الإفلاس الأيديولوجي والحلول العملية

تم نشره الأربعاء 28 آب / أغسطس 2019 12:45 صباحاً
الإفلاس الأيديولوجي والحلول العملية
مروان المعشر

واحدة من أهم نتائج الربيع العربي هي تعرية القوى الايديولوجية في الوطن العربي وإظهار افلاسها الفكري في تقديم الحلول العملية للتحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجه المجتمعات كافة في الوطن العربي. و بالرغم من ذلك، ما تزال هذه القوى، مدنية ودينية على حد سواء، تتذرع بكافة الأسباب التي حالت دون تقديمها حلولا عملية. كثير من هذه الأسباب قد تكون موضوعية، ولكن هذه القوى ما تزال تقاوم وبشتى الوسائل ولو قدرا يسيرا من النقد الذاتي وسؤال أنفسها فيما إذا كانت ايديولوجياتها المدنية أو الدينية كافية لإحداث نقلة نوعية في مجتمعاتها. 
لم يشهد الأردن في معظم تاريخه السياسي وصول قوى فكرية متناغمة إلى السلطة التنفيذية وتقديم رؤاها الاقتصادية والاجتماعية، واكتفى عوضا عن ذلك بجهود فردية لتطبيق رؤى اقتصادية واجتماعية مختلفة نجحت في بعض النواحي، ولكنها كانت غالبا عرضة لتقلبات كثيرة مع تقلب الحكومات السريع، خاصة مع قدوم اكثر من مائة حكومة اردنية منذ تأسيس الإمارة العام 1921. وكان جل تركيز الدولة على النواحي الأمنية دون وجود رؤية مستدامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. وكان من الطبيعي ان نشهد تقلبات كثيرة من رؤى اعتمدت في اقصاها مفهوم دولة الرفاه وتعظيم دور القطاع العام في إدارة التنمية وفي اقصاها الآخر على مفهوم اقتصاد السوق الحر، مرورا بمفاهيم متعددة بين هذين القطبين. 
واقع الحال اليوم يقول إن هاتين المدرستين لم تنجحا في وضع الأردن على سكة التنمية المستدامة، بغض النظر عن آراء مناصري كل منها، والتي كانت في الكثير من الأحيان آراء أيديولوجية تفتقر إلى الأرقام والإثباتات العملية. ولا عجب في ذلك، فإن مفهوم دولة الرفاه في اقصاه الشيوعي انتهى عالميا العام 1989، ومفهوم اقتصاد السوق الحر بالكامل انتهى عالميا ايضا العام 2008 بعد الأزمة المالية العالمية. 
بالرغم من كل ذلك، فقد تنبه الأردن حتى قبل الأزمة المالية العالمية لضرورة ايجاد توافق وطني يجمع بين تسليم دفة ادارة التنمية للقطاع الخاص الأقدر على تعظيم الإنتاجية وزيادة النمو، وبين الابقاء على دور القطاع العام في تنظيم السوق ومنع الاحتكار وتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين من صحة وتعليم ونقل لتأهيلهم وتمكينهم، كل ذلك في إطار سياسي يضمن الحريات الأساسية للمواطنين والمواطنات ويوسع قاعدة صنع القرار. 
دعي هذا التوافق الوطني، الذي كتب بأيد أردنية شكلت تمثيلا واسعا للطيف السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد، بالأجندة الوطنية، والتي ما كادت تنجز حتى وضعت على الرف لأنه لم يكن هناك استعداد لتغيير طريقة إدارة البلاد. 
حسنا، ما هي الخيارات المتاحة للأردن اليوم بعد ان تم استنفاد أسلوب الإدارة التقليدي السابق، بعيدا عن وضع اللوم دائما على العوامل الخارجية دون النظر الجدي مرة للمرآة؟
هل نتشبث بأسلوب الإدارة القديم وننتظر الفرج من عوامل أو دول خارجية كالسعودية أو الولايات المتحدة وقد اصبح واضحا ان النظام الريعي المعتمد على التمويل الخارجي في طريقه للزوال، فنواجه مزيدا من التدهور الاقتصادي غير المحمودة عواقبه؟ هل نلجأ لأسلوب وضع الخطط مرة أخرى فنصل لتوافق وطني جديد يتم وضعه على الرف مرة اخرى؟ أم ندرك أن الوقت قد حان لإرادة سياسية تترجم التوافقات الوطنية لخطة مستدامة تعظم الإنتاجية والاعتماد على الذات وتشرك الناس في صنع القرار فتجنب البلاد شرورا كثيرة؟
ليتنا نحصل على أجوبة شافية غير ذريعة التدرج السلحفائي. هل هذا تغريد خارج السرب؟ بكل تأكيد. لأننا نشهد نتائج التغريد داخل السرب كل يوم.

 الغد - الثلاثاء 27-8-2019



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات