عن كلمة الملك في مؤتمر ميونخ للأمن

تم نشره الأحد 14 شباط / فبراير 2016 12:22 صباحاً
عن كلمة الملك في مؤتمر ميونخ للأمن
الدكتور فطين البداد

كعادته دائما ، وضع جلالة الملك أصبعه على موضع مهم من جرح الأزمات الدولية التي تسبب بها تنظيم " داعش " الإرهابي ، والذي بدأ يتمدد في آسيا وأفريقيا بشكل خطير ، مما جعل هذه القضية ركنا أساسيا في كلمة الملك عبد الله الثاني في مؤتمر ميونخ للأمن ، حيث ألقى جلالته كلمة شافية وافية ، لو تم العمل بها لكان لذلك آثار إيجابية على الحرب ضد الإرهاب في المنطقة والعالم .

وأولى المحطات التي توقف عندها الملك ، هي أن الحرب التي يخوضها المجتمع الدولي على الإرهاب ستحدد مستقبل العالم في القرن الحادي والعشرين : " إنها حرب عالمية ثالثة ولكن بوسائل أخرى" والمقصود هنا، ليس مجرد الإشارة إلى حجم التهديد الذي نواجهه والذي يأخذ طابعا عالميا أكثر فأكثر، ويؤثر بلا شك على المجتمع الدولي بأسره، بل إنه يشير أيضاً إلى ما تشترك به مثل هذه الحروب، وهو قدرتها على أن تكون عاملا في إحداث تغييرات هائلة، فالنصر أو الهزيمة في هذه الحرب سيشكل منظومة القيم العالمية، ويحدد طبيعة أمننا وأسلوب حياتنا لفترة طويلة قادمة، وعلى امتداد القرن الحادي والعشرين" .

فتنظيم داعش ، يقول الملك ، ليس مجرد تنظيم إرهابي ، بل هو عصابة تهدد الأمن والسلام العالمي : " الانتصار في هذه الحرب من أجل المستقبل يتطلب منا أن نبذل المزيد. وعلينا أن نعترف أن هذه العصابة ليست سوى جزء من تهديد عالمي أكبر "، وذلك لكون هذه المنظمات تنشط وسط الفوضى والعنف ، ومن أجل ذلك ، فإن خطر داعش ليس خطرا محليا لأن : " وباء الإرهاب والتطرف، يحرض على العنف والوحشية، التي لا تقف عند حدود الدول، فهو يستقطب عناصره المغرر بهم من جميع أنحاء العالم. ونعلم، نحن المجتمعون في هذا المؤتمر اليوم، أكثر من غيرنا أنه ليس هناك أي منطقة في العالم، لا يستهدفها شر هذا الوباء ".

وبغية الوصول إلى انتصار ساحق على الإرهاب ، فإنه لابد من ملاحقته ليس فقط في المنطقة ، بل في مناطق أخرى وقارات أخرى :" لا يمكننا أن ننجح فقط من خلال التركيز على القضاء على عصابة داعش في سوريا أو العراق، بينما هناك مجموعات إرهابية تابعة لها تعزز وجودها في إفريقيا وآسيا. لقد حان الوقت فعلا لنرتقي إلى مستوى جديد من العمل الدولي، الذي يتطلب منا جميعا توجيه مواردنا، وتنسيق الأدوار والمسؤوليات فيما بيننا، وتوحيد جهودنا العسكرية والأمنية. وعليه، يجب على بلداننا والمؤسسات الدولية العمل بشكل جماعي، وكتحالف دولي بكل ما تحمله الكلمة من معنى ".

إلا أن جلالته لم ينس الإشارة بأن على العرب والمسلمين مسؤولية خاصة في محاربة هذه الآفة ، ليس فقط من أجل هزيمتها بل لحماية الدين الحنيف من غلوائها وتطرفها : " نحن العرب والمسلمين، تقع علينا مسؤولية وواجب تصدر جهود محاربة الخوارج. فهذه حرب لحماية ديننا الحنيف، وقيمنا، ومستقبل شعوبنا في النهاية ".

كما لم ينس الملك الحديث عن مأساة اللاجئين السوريين فهي : " من أكبر المآسي الإنسانية في عصرنا، وقد رأينا آثارها على شواطئنا وحدودنا. والأردن هو الأكثر تأثراً بهذه الأزمة، إذ يقابل كل خمسة من أبناء وطني، سوري يستضيفه بلدنا الآن ".

ومن أجل الإحاطة بذلك وعدم استمرار فواجعه وآلامه فإنه لا بد : " أن يتوقف القتل في سوريا إذا أردنا أن نمضي قدما نحو حل سياسي للأزمة هناك، يحمي استقلال ووحدة سوريا، ويمكن الشعب السوري من العيش بكرامة والتمتع بالحقوق التي يستحقها. إن التوصل لهذا الحل السياسي هو المفتاح لنكسب هذه الحرب، وهو ما سيمكننا من تركيز جهودنا على التهديد العالمي للإرهاب " .

وفي المحور العراقي ، لم ينس جلالته الإشارة ، بل التأكيد على أن المصالحة الوطنية بين جميع العراقيين هي مفتاح الحل في هذا البلد ، مشددا على أنه : " لا ينبغي أن نسمح باستغلال الاختلافات الطائفية والدينية لتنفيذ أجندات سياسية أو كسب النفوذ والسلطة " .

وكذلك الامر كانت القضية الفلسطينية حاضرة في خطاب الملك الهام ، فقد تحدث عن أن استمرار تجاهل حل القضية الفلسطينية سيدعم أطروحات ودعاية داعش : " إن ترك الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، دون حل، سيحوله إلى صراع ديني على نطاق عالمي. وهي مسألة وقت فقط، قبل أن نواجه احتمال اندلاع حرب جديدة في غزة أو في جنوب لبنان، لذلك، يبقى حل الدولتين الأولوية لنا جميعا " .

في الشأن الأوروبي ذي الصلة ، أكد على أن على أوروبا استباق الزمن ، خاصة في دول البلقان المسلمة ، ولا يتم ذلك إلا من خلال دعم العالم لتلك الدول : " إن لأوروبا مصلحة، بالتأكيد، في دعمنا كجيران لها على الجانب الآخر من البحر المتوسط. ومن الضروري أن لا نتجاهل أيضا التحديات التي تواجهنا في منطقة البلقان، والتي تستحق دولها، ذات الأغلبية المسلمة، دعمنا لاستباق خطر التطرف ".

ولم يكتف جلالته بالدعوة لذلك ، بل شرح للقادة وجهة نظره قائلا : " أدعوكم من هذا المنبر ، أن تنفتحوا على دول البوسنة والهرسك والبانيا وكوسوفو. يجب أن تكون هذه الدول، إضافة إلى دول أخرى في منطقة البلقان، جزءا رئيسيا من تكوين أوروبا، وأحد دعائم أمنكم وازدهاركم، ونماذج للتعايش والاعتدال والتسامح، وليكونوا بذلك الجبهة المدافعة عن استقراركم في أوروبا ، آمل أن يتمكن مؤتمر ميونخ للأمن من معالجة هذا التحدي، حتى لا نجد أنفسنا مجتمعين مجددا، بعد عدة سنوات، لمناقشة تهديدات كان بإمكاننا استباقها ومنع حدوثها ".

لقد كانت كلمة شاملة جامعة ، أعاد فيها الأردن التأكيد على أن محاور سياساته في المنطقة وعبر العالم ، تهدف إلى صالح الإنسانية جمعاء ، وليس  فقط شعوب هذه المنطقة التي تغلي بأحداث لا يعلم غير الله تعالى ، إلى أين ستصل ، وكيف ستذهب بالبلدان وبالشعوب وبالخرائط .

د. فطين البداد

fateen@jbcgroup.tv 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات