هل هي نوبة عنف جديدة في الجزائر؟

تم نشره الإثنين 05 أيلول / سبتمبر 2022 12:41 صباحاً
هل هي نوبة عنف جديدة في الجزائر؟
ناصر جابي

مستويات عديدة يمكن أن نتناول من خلالها نوبات العنف المتعدد الأشكال الذي يجتاح الجزائر دوريا، وبشكل يكاد يكون منتظما. كما ظهر في هذا الصيف القاتل لهذه السنة، الذي شهد حرائق غابات عديدة، في الوقت الذي كانت حوادث الطرق تحصد أرواح الجزائريين بالعشرات، كما حصل عدة مرات في الأسابيع القليلة الماضية، في بلد اختار استراتيجية نقل، تعتمد على السيارة وليس القطار، هو الذي يصنف نفسه كبلد – قارة ناهيك من الموت في البحر غرقا، الذي تحول إلى جزء أساسي من يوميات العائلة الجزائرية، التي تعيش حالة عنف قل نظيرها كمنتجة وضحية للعنف، كما ظهر من خلال ما حصل في مدينة عناية، التي قتل فيها أب خنقا ثلاثة من أبنائه وأمهم، وحاول الانتحار، كما يبدو بعد عملته الشنيعة هذه، التي قد تحيل إلى الضغوط النفسية، التي ما زال يتعامل معها الجزائري بالرقية وزيارة قبور الأولياء، وفي إطار سلسلة من عمليات القتل أيضا، تعرضت لها النساء في الجزائر في المدة الأخيرة، التي باتت تتكرر بشكل لافت، خارج وداخل الفضاء العائلي.
الشيء نفسه الذي حصل في مدينة الصومعة في البليدة الأسبوع الماضي، التي شهدت معارك طاحنة بالأسلحة البيضاء في عز النهار، بالقرب من مركز أمني، ذهب ضحيتها تاجر شاب، تم الاعتداء عليه داخل متجره من قبل عصابة الحي الذي يسكن فيه. في هذه الجهة من التراب الوطني التي شهدت انتشارا كبيرا لظاهرة العنف السياسي المرتبط بالجماعات الدينية المتطرفة خلال فترة التسعينيات، لم تتعاف من آثاره الجزائر لحد الساعة، بعد أن تم تفضيل التعامل مع الأبعاد السياسية والقانونية وإهمال الأبعاد النفسية والاجتماعية، وحتى تلك المرتبطة بالعمق الأنثروبولوجي للمجتمع، الذي لم يقم بالقطيعة المطلوبة مع تمجيد العنف كسلوك مقبول، بل ومحبب لدى أجيال عديدة من الجزائريين، عاشوا فترات صعبة من تاريخهم البعيد والقريب، تمت ممارسة العنف ضدهم أو مارسوه في ما بينهم.

عنابة التي يمكن الكلام عنها كعينة للمدينة الجزائرية التي استشرى داخلها العنف بمختلف أشكاله، اللفظي والجسدي، الفردي والجماعي، وصل إلى مستوى تكوين عصابات أشرار تجوب طرقات وأحياء المدينة في الليل والنهار، عنابة التي تعيش أزمة متعددة الأوجه، مرتبطة ببعدها الاقتصادي العميق، بعد أن فشلت في التحول إلى قطب صناعي، اعتمادا على مركب الحجار للحديد والصلب، كما تم التخطيط له منذ الاستقلال، في وقت لم تتمكن فيه الزراعة من الانطلاق، على الرغم مما تتوفر عليه هذه المنطقة من ثروات، هي التي تتربع على سهل السيبوس الغني. ناهيك من السياحة التي لم تنطلق أصلا، بسبب عدة عوامل قد يكون العنف الذي ميز المدينة على الدوام، بسبب الفوضى العمرانية التي عاشتها منذ السنوات الأولى للاستقلال، على الرغم من القدرات السياحية التي تتوفر عليها هذه الولاية الساحلية القريبة من الحدود التونسية، وضع زاد من انتشار الفقر، وحدّة البطالة بين الشباب. في الوقت التي تشهد فيه نخب المدينة استقالة تكاد تكون شبه جماعية، في هذه المدينة الساحلية الجميلة، التي كانت ضحية لانفتاحها، ربما، وتبنيها لكل طارق جديد لأبوابها من كل أبناء الجزائر، من مختلف الجهات بمن فيهم أبناء سوف الصحراويون، والشاوية وسكان الولايات القريبة كمداشر سكيكدة والشمال القسنطيني ككل، الذين استفادوا من دخول المدينة، التي لا تعرف ثقافة الجهوية المكرسة في المناطق الريفية القريبة منها، من دون أن يحسوا بالانتماء الفعلي لها أو يتبنوا مشاكلها التي أهملتها مراكز القرار العليا تاريخيا، حتى عندما كان على رأسها رجل مثل الشاذلي بن جديد القادم من ريف الطارف القريب، الذي سكن أرقى أحياء المدينة، من دون أن يهتم بحالة المدينة الكارثية التي استفحلت أثناء فترة حكمه رئيسا للجمهورية 1979-1991. مدينة ارتبط اسمها بالفراغ الثقافي كالكثير من المدن الجزائرية، التي بقيت من دون روح ثقافية تميزها أو تعرف بها. إذا استثنينا بعض النشاطات الموسمية المحتشمة، التي فشلت في استغلال المؤسسات الثقافية القديمة من الفترة الاستعمارية، كما هو حال بناية المسرح الموجودة في وسط المدينة. فوضى عمرانية لا تعكسها فقط الأحياء القصديرية التي اشتهرت بها المدينة، التي ترفض أن تختفي، بل أحياؤها الجديدة التي بنيت بعد الاستقلال والتي تحولت عمليا إلى مرتع لكل أنواع الجريمة. بعد الانتشار الواسع لاستهلاك المخدرات داخلها بين الشباب وغير الشباب. وضع بالطبع لا يقتصر على عنابة، فالمدينة الجديدة لعلي منجلي بالقرب من قسنطينة أو عين النعجة وعين المالحة في العاصمة – كعينة فقط – يمكن ضمها لهذه القائمة الطويلة من الغابات العمرانية التي بناها الجزائريون بأموالهم ليموتوا فيها، ا يعني أن هذا النوع من العنف المرتبط بالمسألة العمرانية في الجزائر لن يتوقف غدا ولا بد بالتالي من التعامل معه على المدى المتوسط والطويل، كأحد نتائج سوء التسيير العمراني الذي انطلق فيه حكام الجزائر الجدد بعد الاستقلال. في وقت تخبرنا الإحصائيات الديموغرافية أن الأغلبية الساحقة من الجزائريين يعيشون في منطقة الشمال داخل المدن المتوسطة والكبيرة، تاركين مناطق الهضاب العليا والصحراء فارغة تقريبا، على الرغم من أنها هي مستقبل الجزائر ومجالها الحيوي الفعلي، إذا ارادت أن تتطور.
الجزائري الذي يظهر من خلال الأحياء التي بناها بعد الاستقلال وكأنه «عابر سبيل» لا ينوي الاستقرار في البلد، ونحن نعاين نوعية وشكل العمران الذي بناه له هذه المرة الصيني وليس المعمر الفرنسي، كما كان الحال في الحقبة الاستعمارية. فلم يضف إلى ما وجده إلا القليل، حتى عندما يتعلق الأمر بمقرات السيادة التي يتطلبها التطور الديموغرافي للبلد، ومظاهر سيادته الوطنية، كما هو الحال بالنسبة لمدينة الجزائر العاصمة، التي لم تكن مؤهلة مبدئيا لكي تكون عاصمة بلد مستقل. إضافة إلى التشويه العمراني الذي لحق بها يكاد يكون غير قابل للإصلاح، كما تبينه زحمة المرور الخانق التي تحولت إلى مصدر إزعاج يومي لسكان المدينة، حولت حياتهم داخلها إلى جحيم فعلي، بعد أن زاد عددهم بشكل لا يتوافق مع قدرات الاستيعاب الفعلية لهذه المدن، التي تتمركز فيها كل مشاكل الجزائر والجزائريين، كما يظهر من خلال مظاهر العنف الذي تعود بشكل منتظم على شكل نوبات في كل فصل، في غياب استراتيجية عامة متعددة الأوجه، لا تكتفي بالمظاهر الخارجية والمؤقتة للعنف الذي ابتلي به البلد.

القدس العربي 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات