الرشوة وبداية الكارثة

تم نشره السبت 16 أيلول / سبتمبر 2017 12:55 صباحاً
الرشوة وبداية الكارثة
باسم الطويسي

ازداد الإدراك الرسمي مؤخرا لتنامي ظاهرة الفساد الصغير أو الرشوة ووصولها الى القطاع العام باشكال مختلفة، وهناك قصص لا تنتهي عن التعقيدات التي يضعها موظفون في وجه مصالح المواطنين في سبيل الحصول على رشوة، ويمتد ذلك من مؤسسات إلى جهات تنظيمية وخدمية وسلطات متعددة المستويات. الخطورة ان هذا النوع من الفساد الذي يبدو للوهلة الاولى ظاهرة تقليدية وجدت في الماضي وتوجد في معظم المجتمعات يعد اليوم حسب خبراء النزاهة الاخطر ليس فقط في تهديد نزاهة القطاع العام وضمان توفير خدمات عامة وفرص متساوية امام جميع المواطنين، بل ان هذا الفساد حينما يضرب المجتمع يصل الى العمق ويضرب ما تبقى من رأس المال الاجتماعي، وبالمختصر يشكل هذا النمط من الفساد بداية الكارثة. 
 قبل نحو عشر سنوات صدمتنا أرقام استطلاع للرأي العام الأردني حول ظاهرة الرشـوة في الأردن، والتي خلصت إلى أن أكثر من نصف الأردنيين قد تعاملـوا بالرشـوة خلال عام 2006م، في ذلك الوقت تعاملنا مع تلك الأرقام بنوع من عدم التصديق، اليوم للأسف يبدو أن الكثير من الوقائع تغيرت.
 بدون شك تعد الرشـوة أحد إشكال الفساد وجريمـة تعاقب عليها معظم القوانين في العالم ويتفاوت حجم العقاب بين أطراف الجريمـة الثلاثـة الراشي والمرتشي والوسيط، ولكن الكثير من الأدبيات العلميـة إلى جانب ما رسخ في الوعي الاجتماعي ينظر إلى الرشـوة باعتبـارها جريمـة أخلاقية بالدرجـة الأولى، وتقع في أدنى سلم أشكال الفساد لان معظم المتعاملين بالرشـوة من راشين ومرتشين هم من عامـة الناس، فهم مواطنون تعيق مصالحهم وأحوال معاشهم البيروقراطيـة وتعقيدات العمل العام، أو موظفون صغار في أحياناً كثيرة لا يفرقون بين الرشـوة والإكرامية وهذا جانب آخر من تعقيد المشكلة. 
    لقد حافظت الإدارة الأردنية عبر تاريخها على سمعة وصرامة عاليتين، ومع هذا تشكل العديد من المؤشرات الجديدة والكثير من القصص التي نسمعها يوميا  صدمة حقيقية لما هو متعارف عليه في هذا الشأن، وعلى اقل تقدير وفق الانطباعات العامـة بالمقارنـة مع بيئات أخرى محيطـة، نعلم نحن، وتتحدث تقاريرها ووسائل إعلامها بأن الرشوة تعد لديهم جزءاً من السلوك العام، مقابل اننا ولهذا الوقت نصر على ان السواد من صغار موظفي القطاع العام يرفضون حتى ما يسمى بالاكرامية التي يعدها آخرون شكلاً من أشكال الثناء والشكر.
  المشكلة الأخرى أن تعريف الرشوة ما يزال غير محدد بوضوح، بينما تذهب الكثير من التقارير والمؤسسات المعنية إلى ربطها بالوظيفة العامة، يقل الحديث عن هذا الشكل من أشكال الفساد في القطاع الخاص، والأشكال الأخرى من الابتزاز والإغراء التي تصل في بعض المجتمعات الوظيفية إلى حد الابتزاز الجنسي والأخلاقي والثقافي لتمرير المصالح في القطاعين الخاص والعام، وأهمها الضغوطات والتدخلات والمقايضات وتبادل المصالح في تصعيد القيادات الإدارية وضبابية النزاهة في سلوكيات قادة القطاع الخاص، وغياب أنظمة رقابة حقيقية تأخذ بعين الاعتبار المصالح المجتمعية.
   الى وقت قريب كنا ننظر الى ظاهرة الرشوة بانها صغيرة ومحدودة، أي تواضع قيمـة تلك الرشوة وأن مقاصدها في الحالـة الأردنيـة لا تتجاوز مجرد تسهيل إجراءات قانونيـة أو تعجيلها، وبعضها الآخر تُدفع بعد ان يتم  إنجاز المعاملـة؛ أي أن الإنجاز غير مرتبط أصلا بالدفع، اليوم بات الأمر مختلفا وهناك روايات عن شبكات شبه منظمة تدير آليات تلقي الرشى وعليك أن تدفع وإلا لن تمر. ببساطـة لا نريد ان ندير دفـة معركـة مقارعـة الفساد إلى اتجاهات أخرى غير ساحاتها الحقيقيـة التي يجب ان تتوجه نحوها، حينما نربطها بالعمق المجتمعي وبسلوكيات الناس اليوميـة لدى صغار الموظفين أو أصحاب الحاجات من عامـة المجتمع؛ أولئك الذيـن تعيق أشكال الفساد الأخرى مصالحهم وحاجاتهم، لكن هذا هو الواقع وعلينا الاعتراف به والتعامل معه بجدية.

الغد  2017-09-16



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات