“علمنا عليك”.. تنمر “يفتك” بجسد الطفل وأثره النفسي يلازمه للأبد

تم نشره الأحد 12 آذار / مارس 2023 10:03 صباحاً
“علمنا عليك”.. تنمر “يفتك” بجسد الطفل وأثره النفسي يلازمه للأبد
تعبيرية حول التنمر

المدينة نيوز :- “هينا علمنا عليك”.. بهذه الكلمات أنهى مجموعة من الطلبة المتنمرين اعتداءهم على زميل لهم في المدرسة بعد خروجه بدقائق، حيث تسببوا له بتشوه عضوي للأبد، لتكون تلك الصاعقة على الأهل الذين سارعوا بنقله الى المستشفى، بعد أن تركه “المتنمرون” من دون مساعدة، بل وحيداً يتألم بانكسار.

“علمنا عليك” هي عبارة يقولها عادةً “المجرمون” الذين لا يتركون الضحية إلا بعد أن يكونوا قد تركوا فيه تشويها أو جرحا، يدوم طول العمر، حتى يبقى الأذى النفسي والجسدي لوقت طويل، وينعكس على الأسرة والضحية الذي يحتاج إلى الدعم والرعاية النفسية فيما بعد. وتناقلت وسائل الإعلام ذلك الخبر المتعلق بالطالب المعتدى عليه، في إحدى المدارس الحكومية في طبربور، ما تسبب بدخوله المستشفى وإجراء عملية جراحية، وقالت والدة الطالب، كما يشير الخبر، إلى أن ابنها تعرض للتنمر والسب من قبل ثلاثة طلاب، واعتدوا عليه بالضرب في منطقة حساسة من جسده وقالوا له “هينا علمنا عليك”، وتركوه مصابا وغادروا الموقع.

أخبار العنف والتنمر تنتشر باستمرار وبدوافع مختلفة، ليتفاخر الطلبة بأنهم “أحدثوا تشوها عضويا لزميل لهم وعلموا عليه”، حيث يتجاوز الأمر بكونه تنمرا فقط، وإنما إصرار على الأذى، دون الخوف من العواقب الأسرية أو الأمنية والمجتمعية اتجاههم.

الخبير في مواجهة العنف ضد الأطفال ومستشار الطب الشرعي الدكتور هاني جهشان يبدأ حديثه لـ “الغد” بتعريف التنمر وهو عبارة عن سلوك عدائي متكرر من قبل معتد أو أكثر على الضحية بتفاوت حقيقي او منظور بالقوة بينهما وبشعور الضحية بالعجز والضعف بالدفاع عن نفسه وبسيطرة المعتدي عليه.

ويشمل التنمر هنا، الضرب والركل وتحطيم ملحقات الطفل، العنف اللفظي، الاستهزاء، التوبيخ، السخرية، الإذلال والتحقير، نشر الإشاعات، والنبذ من مجموعات الأصدقاء. وما حصل مؤخرا، بحسب جهشان، يندرج تحت هذا التعريف، وبسبب التراخي واللامبالاة بالتعامل مع ظاهرة التنمر من قبل المعنيين تتفاقم الحالات وتؤدي الى عنف شديد كما تعرض له هذا الطالب بإحداث عاهة دائمة.

وفيما يتعلق بجذور التنمر، وفق جشهان، فإن ذلك يعتبر موضوعا متشعبا، تتعلق بعوامل الخطورة لشيوع العنف في المجتمع بشكل عام، ما ينعكس على شيوع العنف والتنمر في المدرسة، وتشمل هذه العوامل حسب النموذج البيئي لمنظمة الصحة العالمية أربع مجموعات تتعاضد مع بعضها البعض لتزيد من احتمال حدوث العنف وهي، العوامل الفردية المتعلقة باضطرابات الشخصية والأمراض النفسية والتعود على المواد المهلوسة والمخدرة، وعوامل متعلقة بالعلاقات الأسرية والتي تشمل التفكك الأسري والطلاق وغياب التواصل ما بين أفراد الأسرة، وأيضا العلاقات مع رفقاء السوء والأحداث الجانحين، وعوامل بالمجتمع المحلي والتي تشمل الفقر والبطالة والاكتظاظ السكاني وشيوع المخدرات، والعوامل الاجتماعية التي تعظم ثقافة تقبل العنف وتربطه بالرجولة والقوة والهيبة.

وتشكل العوامل السابقة القاعدة الأساسية لشيوع العنف والتنمر في المدرسة، إلا أن العنف والتنمر يزداد احتمال حدوثه بتوفر عوامل إضافية تتعلق بالمدرسة نفسها، ويوضحها جهشان بأنها تتعلق “بغياب تشريعات واضحة تتعامل مع الوقاية والاستجابة للعنف المدرسي والتنمر، وضعف البرامج المتعلقة بزيادة الوعي لمبدأ اللاعنف للأطفال والمعلمين والأهالي، وغياب تطبيق سياسات ونظم تدريس، وعدم تطبيق تعليمات الضبط المدرسي بانتظام وعدالة ومساواة وشفافية، والبيئة المدرسية غير الصديقة للطفل، وغياب برامج تراعي احتياجات الأطفال المستضعفين.

إلى ذلك، أيضاً هناك أسباب أخرى تتعلق بغياب أو ضعف المشاركة الطلابية في برامج وأنشطة المدرسة، وغياب أو ضعف البرامج غير المنهجية، وغياب أو ضعف دور المدرسة في أنشطة المجتمع المحلي، وضعف برامج تدريب المعلمين على وسائل الضبط اللاعنفية الموجهة للطفل.

ومن وجهة نظر جهشان، هناك سبب لظهور مثل تلك الأشكال من العنف، ومنها تقبل عنف المعلمين ضد الأطفال بسبب شيوع المعايير الاجتماعية التي تدعم السلطة المطلقة للمعلم بالتعامل مع الطلاب، والتي تضفي الشرعية على استخدام العنف في المدرسة للحفاظ على الانضباط والسيطرة، والتي تنتقل في تعامل الأطفال ما بينهم وبالتالي حدوث التنمر، كما ان استخدام العنف والعقاب الشديد ضد الطفل الذي ارتكب التنمر يؤدي لرد فعل سلبي وبالتالي تفاقم وتكرار ارتكاب التنمر. وعن الفئات المعرضة لخطر التنمر، يبينها جهشان بأنهم “الأطفال الفقراء، الأطفال الضعفاء جسديا، والذين يعانون من السمنة، لون الجلد، اللغة او اللهجة المختلفة، الأطفال المهاجرون والنازحون، الأطفال بلا مأوى، أطفال الأقليات والأطفال ذوو الإعاقة والذين يعانون من التوحد وصعوبات التعلم”.

ويطالب جهشان، وزارة التربية والتعليم ان تكون أكثر فعالية في مواجهة التنمر، من خلال طرق، منها إلزام المدارس الحكومية والخاصة بوضع وثيقة لخطة عمل قابلة للتنفيذ، على ان تتخذ الوزارة الإجراءات الصارمة في ضبط تنفيذ خطة العمل هذه في كافة المدارس، بهدف الترويج لفكرة أن التنمر غير مقبول مطلقا في كافة مرافق المدرسة وكافة أوقات الدوام وخلال الانتقال من المدرسة للمنزل إن كان بواسطة مركبات نقل الطلاب أو بأي وسيلة أخرى، والمستهدفون بالإضافة للطلاب، المعلمون والموظفون الإداريون وموظفو الأمن والمقصف والنظافة.

كما يجب الاتفاق على المستوى الوطني على تعريف موحد للتنمر وعلى أنواعه وعلى عواقبه، وعلى شيوعه تبعا للبيئات المجتمعية المتفاوتة، وهنا يبرز الدور الحكومي بتوثيق مسؤوليات وإجراءات محددة وموحدة قابلة للتنفيذ والرصد، تهدف للتعامل مع التنمر وقائيا وعند الاستجابة لحدوثه، وتكون موجهة للطلاب والمعلمين والأهل ومدراء المدارس ومدراء التربية، وعلى مستوى كل مدرسة يجب وضع وتنفيذ ورصد برنامج وقائي من التنمر، والتوعية وكسب التأييد على مستوى كل مدرسة لتحديد أي سلوكيات قد تؤدي للتنمر والتشجيع على الاستجابة والتبليغ عند حدوث حالة تنمر.

عدا عن ذلك يدعو جشهان إلى مجموعة من الإجراءات الوقائية والعلاجية، كما في وضع دليل إجراءات واضح ومبسط عن كيفية التبليغ ولأي جهة، عند حدوث التنمر، يستخدمه الطلاب والمدرسون وإدارة المدرسة، وأن تكون الاستجابة لحالات التنمر بنفس المرجعية وبعدالة، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي لكل طالب تعرض للتنمر أو اشترك به أو شاهده، والالتزام بالإجراءات القانونية والإدارية حسب ظروف كل حالة تنمر بمرجعيات التشريعات السائدة، عند التعامل مع أهالي الضحية والمعتدي، وتوفير إجراءات واضحة لقبول الشكاوى من الاهل حول تعرض أبنائهم للتنمر بمرجعية معلنة شفافة وبعدالة.

ولما لهذا الأمر من تبعات نفسية على الطفل المعتدى عليه، يبين هنا أخصائي الصحة النفسية والعقلية والإدمان الدكتور مالك الطريفي أن العنف المدرسي هو احدى الظواهر الخطيره المتزايدة، حتى باتت تتصف بـ “الهجوم الجماعي”، الذي قد يفضي إلى فقدان الحياة او حدوث “عاهة” مستديمة، والإيذاء النفسي، المتمثل بحدوث الاضطرابات الشخصية والاكتئاب والكثير من التبعات الخطيرة الأخرى، وخاصة فيما يتعلق بالأطفال.

لذلك، يؤكد الطريفي إلى ضرورة الانتباه إلى مستوى التحصيل العلمي للأطفال، والبحث وراء أسباب رسوبهم أو قلة تحصيلهم، لأنه قد يكون دلالة على تعرض الطالب للعنف في المدرسة، الذي يفقده ثقته بذاته ويحد من مشاركته في الحصص الدراسية والنقاش وتزداد رغبته بالانعزال او حتى ممكن أن يتحول لطالب مُعنف إثر التعنيف من الآخرين.

كما ينوه الطريفي إلى أن عدم وجود مدرسين مؤهلين للتعامل مع طلبة المدارس وعدم معرفتهم بقواعد النمو السليم واحتياجات الطلبة، وعدم عمل تقييم دوري “للمشاغبين” منهم، يزيد نسبة حدوث العنف داخل المدارس سواء اللفظي أو الجسدي، الأمر الذي يمكن أن يتحول لحدوث جريمة، كما نشاهد الآن، كما يجب أن يكون في المدارس نهج شامل يشترك فيه موظفو المدارس والطلبة وأولوياء الأمور ومؤسسات المجتمع المحلي، لتحسين وضبط سلوك الطلبة داخل المدرسة.

ويشدد الطريفي على ضرورة ان يكون هناك قوانين صارمة ورادعة داخل المدرسة، وعدم التهاون مع من يسيء من الطلبة من البداية لكي لا يتمادى في إيذاء الآخرين، ونشر تلك القوانين داخل المدرسة، للطلبة والأهالي، لنشر شعور الأمان بين الطلبة.

ومن الأمور التي يمكن أن تحد من العنف المدرسي، وفق الطريفي أن يكون في كل مدرسة اختصاصيون نفسيون، بوصف وظيفي واضح لهم، لعمل تقييم دوري للطلبة وفهم سلوكهم، ومعرفة الطلبه المحتاجين للدعم، حيث يكون الاختصاصي حلقة وصل بين الطلبة وأولياء أمورهم، والعمل على إيجاد بيئة آمنة لهم، ويتم عمل ملف لكل طالب وتوثيق ما تم إجراؤه من قبل الأخصائي النفسي.

إلى ذلك، عقد ورشات متطورة للمدرسين لزيادة معرفتهم بكيفية تقييم سلوك الطلبة واستخدام أساليب التحفيز وتحويل الطلبة سواء كانوا متنمرين أو متنمر عليهم للبحث عن الأسباب من قبل الأخصائي لعمل ملفات لهم وتقييمهم ومتابعتهم.

تربوياً، يرى الخبير والمستشار التربوي الدكتور عايش النوايسة أن ما يحدث ظاهرة مجتمعية متنامية بشكل كبير جداً، حتى وإن كان المجتمع غير معتاد على مثل هذا التغيير في العنف والتنمر في مجتمع المدارس، إلا أنه يتعاظم يوماً عن يوم، و”أصبحنا نرى أشكالا مختلفة من العنف، وأغلبه يتمحور حول الطلاب بشكل كبير جداً، والعائلات فيما بينها”. هذا الأمر ينعكس بشكل واضح جداً على المجتمع ككل، كما يقول النوايسة، ويومياً بتنا نسمع عن حالات اعتداء بين أفراد الأسرة الواحدة، لذلك هي ظاهرة بكل معنى الكلمة، وليس حوادث عابرة، وتفسيرها يأتي تحت العديد من العوامل والدوافع التي جعلت هذه الظاهرة تتنامى، من ضمنها الظروف الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، على حدٍ سواء، وانعكاس ذلك على داخل الأسر بدا واضحاً، ومتطلبات الحياة كبيرة، والتوافق الأسري يحتاج إلى التأقلم مع متطلبات الحياة الموجودة.

ووفق النوايسة، فإن العنف اليوم لا يمكن حصره في طلاب المدارس فقط، ولكن التنمر بات أكثر رسوخاً وتعمقا في المجتمع، ولا يمكن الاستهانة بتلك الظاهرة، أو اقتصارها على مجتمع دون آخر، و”نحتاج إلى دراسات وإستراتيجيات لنحلل ما يحدث تحليلا واقعيا، وأكثر من زاوية، والوقوف عى الأسباب، لما لها من خطورة على المجتمع بشكل واضح”.

كما يعتقد النوايسة أن التقليد الذي يقوم به الأطفال، أو الطلاب، من الأمور الأكثر خطورة، كونه تقليدا أعمى للكبار ممن يمارسون العنف في حياتهم اليومية، كما في قصة الطالب الذي تعرض للاعتداء، والتسبب في حدوث خلل عضوي في جسده، عدا عن التنمر والعنف اللفظي المتزايد، سواء داخل المدارس، او في الجامعات، الشارع، والأسرة، و”لا يمكن أن نتحجج بالضغوط النفسية على الفرد، فنحن بحاجة إلى تفسير علمي ومنطقي، وهذا دور جميع المؤسسات الرسمية والأهلية في المجتمع”.

"الغد - تغريد السعايدة"



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات