مشروع وطني للدفاع عن اللغة العربية وحمايتها

المدينة نيوز - يتفق متخصصون على الهجران الذي تواجهه اللغة العربية في عقر دارها ، وما يهددها من مخاطر نتيجة تراجع استخدامها في حياتنا اليومية ومكانتها , الأمر الذي يضعف هويتنا الحضارية .
ووجدوا خلال ندوة عقدتها وكالة الأنباء الأردنية (بترا) وأدارها مديرها العام الزميل رمضان الرواشدة أنه يمكن إعادة الاعتبار إلى اللغة العربية والاهتمام بها في جميع المؤسسات والمرافق العامة من خلال هبّة شعبية ورسمية لإنقاذ لغتنا العربية وهويتنا الوطنية والقومية وهي مسؤولية تقع على عاتق كل مواطن .
وعرضوا خلال الندوة التي شارك فيها العلامة الدكتور ناصر الدين الاسد ، ورئيس جامعة العلوم الاسلامية العالمية الدكتور عبد الناصر ابو البصل ، ورئيس مركز البيرق الاردني للدراسات والمعلومات بلال التل ، ملامح مشروع وطني للدفاع عن اللغة العربية يتبناه المركز تحت شعار( لغتي وطني هويتي ) .
ورأى المشاركون أن المشروع جاء لمواجهة ما تتعرض له اللغة العربية من تهميش من خلال التراجع في استعمالها خاصة بين الشباب , وفي مناهج الدراسة لمختلف الفئات ، معتبرين ذلك تهديدا للنسيج الاجتماعي ووحدة الأمة وتماسكها لأن اللغة العربية أكثر ما ترتبط بالفكر .
وقال الدكتور الأسد ان ما تتعرض له اللغة العربية سيكون موضع دراسة في اللجنة العليا التي تشكلت في إطار المشروع الوطني للدفاع عن اللغة العربية ، حيث ستقوم اللجنة بالاتصال بمختلف الجهات المعنية " خاصة أننا سنعمل على تفعيل التشريعات وبالذات قانون حماية اللغة العربية الذي يعتبر من المشروعات الحيوية لحمايتها ، والاتصال مع المؤسسات الإعلامية والنقابات آملين من الاعلام مؤازرة هذا الجهد الوطني" .
واعتبر ان الإعلام يشكل أهم الروافد للنهوض باللغة العربية التي تعتبر الأداة الرئيسة لبناء أي مشروع حضاري للنهوض بالأمة مستعرضا تجارب عديدة اسهمت في إحداث نهضة لغوية عربية خاصة في مرحلة مبكرة على يد رواد الإصلاح والنهضة الذين سعوا إلى احداث هذه النهضة لتكون الرافعة لمشروع النهوض الكامل للأمة , وهو ما أدركه المستعمر فتصرّف على النقيض من ذلك ساعيا إلى تدمير اللغة العربية وإبعاد ابنائها عنها , ابعادا لهم عن الوسيلة التي تمكنهم من تأصيل وتوطين العلوم ونشر المعرفة في مجتمعهم مما يحول في النهاية دون وقوع تأصيل المعرفة وحدوث النهضة المنشودة .
وقال الدكتور الاسد ان التحول في التعليم الى اللغة الانجليزية أو اللغة الفرنسية ليس لعجز اللغة العربية ، انما بحكم ضغط الاحتلال أو الاستعمار الذي يعرف ان تبنّي لغته يعني تبنّي أفكاره ، لان ارتباط اللغة بالفكر ارتباط وثيق ومتلازم ، واي مساس باللغة العربية هو مساس بالفكر العربي ، معتبرا ان اللغة العربية ليست لديها خصومة مع العامية او مع اللغات الأجنبية .
واضاف أنه عندما نتحدث باللغة العربية فنحن لسنا بخصومة مع اللغات الاجنبية ، بل بالعكس نحن ندعو إلى وجوب تعلم اللغات الاجنبية التي تفتح نوافذ على المعرفة وآفاق الانفتاح على الثقافات العالمية .
وقال العلامة الاسد ان اللغة العربية ليست عاجزة عن لغات العصر ، فهي لغة واسعة الانتشار وهي منذ اقدم الازمنة , فيكفي ان القرآن الكريم نزل باللغة العربية ، اذ ان بعض المحطات المضيئة في التاريخ العربي اثبتت قدرة اللغة العربية على مواكبة التطورات العلمية في مختلف المجالات لانها لغة حية وجامعة لكل العرب ، وعلينا ان نعيد النظر في هذه اللغة وتثبيتها وادخال ما نستطيع من تجديدات عليها لانها لغة ليست عاجزة .
واكد أن تغليب العامية على الفصحى خاصة في وسائل الاعلام وكل ما يشكله ذلك من الخطر , يهدد الهوية الوطنية والانتماء القومي والمنظومة الاجتماعية وكل ما تمثله اللغة العربية .
وقال ان اللهجات العامية ليست مذمومة , فهي موجودة منذ القدم وستبقى موجودة ، فهي بقايا الفصاح ، وانما المذموم وضع أشياء في غير موضعها ، كما أنه لا يجوز ان تأخذ العامية مكان اللغة الام ، لان هناك تلازما بين لغة الام وفكرها .
ودعا وسائل الاعلام المختلفة الى مؤازرة الجهود الوطنية لنشر اللغة العربية الفصحى وتحقيق رغبة المهتمين بها لايجاد تشريع يحميها خاصة ان هناك هجمة وحملات على اللغة العربية خارجية ومن أبنائها .
وقال الدكتور ابو البصل ان اللغة العربية زوحمت كثيرا في مجالات التعليم والفن والصحافة والإعلام عامة وفي الخطابة وفي البيت حتى اصبح المجال لها ضيقا ، اذ ان هناك قلة ممن يتحدثون اللغة العربية الفصحى وهي مشكلة كبيرة تواجه العاملين في الجامعات والمدارس ..
وهذا يدعونا كما اضاف إلى تشكيل فرق عمل لدراسة الواقع الذي تعانيه اللغة العربية ووضع المقترحات اللازمة لبناء مستقبل مشرق للامة لان اللغة هي التي تحدث الرابطة القومية والوطنية التي تجمع الناطقين بها ، وعن طريقها يعرف المرء ويعرف , فيقال فلان عربي وفلان فرنسي وذلك صيني وهذا انجليزي وذلك روسي .
واوضح ان مشروع الدفاع عن اللغة العربية سيرسم آليات وخطط عمل لتنفيذها على مختلف المستويات , وهي عملية تحتاج الى تعاون من جميع ابناء الوطن وفي طليعتهم رجال الاعلام لتحقيق هذا المشروع الريادي الذي يسهم في اعادة الاعتبار الى اللغة العربية .
وقال الدكتور ابو البصل ان مشكلة اللغة العربية تتعلق بالخطط الدراسية في الجامعات , وفي لغة الاعلام حيث نحتاج في هذه المرحلة الى تطوير خطط وبرامج التعليم بمشاركة جميع المؤسسات المعنية معبرا عن تفاؤله في تنفيذ خطط عملية وواقعية تعيد اللغة إلى مكانتها .
وقال الزميل بلال التل ان الدفاع عن اللغة العربية وسيلة لبناء الاعتزاز القومي والانتماء الحضاري للافراد والجماعات , لذلك فان كثيرا من الشعوب ترفض التحدث بغير لغتها اعتزازا بها وتعبيرا عن انتمائها القومي عبر تمسكها بلغتها .
واضاف ان اللغة الواحدة من اهم المكونات الاساسية للاستقلال السياسي للامة , من هنا يحرص المستعمر والمحتل على خلع الشعوب التي تقع تحت سيطرته وفي نطاق نفوذه من لغتها لتصبح لغته هي لغة التخاطب بين ابناء الشعب الذي يحتل ارضه , ولعل ابرز الامثلة على ذلك محاولة فرنسة الجزائر وجهود العدو الاسرائيلي في طمس معالم القدس على وجه التحديد من خلال اطلاق مسميات عبرية على هذه المعالم , مثلما تجري محاولة طمس هوية مدننا عبر مؤثرات بصرية تمثلها لوحات المحال التجارية التي تغرق اسواقنا .
وأكد التل ان اللجنة الوطنية للدفاع عن اللغة العربية عقدت اول اجتماع لها منطلقة من ركائز اساسية تتمثل بان اللغة هي الحافظة للهوية الوطنية لكل شعب وأمة من أمم الأرض تحفظ له ذاكرته التاريخية بكل مكوناتها الثقافية والاقتصادية والاجتماعية , وانها أداة بناء العواطف والمشاعر والتعبير عنها وصولا إلى تنشئته على كل القيم والمثل وتربيته على كل العلائق الاجتماعية لابناء الشعب الواحد .
وتابع ان اللغة هي اداة التنشئة الوطنية ورابطة المواطنة التي لا انفصام لها , واداة بناء الذوق العام الذي يحكم المجتمع ويميزه عن ما سواه من المجتمعات والامم وهي بذلك كله تكوّن وجدان الامة وعقلها وروحها , وبهذا فان اللغة ليست مجرد اداة للتعبير , لكنها اعمق من ذلك واهم , فهي فكر الامة واداة التعبير عنه , وهي رابطة اجتماعية وثقافية ووسيلة بناء المواقف والقناعات المشتركة لابناء المجتمع في القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية بل وفي كل مجالات الحياة , وكلها مبررات تستدعي العمل لاعادة اللغة العربية الى مكان الصدارة في المجتمع الاردني .
وخلصت اللجنة حسب التل الى ان حالة التراجع التي تمر بها اللغة العربية من حيث الاستخدام تستدعي هبّة شعبية ورسمية لانقاذ لغتنا وهويتنا الوطنية والقومية وهي مسؤولية تقع على كاهل كل مواطن غيور .
ودعا الى ايجاد رأي عام لاعادة الاهتمام باللغة العربية وبيان مزاياها مؤكدا ان المشروع سيستمر ويتواصل مع مختلف الجهات .
وبين ان هناك فريق عمل قانونيا وآخر اعلاميا وفرقا اخرى ستاخذ روح المبادرة لبيان الثغرات التي تواجه اللغة العربية وطرح البدائل التي تضمن حيوية اللغة العربية . ( بترا )