المقاومة: الترييف والتدويل .. الشبيبة والكوادر

تم نشره الثلاثاء 06 شباط / فبراير 2018 01:12 صباحاً
المقاومة: الترييف والتدويل .. الشبيبة والكوادر
د.أحمد جميل عزم

تجري الغالبية العظمى من نشاطات المقاومة الشعبية الفلسطينية في مكانين أساسيين؛ الريف الفلسطيني وعواصم الدول الأوروبية، فيما مشاركة قلب المدن الفلسطينية "شكلية"، في الوقت ذاته، فإنّ غالبية نشاطات المقاومة، أو بكلمات أخرى أغلبية المواجهات مع الاحتلال على الحواجز العسكرية ونقاط ومناسبات الصدام، هي من شباب، لا يوجد لديهم قيادات توجههم. وهاتان الملاحظتان تجسدان إلى حد كبير واقع الفعل الشعبي الفلسطيني، أو جزءا مهما من معالم التعثر فيه.
لقد استخدم الباحث عبدالرحمن التميمي، مصطلح "من الترييف إلى التدويل"، للدلالة على ظاهرة تركز المقاومة الشعبية الفلسطينية التي تأخذ شكل مظاهراتِ مناهضةِ جدار الفصل العنصري في الريف حيث القرى التي صادر مسار الجدار جزءا من أراضيها، يدعمهم نشطاء أجانب يأتون من الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، وكثيراً ما يجري تنظيم نشاطات في المدن الأميركية والأوروبية لاستضافة شبان من هذه القرى، للحديث للجمهور الأوروبي، وفي كثير من الأحيان لا يتقن هؤلاء الشبان (الذين يتركون تدريجيا سن الشباب فقد مضى على انغماسهم في هذه العملية نحو خمسة عشر عاماً)، اللغة الإنجليزية فعلاً أو لغة أخرى لجولاتهم. وفي إحدى الحالات اكتشفتُ أن شابا يزور كثيرا من البلدان يكاد لا يعرف مدينة رام الله (عاصمة الأمر الواقع في فلسطين). وبالمحصلة أصبحت ظواهر المقاومة الشعبية، عبارة عن بؤر، فيها الكثير من الجهد المهم والنضالي، مع اعتماد على دعم ناشطين أجانب. وهناك محاولات متكررة للتنسيق بين هذه البؤر، ورغم بطولة نشطاء في هذه البؤر، وتصديهم للاحتلال بمناسبات مختلفة إلا أنّه لا استراتيجية تذكر، لجمع هذه المقاومة وتجديد وسائلها، لتكون جزءا من عملية ممتدة في كل المناطق، وبما يشمل أيضاً تفعيل الشتات الفلسطيني، وتعبئة جبهة عربية مساندة. 
بالمثل يكفي أن ترى وجوه "ضحايا" القتل الإسرائيلي، أو صور المعتقلين، لتجد أنّ غالبية عظمى هي من شبان حول العشرين من عمرهم. فهناك الآن حالة لا يوجد فيها ما يعرف في الإرث النضالي الفلسطيني باسم الكوادر، أي العناصر المجربة في منتصف العمر، التي تشكل مرجعيات للنضال في المواقع المختلفة، التي كان الشبان يرجعون إليها، في تنظيم تحركاتهم. فالمبادرة الذاتية والفردية لشبيبة غير مجربة، هي السمة الأبرز في الهبات الجارية في مواقع مختلفة، وهذا الوضع بدأ تقريباً منذ ثلاث أعوام. فقبل ذلك، وعلى مدى سنوات (تقريبا بين 2011- 2015)، كانت هناك محاولة لتطوير شيء اسمه الحراكات الشبابية، التي تستنسخ تجربة الربيع العربي. 
لقد استوعبت أجهزة السلطة الفلسطينية الرسمية، والمنظمات غير الحكومية المرتبطة ببرامج المانحين الغربيين، (NGOs) أغلب من يمكن تسميتهم بالكوادر، وتستوعب تدريجياً من يمكن أن يصعدوا ليكونوا كذلك، بما في ذلك قيادات العمل الطلابي. فجزء مثلا ممن كانوا في قيادة المقاومة الشعبية والحراكات الشبابية، جرى استيعابهم في واحد من هذين القطاعين. وهذه القطاعات، رغم سلامة النوايا والوطنية الصادقة، لدى عناصرها، أصبحت تعيش مهام متناقضة، يتعلق كثير منها بالحفاظ على الاستقرار والوجود والبقاء، وحالة الشك بنوايا وارتباطات أي قوى فاعلة.
هؤلاء الكوادر هم من يستطيعون عادة تنفيذ أي استراتيجية، فضلا عن تطويرها، والاستراتيجية تعني بناء الحركة المنسقة، أو التنظيمات الموحدة، وأي حركة موحدة أو تنظيمات موحدة، قد تخيف وتثير تحسب الأجهزة الأمنية والبيروقراطية، خاصة إذا لم تتواجد آلية لتنسيق الجهود. وبعد قرار دونالد ترامب، بشأن القدس، حدث نوع من التغيير النسبي في نمط الحراك، إذ عاد كثير من كوادر المقاومة الشعبية ليتولوا زمام توجيه التحركات، خصوصاً وقد حاولت حركة "فتح" قيادة الاحتجاجات، وتنسيقها، ورد الاحتلال باعتقال أغلب مفاتيح هذه المقاومة، ومع عدم وجود تنظيم شعبي قوي، يعوض غياب هذه الكوادر سريعاً، بدت الضربة مؤثرة. 
العلاقات بين مواقع المقاومة الشعبية في الريف وداعميهم الخارجيين من القوى الشعبية المتضامنة، ليست جيدة دائماً، فهناك اختلاف أجندات أحياناً، ولكن الأهم أن تطوير حالة فلسطينية موحدة لا يبدو ممكنا بغياب الكوادر المجربة، وانشغالها بالسلطة وعمليات التنمية العبثية تحت الاحتلال. وهذا يؤدي إلى قيام كثير من الشبان اليافعين الذين يعيشون ظرف الاحتلال الضاغط بمبادرات وردود فعل تحتاج الكثير لتتحول إلى استراتيجية.     

الغد 2018-02-06



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات