة - إلى السموّ بالدين إلى مكانته الصحيحة ، فوق السياسة: بحيث تُحقق الأماكن المقدسة السلطة المعنوية التي تستحقها.

فالأماكن المقدسة ، مثل النجف وكربلاء ومكة والمدينة والقدس ، تمثل رموزًا حاضرة في الوجدان وحية في القلوب والضمائر ، نرنو إليها ونستلهم منها معاني الأخوّة والقيم الإنسانية المشتركة.

هنالك ، أكثر من أي وقت مضى ، حاجة ماسة فعلاً إلى منظومة أخلاق للتضامن بين أبناء البشر: إلى مصفوفة قيم وأخلاقيات. يحضرني في هذا السياق خطايا العالم السبع التي لخّصها المهاتما غاندي في مقولته المشهورة:

الثروة بلا جهد

المتعة بلا ضمير

المعرفة بلا خلُق

التجارة بلا أخلاق

العلم بلا إنسانية

العبادة بلا تضحية

السياسة بلا مبادئ

إن إعمار حياتنا على هذه الأرض لا يتحقّق من دون بناء الذهن وإعمار النفس والاعتماد على القوة الذاتية ، القوة الجوانيّة.


رئيس منتدى الفكر العربي وراعيه: عضو في لجنة التمكين القانوني للفقراء: رئيس شرف منظمة المؤتمر العالمي للأديان من أجل السلام: سفير الإيسيسكو للحوار بين الثقافات والحضارات


مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات