آفة التعذيب في دولنا العربية

تم نشره الأربعاء 07 أيلول / سبتمبر 2022 12:33 صباحاً
آفة التعذيب في دولنا العربية
محمد كريشان

صور تعذيب مواطن سوري في لبنان حتى الموت على يد جهاز أمن الدولة هناك ليست الأولى في بلادنا العربية ولن تكون الأخيرة على الأرجح.
الصور المرعبة التي تظهر جسدا تعرض»لضرب وحشي وجلد لم يترك مكاناً في الجثة من دون جروح وكدمات» لم تمر دون أن تثير، ككل مرة في حالات عديدة مشابهة، موجة استنكار واسعة لكنها لم تمر، ككل مرة كذلك، دون أن نرى فيها تكرارا لنفي السردية البائسة مع ما يصحبها من نفس الملاحظات المريرة.
تبدأ القصة دائما بمحاولة أوّلية يائسة لنفي أن الضحية مات نتيجة التعذيب فالضحايا في مثل هذه الحالات يموتون دائما نتيجة أزمة قلبية أو قصور حاد في التنفس أو مضاعفات مرض مزمن وأحيانا حتى انتحار، المهم أن من مات لم يمت نتيجة أساليب وحشية قروسطية تدل على سقوط أخلاقي ونفسي وسياسي رهيب.
وعندما تتسرب الصور أو تتواتر شهادات الأهالي أو الأطباء عن أن آثار تعذيب لاتطاق هي من أدت إلى الوفاة، تنطلق فورا سلسلة أخرى من الأكاذيب الرثة المفضوحة من قبيل الادعاء بأن الضحية إرهابي خطير ينتمي إلى خلية مسلحة قامت أو تنوي القيام بسلسلة من التفجيرات والعمليات، أو أنه عميل للمخابرات الإسرائيلية أو الأمريكية وهي التهمة المفضّلة لسنوات طويلة لدى دول»المقاومة والممانعة». كلام بالكاد يخفي القول إن الضحية يستحق ما جرى له وهو بالتالي ليس أهلا لأي تضامن ناهيك أن تصل الأمور إلى التنديد بما تعرّض له، مع أن أي معتقل جنائيا كان أو سياسيا أو حتى إرهابيا يظل في النهاية إنسانا تجب مراعاته وفق القانون والمعاهدات الدولية التي تحرّم وتجرّم التعذيب وكل المعاملات المسيئة والمهينة.
وتتواصل عادة حلقات الكذب والتذاكي عبر القول بأن تحقيقا فُتح في الحادثة وستتم محاسبة المذنبين، ثم لا نسمع شيئا على الإطلاق عن نتائج هذا التحقيق ولا عن إحالة هؤلاء إلى العدالة، وفي أحسن الحالات قد تتردد أنباء عن إعفائهم من خططهم الأمنية والتحقيقية ليس أكثر في إفلات رهيب من المحاسبة والعقاب.
لا فائدة هنا في ذكر قائمة الدول العربية التي تعمل بهذا «الدليل» في كل حالات التعذيب، لكن ذلك لا يمنع من القول إن تقارير المنظمات الدولية المعنية بحقوق الانسان غالبا ما دأبت على ذكر دول بعينها تفشت فيها، قديما أو حديثا أو كليهما، ممارسات منهجية ثابتة من التعذيب حتى باتت سمة ملازمة في وصف ظروف الايقاف والتحقيق والسجن في هذه الدول.

وقد وصلت الأمور في بعض الحالات، كما حدث في مصر هذا العام، أن تجري التحقيقات والملاحقات مع من سرّب فيديوهات عن إحدى حالات التعذيب وليس عن ممارسيه، مما حدا بفيليب لوثر، مدير البحوث في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «منظمة العفو الدولية» إلى التصريح ساخطا بالقول إنه «من المشين وغير المنطقي أنّ ردّ فعل السلطات المصرية على هذا الفيديو كان معاقبة الضحايا، وبعض أصدقائهم، بدلاً من التحقيق فوراً مع أولئك الذين ظهروا في الفيديو، في تجسيد صارخ لوباء التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة في مصر» معتبرا مثل هذا التصرف «مشهدا آخر من مهزلة إنكار السلطات بوقاحة لارتكاب أي مخالفات، وقمع أصوات الضحايا الذين يتجرؤون على المطالبة بتحقيق العدالة» وهو ما يحدث في مصر وفي غيرها.
ما يزيد من مرارة كل ذلك قول الكثيرين بأن ما تشهده غرف التحقيق العربية و«إبداع» جلاّديها إنما هو أقسى بكثير مما تعرفه التحقيقات الإسرائيلية التي، على بشاعتها، غالبا ما لا تصل إلى الدرجة التي نعرفها عندنا، وبين مواطني نفس الأرض وما يجمعهم من أواصر يفترض أنها خالية تماما من أية أحقاد تاريخية متراكمة. هنا أستذكر ما قاله لي ذات مرة أحد الصحافيين العرب الذين تم إيقافهم قبل سنوات لبضع ساعات من قبل الجيش الإسرائيلي من على ظهر إحدى السفن التي كانت تبحر لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة. يقول هذا الصحافي إنه عندما بدأت أصوات تذمراتنا واحتجاجاتنا تعلو ونحن نجلس ننتظر ماذا سيُفعل بنا بعد الإيقاف كان بعض الضباط الإسرائيليين يقولون لنا بكل سخرية ولؤم إنه «إذا أردتم أن نسلمكم إلى السلطات المصرية فستنعمون هناك بكل الترحيب والحفاوة!!»..
الإشارة المؤلمة إلى مفارقات التعامل بين أجهزتنا العربية والأخرى الإسرائيلية، وهذا طبعا ليس تلميعا أو تبرئة لهذه الأخيرة، يصبح أكثر وجعا عند الاطلاع على ما يروى، بين فترة وأخرى، من قصص تعذيب فلسطينيين لفلسطينيين آخرين، وفق تقارير وشهادات موثّقة. يحدث هذا في معتقلات قطاع غزة الذي تديره حركة «حماس» منذ 2007 كما يحدث في معتقلات السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة. كلاهما مُدان ولا معنى للتبرير لأي منهما فالفعل مشين مهما كان مرتكبوه ولونهم السياسي وشعاراتهم المرفوعة.
لا فائدة في استعراض الحالات بدقة حتى لا نكتئب أكثر.

القدس العربي 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات