قبل ‏الانقلاب بقليل: فرصة أخيرة للحكومة الانتقالية!!

تم نشره الجمعة 15 كانون الثّاني / يناير 2021 12:44 صباحاً
قبل ‏الانقلاب بقليل: فرصة أخيرة للحكومة الانتقالية!!
عادل عبدالرحمن عمر

‏ثمة ما يشبه الإجماع بين المصادر والمراقبين والمحللين على أن الحكومة السودانية الانتقالية الحالية فشلت فشلاً ذريعاً في وضع لبنات أولية لانتشال البلاد من أوضاعها المتردية التي أدت للثورة.

فبدلاً من حلها عمّقت كل الأزمات إلى حد انهيار كل القطاعات الخدمية للدولة، من صحة وتعليم و نقل ، إلى غلاء ‏متصاعد بسبب رفع الدعم كلياً عن الوقود والكهرباء من غير تدبير مسبق، أو إقامة شبكة حماية للطبقات المتعثرة مالياً.

وحتى ‏الحاضنة السياسية للحكومة انفرط عقدها منذ أيامها الأولى قبل أن تبدأ اختبارات الحكم الحقيقية التي سقطت فيها سقوطاً مريعاً.
-٢-
‏فائض الإحساس الثوري عند شباب وصبايا الثورة ‏الذين يمرون بمرحلة عمرية حساسة ومثيرة، سددت طلقات قاتلة لفترة الانتقال، وذلك لكثرة انتهاك الطريق العام والخروج لأسباب واهية في مظاهرات ومسيرات، مع غياب تام للحاضنة السياسية التي فرضت نفسها ‏بانتهازية ‏واعية ‏وكيلاً شرعياً لثورة الشعب بدلاً من تجييش كل الطاقة الشبابية المتفجرة لمعركة الإنتاج وبناء الدولة على أسس جديدة وحديثة، تشرك بها كل القوى دون إقصاء لأحد ، وساد بدلاً عن ذلك عبث الحزب الشيوعي و قوى اليسار المختلفة التي بثت سمومها لتقسيم المجتمع السوداني إلى جناة قتلة وسارقين دون محاكمات .

-٣-
‏بعد اتفاقية سلام جوبا، وبرغم التحفظات التي أبداها عليها بعض المراقبين ، ضُخت دماءٌ جديدة في شرايين العملية السياسية المتوترة بسبب فقر الإدارة والتخطيط والفاعلية.

‏إذا تجاوزنا بعض النجاح في عملية السلام لا شيء يذكر للحكومة الانتقالية سوى رفع العقوبات الأمريكية عن السودان بعد مقايضة ذلك بالتطبيع وبعد دفع جزية سخية أرهقت خزينة الدولة الخالية من العملات الأجنبية.

‏تبدو حقيقة أداء الحكومة الانتقالية منذ انتصار الثورة وكأنها تسدد الطعنات القاتلة على جسد المواطن...‏ارتفاع يومي للأسعار يمثل نزيفاً حاداً في الجيوب التي افرغتها الحكومة بانسحاب صادم عن دعم السلع الأساسية "كالخبز والكهرباء والوقود".

‏كل هذا يحدث مع نقص مريع في اجتراح اقتراحات مبدعة من حكومة ‏التف حولها الناس في أكبر دعم جماهيري قُدم في تاريخ السودان الحديث.

- ٤ -
‏تنتظر الجماهير العطشى لتغيير حقيقي وملموس للحكومة المطعّمة بعناصر مقدرة من الحركات المسلحة، وفي اعتقادي إذا تخلت الحركات عن نظرتها الضيقة واتسعت حدقتها لكل السودان بدلاً من التركيز على مناطق محددة سيكون أجدى وأنفع بكثير، فالبلاد كلها مهمشة حتى العاصمة القومية تحتاج لثورة ثقافية كبرى مثل ما فعل الزعيم الصيني الكبير "ماو".

التشكيل ‏القادم يمكن أن يكون آخر فرص التجريب للحكومة الإنتقالية التي فشلت في انتشال البلاد من وهدتها بل زادتها تدحرجاً في حفرتها العميقة.

‏فإذا تخلت الحركات المسلحة المشارِكة في مؤسسات الفترة الإنتقالية عن الإحساس بنشوة الإنتصار والعمل على رفع الظلم عن الكل، وعدم إقصاء أي مكون فاعلٍ، سياسياً كان أم إجتماعياً فسيتحقق قدر من النجاح المثير.

فالتشكيل القادم ورث دماراً كاملاً في كل مناحي الحياة ، حيث غابت العدالة وانتشرت ثقافة الكراهية والتشفي والفوضى و التكسير المتعمد لهيبة الدولة الذي معه استبيحت كل المحرمات في ظل غياب لرسالة إعلامية من الدولة تحافظ بها على التنوع والحرية التي تحترم حرية الغير وتراعي طريقة المجتمع في معالجة قضاياه وفقاً لتقاليده وأعرافه المرعية.

- ٥ -
من المرجح أن يكون التشكيل القادم للحكومة الإنتقالية هو آخر التشكيلات لهذه الفترة، وبهذا الاقتراض فليس أمامه خيار سوى النجاح، وإلاّ فسينتهي الأمر إلى إنقلاب لكنه سيكون غير ما نعرف عن الطريقة التقليدية للانقلابات من مارشات عسكرية مع ترويج إذاعي فخيم و متوجس في آن واحد في انتظار البيان الأول .

الانقلاب هذه المرة سيكون عبارة عن إنفلات أمني لا تحمد عقباه وأقرب للحرب الأهلية الشاملة، وحينها - لا سمح الله - سيصدق علينا قول مَن حذرونا من مصير بعض الدول التي تحولت ثوراتها إلى حروب أهلية دمرت البلاد وشرّدت العباد.

وعليه فلنلتف جميعاً حول قيم الثورة وشعاراتها وحول منظومتنا الأمنية نحاول الدفاع عنها وحمايتها ضد التذويب و التلاشي تحت أي مسمى و أي شعارات أو دعاوى، فهي يا سادتي ما تبقى من هواء الأرض.

السبيل 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات