هل أحرق الرئيس الفلسطيني السفن؟

تم نشره الخميس 18 كانون الثّاني / يناير 2018 12:19 صباحاً
هل أحرق الرئيس الفلسطيني السفن؟
د.أحمد جميل عزم

شن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، هجوماً في افتتاح دورة المجلس المركزي، الأحد الفائت، في اتجاهات عدّة، وبلغة لا حذر فيها، ما يثير أسئلة هل قرر الرئيس "إحراق سفن؟". واذا كان الأمر كذلك فعلام يراهن؟ 
يُشتق تعبير إحراق السفن، من قصة منسوبة للقائد المسلم طارق بن زياد، أثناء فتح "الأندلس"، في القرن الثامن الميلادي، ورغم شيوع القصة، أنّ هذا القائد أحرق عندما وطئ الأرض قادماً وجيشه من البحر، سفنه، ليقول لجنده، العدو من أمامكم والبحر من ورائكم، وليمنع أي تفكير بوجود حل سوى القتال بإقدام، فإنّ هناك من يشكك بصحة الرواية، وبأن يُقدم قائد عسكري على هذه الفعلة التي تهدد جيشه وتحد من خياراته. ولكن إذا صدقت القصة كان ابن زياد، يراهن على جيشه. فهل أحرق عباس السفن؟ وعلام يراهن؟
كانت المفاجأة الأولى في خطاب الرئيس الفلسطيني في افتتاح المجلس، العرض التاريخي المفصل للصراع على مدى مائة عام، خصوصاً أنّ الجمهور (أعضاء المجلس) لهم من العُمر والتجارب ما يجعل التفاصيل معروفة لهم، ولكن سرد مثل هذا كون عادة مقدمة ليستذكر المستمع السياق التاريخي المنطقي الذي يوصل لنتيجة يريد المتحدث بلوغها. فهل كان السرد التاريخي وسيلةً لتبرير الوصول للهجوم؟. الشق الثاني المفاجئ في الخطاب، كان اللغة المستخدمة والتفاصيل المعلنة، بدءا من الإشارة إلى أنّ مسؤولا عربيا عرض تعديل مبادرة السلام العربية مقابل مساعدات مالية، إلى استخدام كلمات يصعب على سبيل المثال ترجمتها للغات الأجنبية تعطي معناها المقصود. مثل، استخدامه لفظ "يخرب بيته" مرات عدة، منها ما يتعلق بالحديث عن الرئيس الأميركي.
هاجم الرئيس الفلسطيني، العضو البارز في حركة "حماس"، محمود الزهار، ووصفه بطول اللسان. ولكن حتى الزّهار قال مرة، في حديث صحفي العام 2010 " أبو مازن سيفعل ما فعل أبو عمار (ياسر عرفات في كامب ديفيد) إنه لن يتنازل عن الثوابت وينتهي الأمر". وهذه النتيجة وصلت إليها طائفة واسعة من الفلسطينيين، المشتغلين بالعمل السياسي، حتى من معارضي عبّاس. وتوضح جزءا مما يحدث، فبغض النظر عن أن حل الدولتين لا يلقى إجماعا فلسطينيا، فإنّ الرئيس الفلسطيني لا يبدو بوارد الموافقة رسمياً عن حد يقل عن التنازل التاريخي للمجلس الوطني الفلسطيني للعام 1988 الذي يقبل دولة على حدود العام 1967. 
إذا نُحيَت اللغة التي استخدمها الرئيس الفلسطيني، والانتقادات الحادة التي وجهها صراحة للإدارة الأميركية وأشخاصها، وإعلان عدم الارتهان للمساعدات والقوة الأميركية، والانتقادات الضمنية دون أسماء، لمسؤولين عرب، عدا ذلك، تبنى الرئيس الفلسطيني ذات المواقف القديمة، بالنسبة لعملية السلام، والمفاوضات، والمقاومة، وأكد حرصه على علاقاته مع الدول العربية، مع إِشارات صريحة لتقديره للدورين المصري والأردني، بل والاعتذار للكويت، عن الموقف من حرب العام 1990. أما قرارات المجلس المركزي، فما تزال دون تصور واضح للمرحلة المقبلة. 
إذا كانت المساعدات الأميركية وغير الأميركية، والوساطة الأميركية هي السفن التي يحرقها الرئيس الفلسطيني فهذا لأنه اكتشف أو تأكد أنّها معطلة وباهظة التكلفة، ويريد إصلاحها أو التخلي عنها، والواقع أن التخلي عنها ما يزال ينتظر تطبيق قرارات المجلس المركزي بشأن الاعتراف بإسرائيل والدعوة لمقاطعتها ومحاكمتها دوليا، فضلا عن ترقب ردة الفعل الفعلية عليها. 
ستؤدي تصريحات الرئيس الفلسطيني إما إلى تغاضي من هاجمهم عن كلماته الغاضبة ومحاولة احتواء هذا الغضب، أو سيتم بلورة خطة لعزل الرئيس الفلسطيني مع استمرار عمليات تصفية القضية الفلسطينية. 
إذا ما تم احتواء الغضب الفلسطيني بخطة تفاوض جديدة فهذا هو الحرق الحقيقي للسفن دون مقابل. 
السفن الحقيقية للفلسطينيين هي التي جرى إيقافها طويلا، وقبل أن توصلهم إلى البر.
إذا كان طارق بن زياد قد أحرق سفنه، فقد كان قد وصل للبر، ويراهن على جيشه.  
السفن والأدوات الفلسطينية التي تحل مكان الجيش، هي منظمة التحرير، وتفعيلها، وتجديد المجلس الوطني الفلسطيني، وحل موضوع غزة، والمقاومة الشعبية السلمية المخططة والشاملة، ووقف التنسيق الأمني، وغيرها من الإجراءات والسياسات التي تنتظر التفعيل وإلا راوح الفلسطينيون مكانهم. 
تعطيل هذه السفن طويلا بانتظار "السفن الأميركية" ربما كانت السبب الحقيقي للأزمة الفلسطينية الراهنة.

الغد 2018-01-18



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات