ضجيج الوحدة لا يخفي حقائق الانقسام

تم نشره الثلاثاء 02nd تمّوز / يوليو 2019 12:46 صباحاً
ضجيج الوحدة لا يخفي حقائق الانقسام
عريب الرنتاوي

احتفينا واحتفى غيرنا بوحدة الموقف الفلسطيني من «صفقة القرن» و»ورشة المنامة» ... وتابعنا الخطابات الحماسية للناطقين باسم الفصائل في التظاهرات والوقفات «غير الحاشدة»، وشاهدنا المتحدثين باسم طرفي الانقسام، وهم يتصببون عرقاً، فيما أوداجهم تكاد تنفجر لفرط الحماس والانفعال والتصميم على وحدة الموقف واستعادة الوحدة.
لا شيء يذكر تحقق على طريق استعادة المصالحة واسترداد الوحدة ... لا شيء تغير في اليوميات الفلسطينية على ضفتي الوطن الفلسطيني المحتل والمحاصر ... صبيحة اليوم التالي عاودوا ممارسة يومياتهم المعتادة، وكأن الحديث الصاخب عن الوحدة، يكفي وحده لاستردادها، أو أقله لتبرئة النفس من أوزار غيابها ... والأخطر من كل هذا وذاك، أن ليس ثمة في الأفق ما يشي ويشير إلى أن خطوة للأمام ستُقطع قريباً أو في المدى المنظور على هذا الطريق الشائك.
الانقسام بات واحدا من الحقائق المرة للمشهد الفلسطيني، وكل وعود تبديده وإنهائه تتبخر ما أن ينتهي الخطيب من إلقاء خطبته العصماء، أو يترجل عن المنصّة ... الفلسطينيون مسكونون بهاجس الوحدة لفظياً، بيد أنهم عملياً، لا يتركون فرصة تمر دون تعميق انقساماتهم ... هذه هي الحقيقة العارية، والتي زادتها «عرياً وبشاعة» كما لم يحدث من قبل، سياسات اليمين الإسرائيلي واليمين الشعبوي الأمريكي ... لا القدس والأقصى والجولان تكفي كسبب لاستعادة الوحدة، ولا المؤامرة على اللاجئين و»الأونروا»، ولا القرار المنتظر بضم مناطق واسعة من الضفة الغربية – ربما قبل نهاية العام الجاري – ولا المصير المجهول لمبدأ تقرير المصير والدولة المستقلة، لا الحصار والعزلة وتخلي ذوي القربى ... كل هذا لم يكف الأفرقاء لأن يكون سبباً للهبوط عن قمة الشجرة، ونبذ المصالح الأكثر ضيقاً وتفاهة والالتفات للمصلحة الوطنية العليا ... إن كانت كل هذه المؤامرات ليست كافية لتوحيد الفلسطينيين، فما الذي سيوحدهم؟
دعونا نخرج من أوهامنا، ونكف عن الرهان على «غيرة» و»غيرية» هؤلاء ... هم ليسوا كذلك، فلا صوت عندهم يعلو فوق صوت مصالحهم الأضيق، شخصياً وفصائلياً ... دعونا نعود لما كنا عرضناه قبل أكثر من عامين: «سيناريو كردستان العراق» ... دعوا غزة ورام الله لتصبحان السليمانية وأربيل ... حكومة وبرلمان – فيدرالي واقعياً – وحكومات ظل تدير شطري الوطن، أقله حتى إشعار آخر ... لنقر بغزة لحماس والضفة لفتح، مع أن الشطرين ما زال تحت الاحتلال والحصار الإسرائيليين، ولنجري ترتيباتنا على هذا الأساس، على أمل أن تنبثق ديناميكيات جديدة تحت سقف الوحدة الفضفاضة، تفضي إلى تفكيك «دويلة فتح في الضفة» و»إمارة حماس في غزة»، لينخرط الكل الفلسطيني ذات يوم، نأمل ألا يكون بعيداً، في محاولة لإعادة بعث الحركة الوطنية الفلسطينية، ولا أقول النظام السياسي الفلسطيني، فلا نظام سياسياً تحت الاحتلال والحصار، سيما بعد أن تأكد أن «الدولة» ليست على مرمى حجر، بل وقد لا تكون خياراً ممكنا للشعب وحركته الوطنية بعد اليوم.
«ما لا يُدرك كله، لا يترك جُلّه»، هي حكمة قديمة، البعض يرى أنها تلخص «البراغماتية» في السياسة، وهذا صحيح ... إن لم يكن ممكنا تحقيق الوحدة التامة بشروط مثالية، فلا أقل من الإبقاء على شعرة معاوية بين شطري الوطن، والشروع في التجسير السياسي والمؤسسي والجغرافي، بعد أن اتسعت الهوة وتعاظمت فجوة الانقسام ... مثل هذا السيناريو، يمكن أن يمهد يوماً للخروج من شرنقة الانقسام، ويمكن لأية ترتيبات على هذا الطريق، أن تكون «انتقالية»، ومن دونه لا أفق في المدى المنظور لإنجاز المصالحة بين «الإخوة الأعداء»، التي تفوق عداوة بعضهم لبعضهم الآخر، عدواتهم لعدوهم القومي في بعض الأحيان، إن لم نقل غالبيتها، سيما حين تصدر أقوالهم في مجالسهم الخاصة وغرفهم المغلقة، وليس أمام الكاميرات أو الوسطاء أو الرأي العام.

الدستور  - 

الاثنين 1 تموز / يوليو 2019.

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات