السودان: ملاحظات أخيرة حول العملية السياسية

تم نشره الإثنين 20 حزيران / يونيو 2022 12:50 صباحاً
السودان: ملاحظات أخيرة حول العملية السياسية
د. الشفيع خضر سعيد

بمقال اليوم، نختتم سبعة مقالات ناقشنا فيها عددا من القضايا والمفاهيم المتعلقة بالعملية السياسية وما يتضمنها من حوار وتفاوض لمعالجة الأزمة السودانية.
وقد دفعنا وحفزنا لهذه المناقشة المقال الرصين للأخ علي ترايو المنشور بتاريخ الخامس من مايو/أيار المنصرم في صحيفة «سودان تربيون» الإلكترونية، والذي تمحورت فكرته الرئيسية حول أن الحوار الوطني هو الآلية المثلى لمعالجة الأزمة السودانية، وأن حتمية الحوار في ظل ظروف السودان الراهنة، تتطلب وجود أوسع قاعدة جماهيرية قادرة على تحقيق الآمال والتطلعات «المضغمة» في شعارات ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018، وكذلك الحاجة إلى تقليل المخاطر المتصاعدة التي تهدد وحدة البلاد نتيجة اخفاق وفشل القوى السياسية، المدنية والعسكرية، تجاه كل نواحي الحكم الراشد وتحقيق الاستقرار منذ استقلال البلاد، 1956، أو في التوافق على ثوابت البناء الدستوري، أو في تحقيق التنمية والسلام والأمن الاجتماعي، إضافة إلى الفشل في تحويل المعطيات التي وفرتها الثورات الشعبية، أكتوبر/تشرين الأول 1964 وأبريل/نيسان 1985 إلى فرص قابلة للتحقيق. وفي مقاله، حذّر الأخ ترايو من أن تجاهل مبادرة الثلاثية، يونيتامس والإتحاد الافريقي والإيقاد، سيكون خطأً فادحا، مشددا على إمكانية تحويل هذه المبادرة إلى منصة تجمع فسيفساء السياسة السودانية، بما فيها الشباب النشط الذين تصدروا ولا يزالون الاحتجاجات الشعبية، واولئك الذين تصدوا في الأحراش والصحاري لمقاومة الإبادة الجماعية، تجمعهم بهدف إدارة حوار وطني عميق وجاد يجيب على سؤال كيف يحكم السودان في إطار مبادئ الحرية والسلام والعدالة، وأنه، وبغض النظر عن أي تصورات متباينة أو آراء متضاربة أو مشاعر منفعلة، فإن الواجب والمسؤولية التاريخية تملي على النخب السودانية الانخراط في شرح وتوضيح ونشر الحكمة الكامنة من وراء الحوار الوطني كأفضل خيار استراتيجي للتصدي للأزمة السودانية المزمنة. ومن جانبنا، تفاعلنا مع مقال الأخ علي ترايو بعدد من الملاحظات والأفكار التي تصب في خط المقال، وكان آخرها ما ناقشناه في مقالنا السابق حول تعدد وتنوع آليات ووسائل التغيير ممثلة في الإضراب السياسي العام، والعصيان المدني، والانتفاضة الشعبية السلمية، والانتفاضة الشعبية المحمية بالسلاح، والنشاط المسلح المباشر، والحصار الدبلوماسي، والحل السياسي الذي يتضمن الحوار والتفاوض. وحذّرنا في نقاشنا ذاك من النظر إلى هذه الآليات الوسائل بإعتبارها مجرد فنيات وتقنيات يمكنك التعامل مع أي منها كيفما اتفق وكيفما يشتهي مزاجك، مشددين على أنها شحنات سياسية وفكرية من الدرجة الأولى، تخلقت في رحم التجارب الملموسة على نطاق العالم، ومن بينها تجاربنا في السودان، وتجسدت في تلك الآليات الملموسة المشار إليها، وأن هذه الآليات والوسائل تتكامل ولا تتصادم، وأن ما يتحقق من مكاسب عبر هذه الآلية أو تلك، آليات الحوار والتفاوض مثلا، يمكن أن يفتح الأبواب لتفعيل الآليات الأخرى لتحقيق التغيير الجذري، وأن التغيير لا يمكن أن يتحقق ويصل قمته من أول وهلة، بضربة لازب، كما أن شروطه ومواقيته ولحظات انفجاره، لا تخضع للتقديرات الذاتية أو الرغبات الثورية، وإنما هناك عوامل موضوعية لا بد أن تتكامل وتتحد مع العوامل الذاتية حتى يشتعل فتيل انفجار التغيير.

وبمناسبة ما يدور الآن في المشهد السياسي السوداني، نكرر إشارتنا إلى أن من أهم عوامل نجاح أي عملية سياسية وأي حوار، التوافق على الأطراف المشاركة فيه. وقضية التمثيل والأطراف المشاركة هذه، ليست مجرد مسألة فنية وتقنية، وإنما هي قضية سياسية وعامل محدد لنجاح أو فشل أي عملية سياسية وأي حوار. فأصلا، الحوار كآلية لحل العقدة الرئيسية في الأزمة السياسية يتم بين أضداد بهدف خلق تفاهم وتقارب ثم توافق بينهم، أما أن يكون الحوار بين حلفاء ومؤيدين أو من هم في نفس الضفة، فهذا تمرين لا طائل منه. صحيح بعد حل العقدة الرئيسية، فرملة الانقلاب مثلا، لا بد من إشراك الجميع من كل الضفاف في العملية السياسية للتوافق حول مرحلة ما بعد العقدة الرئيسية.
تعامل أي قوى مع العملية السياسية باعتبارها تكتيكا أو مناورة، مثلا للبقاء في السلطة أو للوصول إليها، يعني فشل العملية السياسية واستمرار الأزمة. وفي هذا السياق، فإن حوار «الوثبة» الذي أطلقه رئيس نظام الإنقاذ البائد في يناير/كانون الثاني 2014، كان من هذه الشاكلة. فعندما جاءت بعض توصيات ذلك الحوار بعكس ما يشتهي نظام الانقاذ، إنقض النظام على تلك التوصيات بعرضها على البرلمان المكون سلفا من عضوية الحزب الحاكم، ليشبعها تجريحا وتعديلا، ضاربا عرض الحائط بكل ما ظل يطبل ويزمر له بأن الحوار سيرسي لبنات التغيير ويؤسس لواقع جديد، مما دفع القوى التي شاركت فيه إلى نفض يدها عنه. ومن الواضح أن عزوف تلك القوى المشاركة يتعلق بقسمة «كيكة» السلطة!، ونحن نقول: لاخير في حوار هدفه الأساس إقتسام كراسي السلطة.
أيضا، من الخطورة أن تخضع قضية خلق المناخ الملائم للحوار، للمناورات أو المواقف التكتيكية بينما في الواقع يفترض أن تكون تعهدا بالجدية، أو عربونا، أو «دفعة أولى» من جانب النظام لما يفترض أن يكون نتيجة ناجحة للحوار الوطني. وفي هذا السياق لا معنى لرفع حالة الطوارئ وإطلاق سراح المعتقلين في ظل استمرار العنف حد القتل تجاه المتظاهرين السلميين. ومادامت السلطة تتحدث عن طرف ثالث يقتل المتظاهرين، وهو أمر محتمل، فلتتكون آلية لمراقبة الشارع من أجهزة السلطة ونقابة الأطباء ونقابة المحامين ومنظمات حقوق الإنسان.
أخيرا، من التحديات الرئيسية التي تواجه العملية السياسية في السودان، كيفية تعاملها مع البعد الإقليمي وصراعات المحاور اللذين يلقيان بظلالهما، ومن عدة مداخل، يمكن أن يؤثرا سلبا عليها، واضعين في البال موقع السودان الجيوسياسي محاطا بالصراعات العرقية والسياسية وبحروب المحاور بالوكالة في أكثر من بلد مجاور، وتقاطع بعض الحركات المسلحة مع هذه الحروب والصراعات.

العرب اللندنية 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات