هو الراعي الصالح

تم نشره الأحد 19 تشرين الثّاني / نوفمبر 2017 02:59 مساءً
هو الراعي الصالح
أ.د.م منذر حدادين

اختارت الكنيسة الأرثوكسية المقدسية ما لا خيار غيره، وهو الصدام مع عطريت كوهانيم مؤسسة المستوطنين اليهود والتي لم يسلم من عداواتها عربي فلسطيني يتشبث بأرضه وهويته، ووجدت هذه المؤسسة العنصرية المتطرفة بعض المتعاونين، عرباً وغير عرب، لتحقيق مآربها.

وكان في قائمة أطماعها شراء ما يباع وما لا يباع من أراضي زهرة المدائن مركز تبشير السيد المسيح ومسرى الرسول العربي الهاشمي الأمين.
وحدث أن قادت الأطماع موظفاً لبطريرك المدينة المقدسة السابق إلى شرك هذه المؤسسة فقام مستعملاً الوكالة العامة التي كان البطريرك السابق قد أعطاها لهذا الوكيل (وهو من التابعية اليونانية) ببيع عقارين في ميدان عمر بن الخطاب (ساحة باب الخليل) وبيت في المعظمية تملكها الكنيسة الأرثوذكسية وتستغلها قانونياً عائلات عربية مقدسية، وقام ذلك الوكيل غير الأمين ببيعها لعطريت كوهانيم وهرب من وجه العدالة. ويتطلب القانون المنظم لعمل البطريركية المقدسية قراراً من المجمع المقدس برئاسة البطريرك وعضوية 18 كاهناً راهباً منتخبين لبيع أية أصول تابعة للكنيسة، وهذا ما لم يحصل وهي حقيقة صالحة للدفع ببطلان عملية البيع.

دفع البطريرك السابق ثمن إهماله وتصرفات وكيله وتم عزل البطريرك عن السدة البطريركية، واستبدل ببطريرك جديد تم انتخابه بإجماع عضوية المجمع المقدس، وصدرت إرادة ملكية بتعيينه بطريركاً للكنيسة الأرثوذكسية المقدسية، كما صدر مرسوم من رئيس السلطة الفلسطينية بنفس المحتوى، وأحجمت حكومة إسرائيل من إصدار اعتراف بإشغاله السدة البطريركية.

وعشنا مع البطريرك الجديد ثيوفيلوس منذ انتخابه عام 2005 وحتى يومنا هذا معاركه ضد المستوطنين اليهود وضد حكومتهم اليمينية المتطرفة، وضد بلدية القدس غير المعترف بسلطاتها البلدية على ما هو محتل من أراضي المدينة المقدسة. وكانت كل تلك المعارك من أجل استخلاص الأملاك الكنسية (وليست كلها من أملاك الوقف الكنسي) التي سلكت المؤسسات الإسرائيلية طرقاً معوجة للوصول إليها واستغلالها أو ادعاء ملكيتها أو التصرف بها عن طريق الاستئجار الحكري لفترات طويلة كما حدث في الطالبية ورحافيا والقطمون في أوائل الخمسينات من القرن الماضي أو عن طريق الاستملاك والحيازة الفورية كما هو الحال في حديقة الجرس من أراضي القدس الغربية التي تصرفت بها بلدية القدس. ولم تقتصر المعارك على هذه الحالات التي أوردناها مثالاً وإنما كانت سلسلة من المعارك المكلفة، ونجحت البطريركية في معظمها.

اكتسب البطريرك الجديد ثيوفيلوس الجزيل الاحترام عداوة عطريت كوهانيم بجدارة مميزة، واكتسب حقد الحكومة الإسرائيلية بسبب اضطرارها إصدار اعترافها به على غير رغبتها وهناك سبب مشترك بينهما وهو بسالة البطريرك في الدفاع عن أملاك الكنيسة وحنكته في توفير الأموال اللازمة للجولات القضائية بما فيها أتعاب المحامين الخيالية، حتى أنه انبرى للدفاع عن عقارات ميدان عمر بن الخطاب باسم مستأجري تلك العقارات من العائلات الفلسطينية الكريمة وتحمل أكلاف كل ذلك نيابة عنهم.

وبدلاً من تقديم الدعم السخي للبطريرك من قبل الرعايا الأرثوذكس القادرين، وخاصة بعد احتلال القدس وضمها من قبل إسرائيل،طفقت مجموعات عربية أرثوذكسية تستعدي كل بطريرك أرثوذكسي بدوافع التعصب القومي، وهم يبتغون بكل وسيلة، بما فيها التجني على البطريرك، وبما فيها الاستناد إلى أقوال الأعداء، ووصم البطريرك- كل بطريرك- بما ليس فيه، يبتغون "تعريب الكنيسة".

وطفقتُ أبحث في الأنجيل عن نفحة قومية تفوّه بها السيد المسيح لعل خطبةً له من على أحد المنابر يفوح منها عطر القومية العربية فلم أجد، وتذكرت أن السيد المخلص كان يتكلم الآرامية، وهي لغة السيدة التي اصطفاها رب العالمين بين النساء. ثم تمعنت في أعمال الرسل فلم أجد جنوحاً قومياً في أي منها، عربياً كان أم آراميا أو حتى بيزنطيا. بل وجدت أن المسيح جاء مخلصاً للبشر جميعاً.

وجدير بالذكر أن أنباء الأملاك الأرثوذكسية والتلميحات بتواطؤ البطريركية مع الأطراف الإسرائيلية كانت وما زالت تنطلق من المصادر الإسرائيلية ذاتها مبتورةً ملونةً بما يخدم مصالح تلك الأطراف، فصحفهم تنشر أنصاف الحقائق كعادتها في أي أمر طرفه الآخر أردني أو فلسطيني أو عربي. وكعادتنا نحن ننساق خلف الأنباء السلبية ونطعن بتحريضاتها ذاتنا، وما كاتب هذه السطور بمستثنىً من هذا الكار، فقد كنت كغيري من الشباب الأردنيين الغيورين بين الذين تظاهروا من أبناء الأردن ضد الحكومة الأردنية برئاسة هزاع المجالي لمنع الأردن من الانضمام إلى حلف بغداد عام 1955 لأكتشف عام 1999 بعد فوات الأوان واحتلال الضفة الغربية أن إسرائيل كانت تضغط عام 1955 على الإدارة الأميركية برئاسة أيزنهاور كي تعمل تلك الإدارة ما يلزم لمنع الأردن من الانضمام إلى حلف بغداد .

والسبب هو أن انضمام الأردن إلى ذلك الحلف يحمي الأردن بضفتيه من أطماع التوسع الإسرائيلي. وهكذا كنا في مظاهراتنا ضمن زهرة الشباب الأردني الغيور نؤدي خدمة للإطماع الإسرائيلية دون أن ندري! فرحم االله هزاعاً ورفاقه شوكت رشيد الخصاونه وسواه من الأردنيين والفلسطينيين الغيورين حقا

منذر حدادين - الرأي 2017-11-19

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات