موت السياسة بعد موت الأيديولوجيا

تم نشره الإثنين 17 تمّوز / يوليو 2017 12:51 صباحاً
موت السياسة بعد موت الأيديولوجيا
جميل النمري

ما نزال نعيش مرحلة نهاية القرن العشرين سياسيا مع إرهاصات أولية لظواهر قد تتحول الى مسار، لكن من المبكر الخروج باستخلاصات، وثمة من الغموض والالتباس ما يمنع المغامرة بصياغة توقعات جدية، ولا أعرف أو لم تقع يدي على دراسات مستقبلية بهذا المعنى.

القرن العشرون في معظمه كان قرن الأيديولوجيا بامتياز، قرن الروايات الشمولية الكبرى، بدأ بالثورة الشيوعية ومرّ بالفاشية والنازية وشهد حربين عالميتين وحروب تحرر وطنية واستقر على حرب باردة قسمت العالم بين معسكريين يتصارعان الأيديولوجيا وعسكريا وسياسيا واقتصاديا حول مستقبل العالم، وانتهى بانهيار المعسكر الشرقي بصورة حمّست منظرا أميركيا (فوكوياما) أن يعلن نهاية التاريخ، والمقصود إذا كان التاريخ هو صراع البدائل وتعاقب أشكال الأنظمة السياسية الاقتصادية الاجتماعية، فإن انتصار الليبرالية النهائي يعني نهاية التاريخ بهذا المعنى. ومقولة الرجل مغامرة نظرية وفرضية طارئة حصلت على ضجّة تتجاوز قيمتها لكنها في جانب تلتقي مع توافق المنظرين على نهاية عصر السرديات الكبرى أو العقائدية السياسية، ولا يغيّر من هذه الحقيقة آخر موجة عقائدية سياسية مثلتها التيارات الإسلامية وبعض تعابيرها العنيفة وآخرها الداعشية فهي تشبه الهزة الارتدادية اللاحقة والخاتمة لحقبة آفلة.

في غياب الصراع الأيديولوجي بقي فقط نشر الديمقراطية السياسية إلى كل مكان لم تصله بعد، وبينها طبعا منطقتنا العربية التي تضم عددا من أنظمة الاستبداد السياسي. وحملت ثورات الربيع العربي طموح الشعوب للحرية والديمقراطية والعيش الكريم، لكن الطموح الذي حرك الجماهير ابتداء انسحق ما بين عنف الأنظمة المنهارة وعنف التطرف الديني. مع ذلك ثمة نماذج نجت من الكارثة وتعيش حالة انتقالية متحركة، والمثال الذي في البال بالطبع هو النموذج الغربي التقليدي للتعددية الحزبية والبرلمانية في التداول على السلطة الحكومية. وهذا النموذج كان يتجه الى ما يفترض أنه الصيغة المثالية للثنائية القطبية أكان على شكل حزبين أو ائتلافين رئيسيين يتناوبان على السلطة، أو إذا اضطرا يتشاركان فيها. ومع غياب بل انتفاء الاحتمال لأي بديل جذري فإن الصراع السياسي استمر بنفس النمط المألوف بين قطبين تفليديين؛ يسار ويمين، محافظين وإصلاحيين.. إلخ، وهو النموذج الذي يبدو لنا وكأنه يدخل في مأزق.

كما تحدثنا في مقالات سابقة، فقد أظهرت الانتخابات الأميركية ثم الفرنسية أن الانقسام السياسي – الحزبي التقليدي أصبح في مأزق والجمهور لم يعد يراهن على الأحزاب التقليدية والتاريخية التي تداولت على السلطة من اليمين واليسار، لذلك تتحقق ظاهرة أن يأتي شخص من خارج الحزبين الرئيسيين ويحقق شخصيا اختراقا مذهلا. والجديد الذي أفكر فيه أن ثمة ما هو أكثر من مأزق الأحزاب التقليدية، أنه مأزق السياسة بوجه عام! لقد بقيت السياسة وحدها بدون غطاء أو مظلة عليا تلك التي تمثلها الأيديولوجيا أو الرؤية المثالية لمستقبل المجتمع أو البشرية والمنافسة باتت تدور حول السياسات والبرامج والمواقف، وهي في الانتخابات وفي الممارسة مراوغة للجمهور ولأصحابها، وفي نهاية المطاف تبدو السياسة مجرد غطاء للمنافسة على السلطة والديمقراطية آلية لتقنين هذه المنافسة. وإذا راقبنا سير الانتخابات في الغرب عموما يمكن ملاحظة انخفاض المنسوب السياسي وتقدم الانطباعية الشعبوية، وأن الحزب لم يعد يقدم بكل أبهة خطابا سياسيا منحازا لرؤية وبرنامج متكامل وضعه قادة ومفكرون بل حملة تسويقية يمكن إسنادها لأي شركة متخصصة.

والمتأمل في أسلوب ترامب في السياسة الخارجية يلمس كيف أنه يخرج عن كل المعايير السياسية، وربما يمكن فهمه أفضل من خلال مفتاح تفكير من المجال الذي عمل فيه أي البزنس وهو حتى الساعة يحقق نجاحا على ما نرى. وللحديث بقية.

الغد    2017-07-17

 

 


مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات