إخراجُ غزةَ من الصراع غايةٌ إسرائيليةٌ ومساع دوليةٌ

تم نشره الخميس 15 حزيران / يونيو 2023 06:52 مساءً
إخراجُ غزةَ من الصراع غايةٌ إسرائيليةٌ ومساع دوليةٌ
د. مصطفى يوسف اللداوي

شاعت في الأيام القليلة الماضية أنباءٌ متضاربة نفتها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، حول مساعي التوصل إلى اتفاقية هدنة طويلة الأمد بين الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة والعدو الإسرائيلي، ونشرت وسائلٌ إعلامية عديدة، بصورةٍ مقصودة ومتعمدة، ولغاياتٍ معلومةٍ وأهدافٍ محددة، تفاصيل الحوارات السرية التي تجري خلف الأبواب المغلقة حسب وصفها، وذكرت بأن القاهرة التي استضافت قادة حركتي حماس والجهاد الإسلامي عرضت عليهما اقتراحاً بعقد هدنة طويلة الأمد مع "الجانب" الإسرائيلي، وتباينت التقارير المسربة والمقالات المكتوبة حول مدة الهدنة بدءً من سبع سنواتٍ وصولاً إلى ثلاثين سنة، مقابل تسهيلاتٍ وعطاءاتٍ مختلفة يقدمها العدو الإسرائيلي، وتساهم في كثيرٍ منها الولايات المتحدة الأمريكية ودولٌ أوروبية وعربية بالإضافة إلى الأمم المتحدة ومؤسساتها.

لعلها ليست المرة الأولى التي يتم فيها الحديث عن هدنةٍ طويلة الأمد بين الجانبين، أو تهدئةٍ متفاهمٍ عليها بين الطرفين برعايةٍ مصريةٍ ومباركةٍ أمريكيةٍ وإقليمية ودوليةٍ، فقد سبقتها عشرات التوقعات عن قرب التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار بمختلف الأشكال وعلى كل الصُعد والجبهات بين المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة والعدو الإسرائيلي، إلا أن الحديث هذه المرة مختلفٌ نسبياً، كون هذه التسريبات لا تأتي خلال حربٍ أو إثر عدوانٍ إسرائيلي على قطاع غزة، وليست خلال موجة تصعيد عنفٍ وإطلاق صواريخ من قطاع غزة على مدن ومستوطنات الغلاف، فالأوضاع الآن شبه هادئة بعد انتهاء حرب الأيام الخمسة، ونجاح مصر في تثبيت وقف إطلاق النار بين العدو وحركة الجهاد الإسلامي.

أي أن الحديث عن الهدنة يأتي هذه المرة في ظل أجواء هادئة على الجبهة الجنوبية في قطاع غزة، بما يشير إلى أن هناك من يفكر ويخطط للاستفادة من فترة الهدوء السائدة في فرض اتفاقٍ "أمني-اقتصادي" بين الجانبين، يطمئن العدو الإسرائيلي من خلاله على أمنه من الناحية الجنوبية، ليتفرغ للعمل على جبهاتٍ أخرى، تتجاوز القدس والضفة الغربية التي ينشط فيها ليل نهارٍ لتهويدها ومصادرة أراضي أهلها وبناء المزيد من المستوطنات فيها وتوسيع القديم منها، ومواصلة العمل على زيادة عدد المستوطنين القاطنين فيها إلى قرابة مليون مستوطنٍ، إضافةً إلى عمليات الاجتياح والمداهمة وقتل واعتقال نشطاء المقاومة فيها.

يتطلع العدو الإسرائيلي بتسكين جبهة غزة للعمل على جبهاتٍ أخرى يرى أنها خطرة جداً عليه، وأنها قنابل موقوتة قد تنفجر في وجهه في أي لحظةٍ، ويريد توجيه ضرباتٍ استباقية حاسمة ضدها، ويقصد بها الجبهات الشمالية في سوريا ولبنان، والجمهورية الإسلامية في إيران، التي يشكل مشروعها النووي وتطورها العسكري وتحالفاتها الإقليمية كابوساً مرعباً له، لهذا فهو يعمل على تنفيذ مخططاته لمواجهة إيران وتدمير مشروعها النووي داخل حدودها، أو التصدي لها واستهداف القوى المتحالفة معها والمنتسبة إليها خارج حدودها كحزب الله في لبنان، ومواصلة توجيه ضربات أمنية ضدها في أكثر من مكانٍ في العالم، أو عسكرية ضد أهدافٍ لها في سوريا.

أمام هذه الأجندة الإسرائيلية الضاغطة، وفي مواجهة الأخطار الداهمة ومعالجة الملفات الساخنة، وحتى يتفرغ لها ويركز عملياته ضدها، يريد العدو أن يُسَكِّنَ المقاومة في قطاع غزة، وأن يهدئ جبهتها، ويخلق حالة من الأمن المؤقت والسلام الكاذب فيها، ليس لأنه مطمئنٌ إليها ولا يريد أن يستهدفها ويقضي عليها، بل إنه يتمنى تقويضها وتفكيك قواها وتدمير قدراتها والقضاء على تهديداتها، والشفاء من الصداع المزمن الذي تسببه له، فهي تشكل عليه خطراً حقيقياً وكبيراً، كونها الأقرب إليه والأقدر على إيلامه وإرباكه، والأكثر استنزافاً له وإشغالاً لجيشه، وقد شن ضدها العديد من الحروب والمعارك، لكنه فشل وعجز عن إخضاعها وتحقيق أهدافه المرجوة بالقوة وبالمزيد من القوة ضدها.

إذن يريد العدو بخبثٍ ودهاء، ومكرٍ وخداع، أن يقصي قطاع غزة عن الصراع ويبعدها عن المواجهة، مقابل جزرةٍ مسمومةٍ يقدمها إليها وتسهيلاتٍ يعدها بها، ووعودٍ يطلقها ويتعهد بها، يعلم الجميع أنها وعودٌ كاذبة، وتعهداتٌ مؤقتة لا يلتزم بها ولا يحافظ عليها، ولا يقوى الوسطاء ولا الرعاة على إلزامه بها والضغط عليه للوفاء بشروطها وعدم سحبها والتراجع عنها، أو القيام بما يفسدها ويبطلها، فالسوابق التي تشهد على نكثه العهود كثيرة، وصفحاته السوداء ضد الفلسطينيين لا تحصى، وتجاربهم معه لا تنسى، ولسان حال الفلسطينيين يقول له "كيف أنساك وهذا أثر فأسك"، فالموت والدمار والخراب والجوع والحرمان والحصار يشهدون عليه ويؤكدون على عدم الثقة به والتسليم له.

أياً تكن التسهيلات الإسرائيلية والوعود الدولية والضمانات الإقليمية فهي عطاءاتٌ مسمومةٌ مؤقتة، ووعودٌ كاذبةٌ مبطنة، سرعان ما تنتهي وينقلب عليها العدو وينكثها، وإن سلمنا له وصدقناه، وآمنا به وعاهدناه، فإن دورنا سيأتي واستهدافنا سيكون قريباً وسريعاً، وبطشه بنا سيكون قاسياً، وإن التخلي عن الحلفاء والقبول بتسكين الجبهات والاستمتاع بالعشاء الأخير قبل أن تحز سكين العدو رقابنا، في تأكيدٍ لما ورثناه من حكمةٍ وتجربةٍ "أكلت يوم أكل الثور الأبيض"، سيكون قريباً وأكيداً، فلنحذر هذا اليوم، ولنتجنب وقوعه، ولنرفض مقدماته، ولنكن حذرين فطنين منتبهين، مخافة أن يصيبنا ما أصاب غيرنا، ويستفرد العدو بعد ذلك بنا.



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات