ولي العهد السعودي يكسر طوق الحصار والعزلة

تم نشره الخميس 23rd حزيران / يونيو 2022 02:50 مساءً
ولي العهد السعودي يكسر طوق الحصار والعزلة
الملك منح ولي العهد السعودي قلادة الحسين بن علي أرفع وسام مدني في المملكة

المدينة نيوز :- بعد ثلاث سنوات من الحذر والعُزلة، تحرك الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، ليُعيد وصل ما انقطع، ويُقدم نفسه حاكما قادرا على الصمود والمواجهة والبناء والتجديد. 

فطوال السنوات الماضية منذ توجيه أصابع الاتهام له بالضلوع في قتل الصحفي، جمال خاشقجي، واجه أياما عصيبة، تطلبت منه قدرا كبيرا من الصبر والصمت والدبلوماسية والمناورة لإعادة تأهيل نفسه لاعبا رئيسيا في بلاده، وعلى المسرحين الإقليمي والدولي. 

في جولته الإقليمية التي استهلها في مصر، ثم الأردن، ومنها إلى تركيا يقطف ولي العهد السعودي الثمار قُبيل القمة المرتقبة مع الرئيس الأميركي، جو بايدن، في جدة منتصف الشهر المقبل، ويطوي ملفين هامين، الأول مقتل خاشقجي الذي سلمته، وعهدت به أنقرة إلى الرياض، وهو إقرار واضح بأنه لن يُستثمر، ويوظف سياسيا، وعلى ذات المنوال فإن حضور بايدن إلى السعودية يؤشر بشكل جليّ إلى أن سياسة "نبذ" محمد بن سلمان، ومحاصرته، قد انتهت مهما ادعى بايدن غير ذلك. 

الملف الثاني الذي خلّف احتقانا وخلافا غير مُعلن بين عمّان والرياض، كان قضية الفتنة، واتهام باسم عوض الله المستشار المُقرب من ولي العهد السعودي بالتورط، والضلوع بها، مما ألقى بظلال على وقوف، وتدخل جهات خارجية بها، وقيل، وأشيع إن السعودية طالبت بالإفراج عن عوض الله الذي يحمل جنسية سعودية وأميركية، لكن العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، الذي وصفه بخائن الأمانة، وأصدر أوامره بتقييد حركة أخيه الأمير حمزة المتهم الرئيسي في القضية، لم يستجب للمطالب والرغبة السعودية. 

زيارة محمد بن سلمان إلى عمّان، والاحتفاء الواضح باستقباله، ومنحه قلادة الحسين بن علي أرفع وسام مدني في المملكة الأردنية الهاشمية، توحي أن الخلافات قد مضت، وأن المصالح تقتضي تشبيك الأيدي معا، وما تعذر حله اليوم، وكان سببا في تعكير صفو العلاقات، سيتم تجاوزه بسهولة غدا. 

كان الملك عبد الله يقظا حين أصر ألا تُلحِق قضية الفتنة أذى بعلاقاته بدول الجوار الإقليمي، ورغم اعترافه بوجود ارتباطات خارجية، كان صارما بالقول إن توجيه أصابع الاتهام للآخرين لن يساعدنا، فهناك ما يكفي من تحديات في المنطقة. 

أكثر من ذلك؛ فالعاهل الأردني الذي حظي بمعاملة تفضيلية في البيت الأبيض، والتقى الرئيس بايدن مرتين، قرر كسر طوق الحصار عن بن سلمان، والرئيسين الإماراتي، والمصري، ولعب دور الوساطة مع الإدارة الأميركية، وفي زيارته الأخيرة أبلغ الرئيس الأميركي أن الزعماء العرب يشعرون بمرارة إدارة الظهر لهم والتخلي عن قضاياهم، وأنهم لن ينتظروا واشنطن بعد اليوم لتقدم لهم الحلول. 

كان ولي العهد السعودي حتى وقت قريب يشعر أن رأسه مطلوب، فالرئيس التركي يُناصبه العداء، ويسعى إلى زعامة "الإسلام السني"، والحال تبدل، والرئيس رجب طيب إردوغان، بحفاوة بالغة فتح أبواب إسطنبول لولي العهد السعودي، وبالتوازي فإن كل صخب الخلافات بين طهران والرياض لا تُخفي الاجتماعات السرية والعلنية التي تؤشر إلى أن التوترات يمكن احتواؤها والسيطرة عليها. 

ما تبقى من أزمات في طريق بن سلمان، كانت الحرب الروسية على أوكرانيا كفيلة بتحجيمها وتبديدها وفتح ممرات آمنة له، ولدول الخليج ليفرضوا أجندتهم، ويدفعوا "خصومهم"، إن صحت التسمية، لمراجعة سياساتهم والسعي إلى شراء ودهم. 

تُعيد جريدة "فايننشال تايمز" إنتاج نفس السردية التي تتكرر تحت عنوان "الصفقة مع الشيطان"، واصفة سياسات الرئيس بايدن بالمثيرة للجدل، وتتلخص بالنفط مقابل حقوق الإنسان، واعتماد الديمقراطيات الغربية على الأنظمة الاستبدادية، وفي سبيل ذلك تغض النظر عن انتهاكات حقوق الإنسان. 

لا جديد في كلام الـ "فايننشال تايمز"، فالمصالح تتقدم على المبادئ، وأزمة الطاقة، والغذاء التي أنتجتها الحرب على أوكرانيا غيّرت البوصلة، والتحالفات، وأجبرت الأميركان والأوروبيين على مراجعة حساباتهم. 

تريد أميركا وأوروبا من السعودية، ودول الخليج أن تزيد إنتاج النفط لتعويض انخفاض إنتاج النفط الروسي، والتقديرات في الصحافة الغربية تُشير إلى أن السعودية تقف إلى جانب روسيا في "أوبك بلس"، والأمير السعودي عبد العزيز بن سلمان، وزير الطاقة يُريد للسياسة أن تبقى خارج أوبك، رغم المرونة التي أبديت، والحديث غير المُنقطع عن التوصل لاتفاق لتعويض النقص في الإنتاج النفطي. 

أمضى الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، سنوات حكمه في مقايضة زعماء الخليج ماليا وسياسيا، وكان عرابه في إنجاز الصفقات، زوج ابنته كوشنير، واليوم يعود الرئيس بايدن لعقد قمة خليجية يحضرها أيضا زعماء مصر والأردن والعراق، وسؤال المتابعين؛ ما هي أجندة هذا اللقاء الذي أسماه بايدن اجتماعا دوليا؟ وماذا تريد واشنطن في هذا الوقت؟ وماذا يريد الزعماء العرب؟ 

تُروج إسرائيل أن القمة في جدة ستتبنى إنشاء تحالف إقليمي- سياسي- أمني، تقوده واشنطن، وتل أبيب تحتل مكانة بارزة فيه، وتسربت معلومات عن مشروع أطلق عليه "الإنذار المُبكر" تُدمج فيه الدفاعات الجوية الإسرائيلية مع عدد من الدول العربية للتصدي، ومواجهة "الخطر الإيراني".

وكل هذا الكلام لا يمكن دحضه، فهناك مؤشرات إلى أن دولا خليجية تستفيد وتستخدم رادارات عسكرية إسرائيلية، لكن أيضا لا يمكن تعميمه ليصبح مشروعا إقليميا تقوده تل أبيب، ويحقق أجندتها في مواجهة علنية سافرة مع إيران. 

في حرب "بالونات الاختبار" عن أهداف قمة بايدن في السعودية تتواتر المعلومات أن الرئيس الأميركي يأمل أن يُنجز ترتيب اتفاق بين الرياض وتل أبيب مرتبط بالأمن الملاحي بمضيق تيران بعد أن تتسلم السعودية سلطاتها على الجزيرتين من الحكومة المصرية، وبعد أن اشترطت الرياض رحيل القوات متعددة الجنسيات التي كانت تُشرف منذ اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل على ترتيبات الملاحة، وتعهدت بأن تضمن حرية الملاحة بما فيها تحليق، ومرور الطيران الإسرائيلي في مجالها الجوي. 

إسرائيل وإيران ستكونان حاضرتين بالنقاشات في قمة جدة الشهر القادم وإن غابتا، ولكن المتغيرات العالمية التي نشأت بعد الحرب الروسية الأوكرانية تحتل الصدارة، وتسعى واشنطن، ومن خلفها أوروبا إلى إعادة الدول العربية إلى مظلتها، والاصطفاف معها، والتوقف عن مغازلة موسكو حتى ولو كان من قبيل العتب، وهذه الاستدارة سيكون لها كُلفتها، وأول الالتزامات ضمان أمن الطاقة. 

على أجندة القمة ستحضر قضية اليمن، وإنهاء الحرب أولوية، والمشكلة التي يُدركها اللاعبون، تشابك الملفات، فالصراع في اليمن لا يمكن فصله عن الأزمات في العراق، وسوريا، ولبنان، والمطلوب تسوية تضمن تلازم المسارات، والقول الفصل، ومفتاح الحل موجود في طهران. 

سيجني الأردن مكاسب سياسية، وقبلها اقتصادية من زيارة بن سلمان، فحجم التبادل التجاري بين البلدين يبلغ 4.2 مليار دولار، والاستثمارات السعودية في الأردن تُناهز 12 مليارا، والحديث يجري عن مشروع سكة حديد بين عمّان والعقبة، وآخر في قطاع الرعاية الصحية، وأوامر لصندوق الاستثمار السعودي بالتوسع في مشاريعه، وبرامجه. 

والقمة الدولية التي سيحضرها بايدن ستُذكر الزعماء العرب بأجندتهم الغائبة، فهم عند الطلب توحدهم مصالح غيرهم، وذاتها تفرقهم، وتجعلهم خصوما. 

على واقع هواجس حرب كونية يتحرك العالم، ويُعاد ترتيب التحالفات، والعالم العربي في عين العاصفة، فإن لم يكن مختبرا للصراعات، فإنه مُطالب بتسديد كُلفتها، فهو الخزان الذي يدفع دما، ومالا دون حساب. 

نضال منصور - الحرة



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات