ما سرُّ الغياب الأميركي عن الهند؟

تم نشره الإثنين 26 كانون الأوّل / ديسمبر 2022 12:17 صباحاً
ما سرُّ الغياب الأميركي عن الهند؟
ميناكشي أحمد

يصعب تخيل استمرار الولايات المتحدة لمدة عامين من دون سفير يمثل مصالحها في بكين أو برلين أو موسكو أو طوكيو. ومع ذلك، ظل «روزفلت هاوس»، مقر إقامة السفير الأميركي في نيودلهي، غير مأهول منذ يناير (كانون الثاني) 2021، ما يشكل أطول فجوة زمنية مسجلة.
يكثر الحديث في واشنطن حول أهمية الهند للولايات المتحدة، ويعتبرها الرئيس بايدن «واحدة من أهم العلاقات» لبلاده. ومع ذلك، إذا كانت الهند شريكاً «لا غنى عنه» لواشنطن، مثلما أعلن الرئيس، فلماذا سمح بأن يظل منصب سفير بلاده في الهند شاغراً لمدة تقارب العامين؟
في أغلب الأحيان، اضطلع السفراء الأميركيون في الهند بدور حيوي في تعزيز العلاقات بين البلدين. عام 1962 عندما غزت الصين الهند، كان جون كينيث غالبريث سفيراً للولايات المتحدة بالهند. وكان غالبريث مقرباً من الرئيس جون كينيدي، وتربطه علاقات جيدة مع رئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو. واضطلع السفير الأميركي بدور فاعل في حمل الولايات المتحدة على شحن أسلحة وإمدادات إلى الهند.
حتى ذلك الحين، كان نهرو يبدي فتوراً تجاه المبادرات الأميركية. ومن خلال مسارعته إلى تقديم يد العون للهند، غير غالبريث نظرة الهنود تجاه واشنطن، ونجح في تقريب المسافات بين كينيدي ونهرو أقرب. وبذلك، كان الدعم الأميركي للهند عام 1962 بمثابة نقطة تحول في العلاقات بين البلدين.
حتى اليوم، لم تنتهِ مشكلات الهند مع الصين بعد. تشترك القوتان النوويتان في حدود تمتد مسافة 2100 ميل، وتدعي كل منهما أحقيتَها في أراض تسيطر عليها الأخرى. وتعمل الصين على تعزيز نفوذها في نيبال وبوتان، اللتين لطالما وقعتا داخل دائرة النفوذ الهندي.
ومع ذلك، حافظت بكين ونيودلهي، على مدار عقود، على سلام بارد. بيد أن التوجهات القومية القوية المتنامية في الصين في عهد شي جينبينغ وكذلك في الهند تحت قيادة ناريندرا مودي أدت في النهاية إلى اشتعال مواجهات على الحدود المتنازع عليها عام 2020، والتي قُتل فيها العشرات من الجنود من الجانبين.
في الآونة الأخيرة، تصاعدت التوترات في 9 ديسمبر (كانون الأول) بعد وقوع اشتباكات بين القوات الهندية والصينية على الحدود الجبلية بالقرب من ولاية أروناتشال براديش شمال شرقي الهند، والتي تسميها الصين التبت الجنوبية. وتفاقمت التوترات بين الصين والهند بشكل أكبر بعد تدريبات عسكرية مشتركة أجرتها الولايات المتحدة والهند الشهر الماضي، بالقرب من الحدود الهندية - الصينية.
كما عززت إدارة بايدن جهودها لتعميق تعاونها مع «الحوار الأمني الرباعي»، وهو تحالف أمني غير رسمي يجمع الهند وأستراليا واليابان والولايات المتحدة، يسعى لمواجهة صعود الصين، وهو تجمع تعتبره بكين معادياً.
وزاد التقارب بين واشنطن ونيودلهي بسبب التحدي المشترك القائم أمامهما والمتمثل في الهند. وعلى مدى العقدين الماضيين، جعلت الإدارات الجمهورية والديمقراطية على حد سواء من الهند شريكاً أساسياً في الاستراتيجية الأميركية الرامية لاحتواء الصين. ويدعو تقرير استراتيجية الدفاع الوطني الصادر عن إدارة بايدن إلى تعزيز قدرة الهند على ردع عدوان الصين، «وضمان الوصول الحر والمفتوح إلى منطقة المحيط الهندي». اللافت أن الدعم الأميركي لصعود الهند يحظى بدعم نادر من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري، ما يزيد علامات الاستفهام حول غياب سفير أميركي عن الهند.
ثمة أسباب اقتصادية مهمة لزيادة التعاون الأميركي مع الهند، والتي تجاوزت بريطانيا حديثاً لتصبح خامس أكبر اقتصاد في العالم. وبينما لا تزال الهند فقيرة من حيث دخل الفرد (تحقق نحو 2200 دولار من حيث الناتج المحلي الإجمالي للفرد)، فإنها تبقى أحد الاقتصادات الرئيسية الأسرع نمواً وسوقاً محورية للتجارة والاستثمار.
كما تعتبر الهند جهة توريد أساسية للأدوية، بما في ذلك اللقاحات إلى العالم. عام 2021 بلغ الاستثمار الأميركي المباشر في الهند قرابة 45 مليار دولار. ومع تصاعد القلق إزاء دور الصين الضخم في سلاسل التوريد العالمية، بدأت الشركات الأميركية في البحث عن مراكز تصنيع خارج الأراضي الصينية.
وتقدر مؤسسة «جيه بي مورغان» أنه بحلول عام 2025، ربما تصنع شركة «آبل» 25 في المائة تقريباً من أجهزة «آيفون» الخاصة بها داخل الهند. وسيتعين على السفارة الأميركية تقديم الدعم للشركات الأميركية التي تحاول دخول الهند.
إضافة لما سبق، تضطلع الهند بدور بارز في المفاوضات العالمية الصعبة حول الصحة العالمية والتغييرات المناخية والسياسات المرتبطة بالتكنولوجيا. عن ذلك، قال ريتشارد فيرما، سفير الولايات المتحدة في نيودلهي بعهد إدارة أوباما، إن الهند شكلت عنصراً أساسياً في جهود التوصل لاتفاق باريس للمناخ. وساعد فيرما في تيسير بعض الاجتماعات الأولية التي أدت إلى التعاون بين القادة الهنود والأميركيين.
وبالفعل، اتفق باراك أوباما وناريندرا مودي حول عدد من القرارات الكبرى، مثل اتفاقيات المناخ. وفي إطار المفاوضات الثنائية، يضطلع السفير بدور رئيسي في صياغة تفاصيل اتفاقيات التجارة والدفاع، وذلك اعتماداً على علاقاته الشخصية.
في ديسمبر، تولت الهند قيادة مجموعة العشرين، ولم تألُ جهداً في إظهار نفسها كصانعة سلام تلتزم نظاماً دولياً قائماً على القواعد. ويعمد وزير خارجية الهند، سوبراهمانام جيشانكار، الذي يمكن وصفه بأنه أحد أكثر الدبلوماسيين الدوليين الموهوبين الفاعلين اليوم، إلى رسم صورة للهند على المسرح العالمي باعتبارها قوة نووية مسؤولة، وحازمة في مواجهة الإرهاب وقوة عالمية تعمل من أجل الخير.
ويتعين على الولايات المتحدة العمل على التقييم المستمر لمدى تشاركها مع الهند في القيم الليبرالية والديمقراطية. ولطالما تمكن سفراء مثل غالبريث وتشيستر بولز ودانييل باتريك موينيهان وفرانك ويسنر، والذين اختلطوا مع مختلف أطياف المجتمع المدني والصحافة والبيروقراطيين والسياسيين، من تقديم تقييم دقيق حول مسار البلاد.
في أبريل (نيسان) 1977 أصدر الرئيس جيمي كارتر قراراً بتعيين روبرت جوهين، الرئيس السابق لجامعة «برينستون»، سفيراً في الهند. وُلد غوهين في الهند وكان في وضع يسمح له بمراقبة ما إذا كانت تجربة الهند مع الديمقراطية قد نجت من «الطوارئ»، وهي الفترة الصعبة بين يونيو (حزيران) 1975 ومارس 1977، عندما علقت رئيسة الوزراء إنديرا غاندي الحقوق الدستورية، ومنحت نفسها سلطات استثنائية وزجت بزعماء المعارضة في السجن وكممت أفواه الصحافة.
ربما يصعب على المرء تحديد عمل الدبلوماسيين، لأنهم يتولون أدواراً متعددة. وتتمثل إحدى المسؤوليات الحاسمة للسفير في تقديم تقييمات دقيقة حول المشهد السياسي للبلد المضيف، وأن يكون عينَ حكومته وأذنها على الأرض. لذلك، فإن غياب سفير أميركي اليوم ربما يتماشى مع هوى صناع السياسة في نيودلهي، لأنه يسمح لهم بتجنب المراقبة الدقيقة لشؤونها الداخلية.
على امتداد عقود، أعرب مسؤولون أميركيون عن أسفهم من أن الوجود الدبلوماسي الضئيل للهند فرض حدوداً ضيقة على ما يمكن أن تنجزه نيودلهي وواشنطن معاً. وقد عملت نيودلهي على تعزيز مكانتها الدولية، خصوصاً داخل واشنطن. إنه لأمر مخزٍ أن تخفق واشنطن في فعل المثل.
يعد السفير الأميركي تجسيداً للقوة الأميركية. خلال العقود التي كانت فيها الهند غير مهمة من الناحية الاستراتيجية للولايات المتحدة، حرصت واشنطن على إرسال سفراء مهمين إلى الهند. اليوم، ثمة غياب صارخ بـ«روزفلت هاوس» في نيودلهي.

الشرق الاوسط + «نيويورك تايمز»



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات