أبو داني يروي قصة خدمته بالسفارة الأردنية في بيروت نصف قرن

تم نشره الثلاثاء 23rd أيلول / سبتمبر 2014 02:55 مساءً
أبو داني يروي قصة خدمته بالسفارة الأردنية في بيروت نصف قرن
علم الاردن و لبنان

المدينة نيوز:- بعد أيام قليلة، يحتفل ميشيل لحدو الملقب بأبي داني، اللبناني مواليد تموز 1948، بمرور خمسين عاماً على توظفيه في السفارة الأردنية في بيروت، فيما تحتفل زوجته سهام بمرور 30 عاماً على توظيفها في السفارة.

في الأوّل من تشرين الاول عام 1964 تم تعيين أبو داني في السفارة، وكان عمره آنذاك 16 سنة، في فترة تولي السفير الراحل عبد الله زريقات والد السفير الأردني السابق لدى لبنان زيد زريقات، أي أنّ أبو داني "عايش فترتي عمل الأب والإبن".

في بداية عمله بالسفارة، كان أبو داني يعمل في قسم العلاقات العامة، يستقبل ويودّع الوفود في مطار بيروت الدولي بالإضافة الى بعض المهام الادارية الاخرى.

وفي لقاء مع (بترا) في مقر السفارة، يقول أبو داني عن ذكرياته في السفارة "غالباً ما يتبادر إلى ذهني حقبة حرب عام 1967 حيث كان الشعب اللبناني يجمع التبرعات من أجل دعم الاردن في الحرب ضد اسرائيل"، وكانت التبرعات توضع في علب التنك "نصية الجبنة" ومن ثم يتم ايصالها الى السفارة ونعمل على فتحها "انا وأحد ضباط اللاسلكي واسمه علي الكايد. وأذكر يومها أني قمت بترتيب رزم النقود وكانت تعادل مئات الآلاف من الدولارات بالعملة اللبنانية، ووضعتها كلها تحت مرتبة السرير في السفارة ونمت فوقها في تلك الليلة حتى أحمي المساعدات. وقد تم إيصالها إلى الأشقاء الاردنيين في عمان بسلام".

ويضيف "التبرعات التي كان يتم جمعها كان بعضها مساعدات عينية تصل الى السفارة حيث كان الناس يضعون تبرعاتهم على باب السفارة، ونعمل نحن على تحميلها في الشاحنات وايصالها الى المطار ليتم نقلها الى الاردن".

*اندلاع الحرب الاهلية عام 1975 في لبنان ويتذكر أبو داني "تلك الحقبة السوداء بألم"، ويقول " أغلقت السفارة أبوابها مرتين أثناء الحرب وطالت فترة إغلاقها لأكثر من خمس سنوات، لكني لم أتوقّف عن العمل، بل كنت أتابع أعمال السفارة من منزلي".

ومع اندلاع الحرب، يقول أبو داني "إنه عمل على تهريب حرس السفارة والعاملين فيها من الأردنيين مع أغراضهم الخاصة، بعد أن وصلته التعليمات من الملحق العسكري آنذاك الراحل عاكف المجالي بأن يقوم بتأمين حرس السفارة بعد اغلاقها، ومساعدتهم على مغادرة بيروت لأن المطار كان مغلقاً تماماً".

وقال إنّه قام شخصياً بتأمين نقل الموظفين مرتين خلال الحرب الأهلية من السفارة إلى مرفأ بيروت، حيث تمّ تهريبهم من لبنان داخل بواخر الشحن الخاصة بالماشية. وبسبب الاحداث التي شهدها لبنان قام ابو داني بتأمين نقل أركان السفارة براً من لبنان الى سوريا عن طريق بلدة جزين حفاظا على سلامتهم.

*اختطاف القائم بأعمال السفارة هشام المحيسن ويتابع لحدو "انه وخلال الحرب الاهلية قامت مجموعة مسلحة باختطاف القائم بأعمال السفارة الاردنية هشام المحيسن من منزله، كما اختطفت المجموعة خادمته وقتلت اثنين من الحرس أحدهما اردني والآخر لبناني، وقد دام اختطاف المحيسن 69 يوما قبل أن يطلق سراحه".

*اختطاف ميشيل لحدو (ابو داني) ويتابع أبو داني سرد قصته بحرقة لم يتمكن من إخفائها، مع استعادة ذكريات يرويها كأنها حصلت بالأمس حيث قال "تم اختطافي في اليوم الذي قام به العميد عزيز الأحدب بانقلاب عسكري في بيروت في 11 اذار عام 1976، وكان وقتها ابن السفير وليد صلاح في مدرسته في منطقة برمانا، وعندما حصل الانقلاب تم فرض منع تجوّل وكنت انا في منزلي في المنطقة الشرقية في بيروت، وكنت قد ذهبت قبلها الى شركة صيانة السيارات لشراء خرطوم بنزين للسيارة المصفحة الخاصة بالسفارة لأن الخرطوم كان معطلا، وعندما وصلت الى منزل السفير حيث السيارة كانت زوجته في حالة ذعر شديد على ابنها خالد الذي كان ما يزال في مدرسته، وكان لديها سائقان احدهما لبناني من الطائفة الدرزية والاخر اردني، وكلاهما لا يمكنهما الوصول الى مدرسة ابن السفير، حيث ان الاختطاف والقتل كان طائفيا وممنهجا على الهوية".

وتابع أبو داني "قلت لزوجة السفير.. انا سآخذك اليه".. وصعدنا بالسيارة المصفحة، وعندما وصلنا الى منطقة الشياح اوقفنا حاجز ما كان يسمى عندها "جيش لبنان العربي" التابع للضابط احمد الخطيب، الذي انشق عن الجيش اللبناني واسس جيش لبنان العربي. وعندما سألني الجندي على الحاجز عن اسمي، قلت له "ميشيل" وكان الذبح على الهوية، وقلت لزوجة السفير "يا ام خالد، انا رحت خلص"، فبدأت بالبكاء، وعندها انزلوني من السيارة وبدأوا بضربي بكعب البندقية وبالأحذية العسكرية في عدة مناطق من جسدي وعلى رأسي".

وبعدها قاموا بوضع عصبة على عيني وانزلوني الى مكان يشبه المخزن تحت الارض وبدأوا بالتحقيق معي، وقلت لهم انا من سكان المنطقة الغربية وأعيش هنا وعندها دخل أحد العناصر وقال لهم "خذوه سوحوه" يعني اقتلوه وبدون تعذيب، وبعدها سألني أحدهم إذا كنت أحمل معي خمسين ليرة، فقلت له لا ليس معي نقود الآن، ولكني أرافق زوجة السفير وهي بالسيارة، سأذهب لأحضر لك النقود إذا أردت. فأجابني: لا نريد نقوداً. وبعدها دخل اثنان واصطحباني واعتقدت أن ساعتي قد دنت، وصعدت معهما بضع درجات الى الأعلى وسمعت صوت زوجة السفير "ام خالد" وهي تمسكني وتقول لي "لا تخف يا ميشيل لن اتركك وسأبقى معك." وتابع أبو داني يقول "سمعت العناصر يحاولون اقناعها بالذهاب ويطمئنونها بأنهم سيطلقون سراحي لاحقاً اذا لم يكن هناك شيء ضدي، ولكنها لم تقبل وقالت لهم "لن أذهب بدونه، ولن اتحرك من هنا، واذا اردتم أن تأخذوه، خذوني قبله." وبالفعل، بقيت أم خالد مصرّة على موقفها الى ان تم اطلاق سراحي".

ويكمل أبو داني ذكرياته المريرة قائلاً "بسبب هذه الاوضاع، كان هناك العديد من الطلاب الاردنيين ممن تقطعت بهم السبل، فقمت بتأمين نقل العديد منهم الى الاردن، وقمت باستضافة بعض منهم في منزلي لحين تأمين عودتهم سالمين الى اهلهم وبلدهم".

أبو داني الذي خاطر بحياته مرات عدة لحماية وتأمين السفارة وطاقمها الذين طالما اعتبرهم اهله واصدقاءه، أخبرنا أنّ الخارجية الاردنية طلبت منه مرة تأمين صندوق الاسلحة الخاص بالسفارة والحرس وايصاله الى المطار ليتم نقله الى الاردن. وقال "اخذت صندوق الاسلحة بسيارتي الخاصة وعلى مسؤوليتي وذهبت به الى المطار مجتازاً عددا من الحواجز على الطريق، ولكني قمت بتأمين الصندوق بسلام وتسليمه الى اشخاص كانوا في انتظاري في المطار".

* اغتيال الدبلوماسي الاردني نائب المعايطة ويسرد ابو داني قصة اغتيال الدبلوماسي الاردني والسكرتير الاول في السفارة الاردنية نائب المعايطة الذي تم اغتياله في 29 كانون الثاني عام 1994، أي بعد انتهاء الحرب بسنوات، وهو اخر دبلوماسي تم اغتياله في لبنان حيث قررت الدولة اللبنانية وعلى اثر الحادثة فرض حراسة على الدبلوماسيين المعتمدين لديها.

ويقول ابو داني "عوّدنا المرحوم نائب المعايطة على حضوره المبكر الى السفارة، ويوم الحادثة وعندما اصبحت الساعة التاسعة صباحا ولم يحضر، قلقنا عليه كثيرا لأنها كانت سابقة ولم يعرف احد ما سبب تأخيره".

واضاف ان الاغتيال حدث عندما كان المعايطة "يقود سيارته الى الخلف في منطقة الروشة في بيروت، وقام احد ما بإطلاق النار عليه في سيارته واستمرت السيارة بالرجوع الى الخلف الى ان اصطدمت بسيارة اخرى".

ويضيف "كان تلفزيون المستقبل هو الاقرب الى مكان اطلاق النار وقاموا بتصوير مسرح الجريمة وكنت وقتها قد حضرت انا وأحد المسؤولين العسكريين في السفارة الى مكان الحادث فور سماعنا بالخبر، وكان المعايطة لا يزال مضرجاً بدمائه داخل سيارته حيث لم يجرؤ احد على الاقتراب منها، وقمت انا والمسؤول العسكري بفتح باب السيارة وقمنا بحمل المعايطة الى سيارتي وذهبنا به فورا الى مستشفى الجامعة الاميركية في بيروت، ولكنه كان قد فارق الحياة منذ مدة.

وبعد التحقيقات واخذ الادلة، حضرت طائرة خاصة من عمان لنقل جثمانه، وقمت انا بمرافقته داخل سيارة الاسعاف من المستشفى الى المطار وتم نقل جثمانه الى الاردن".

* حرب تموز عام 2006 والمواقف الاردنية المشرفة وانتقل ميشال لحدو ليروي لنا ما حدث اثناء الحرب الاسرائيلية على لبنان (حرب تموز) عام 2006 حيث قال "كنا نسهر كل يوم في السفارة لغاية الساعة الواحدة بعد منتصف الليل للعمل على تأمين الطلاب الاردنيين ونقلهم الى عمان بسبب الحرب وخطورة الاوضاع في بيروت".

ويتابع "كانت هناك حافلات تصل من عمان خصيصا لنقل الطلاب والجالية الاردنية على نفقة الاردن من لبنان الى عمان"، مضيفا انه وبسبب العدد الكبير للجالية الاردنية ممن ارادوا العودة، قمنا باستئجار باصات لنقلهم الى عمان. وقال انه كان هناك عدد من الطلاب يأتون الى السفارة ليتم نقلهم، وفتحت السفارة ابوابها لتوفير المنامة لهم داخل السفارة لحمايتهم.

ويروي ان احدى العائلات كانت خائفة من ركوب الباص حيث ان الطيران الاسرائيلي كان يستهدف اهدافا متحركة، وقام بنفسه باصطحابهم بسيارته الى الحدود اللبنانية السورية في منطقة المصنع، وعاد ادراجه الى السفارة ليتابع تأمين نقل من تبقى من الاردنيين.

ولأن الاردن لم ينس وقفة اللبنانيين في حرب عام 67، كانت للمملكة مواقف مشرفة تجاه لبنان واللبنانيين حيث كانت الطائرات العسكرية الاردنية هي اول طائرات تهبط في مطار بيروت الذي مغلقا بسبب الدمار الذي لحق به جراء القصف الاسرائيلي على المطار.

وفي التفاصيل يروي ابو داني، "ارسلت المملكة الاردنية لجنة فنية من طيارين ومهندسين وخبراء للكشف على مطار بيروت لمعرفة اذا كان هناك مسافة كافية على اي من مدارج المطار لاستقبال طائرات عسكرية محملة بالمساعدات الى الشعب اللبناني".

واضاف "ذهبت انا برفقة ضابط من المخابرات اللبنانية لاستقبال الوفد الذي وصل الى نقطة المصنع الحدودية مع سوريا واصطحبنا الوفد الى الفندق ليلا حيث اخبرنا ضابط المخابرات ان الفجر هو الوقت الانسب للتحرك باتجاه المطار، ومكثنا مع الوفد في الفندق الى ان طلع الفجر، وتحركنا فورا الى المطار".

واضاف "برغم الخطر من ان يتم قصف المطار من جديد، ذهب اعضاء اللجنة الاردنية "الأشاوس" برفقة ضابط المخابرات اللبناني وقاموا بفحص المدرج، وقال احد الطيارين الاردنيين ان احد المدارج ما يزال صالحا لهبوط طائرة C1-30 العسكرية حيث ان المدرج كان بحاجة فقط الى تنظيفه من الصخور والركام جراء القصف".

وبنبرة فخر واعتزاز، تابع ابو داني يقول، "بفضل الاردن تم افتتاح المطار حيث كانت طائرة الـ C1-30 العسكرية هي اول طائرة تهبط في مطار بيروت محملة بالمساعدات بالإضافة الى المستشفى الميداني المقدمة الى الشعب اللبناني. وتابعت الطائرات الاردنية العسكرية وصولها الى المطار تباعا بمعدل 3 طائرات يوميا وبعدها بدأت طائرات عسكرية من نفس النوع من الامارات ومصر وبعض الدول الاخرى بالوصول ايضا الى المطار لنقل المساعدات، وذلك كله بفضل الاردن وسواعد الاردنيين".

وقال "كان عملي وقتها هو تقديم التسهيلات للكوادر الاردنية التي تصل وتغادر بيروت حيث ان المستشفى الميداني كان مكونا من 118 فردا من اطباء وممرضين ومساعدين، وكان يتم تبديل الكادر كل اسبوعين حيث يأتي 118 اخرين ليحلوا محل الكادر السابق. وحيث ان المطار مغلق، كنت اعمل على تجهيز لوائح السفر وختم جوازات السفر للمغادرين وللقادمين ومرافقتهم من والى المطار." يذكر ان ميشيل لحدو حاصل على وسام تكريمي من جلالة الملك عبدالله الثاني حيث قلده الوسام رئيس الوزراء السابق سمير الرفاعي بمناسبة العيد السبعين لوزارة الخارجية الاردنية عام 2010.

ولا يزال ميشال لحدو، ابو داني، الى اليوم يتابع اعماله ونشاطاته في السفارة بكل جهد واخلاص ومحبة لوطنه لبنان وبلده الثاني الاردن، ولدى سؤالنا له عن امنيته بعد هذا المشوار الطويل والحافل في خدمة الدبلوماسية الاردنية، قال انه "يتمنى بأن يحصل على الجنسية الاردنية فهي التكريم الاسمى لمشواره ولمسيرته العملية في السلك الدبلوماسي لما يشعر به بانتماء لهذا البلد الذي خدمه طوال خمسين عاما ولا يزال".

(بترا)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات