سياسيون ومفكرون : هيبة الدولة ضمانة لتعزيز الاستقرار

المدينة نيوز – اخلاص القاضي - هنالك من يحاول اختطاف هيبة الدولة مستغلا حالة الحراك السلمي المطالب بالاصلاحات , ولا بد من تفويت الفرصة عليه عبر تعزيز منظومة قيم المواطنة والديمقراطية والعدالة وتعزيز سيادة القانون " , هذا ما اجمع عليه مفكرون ومثقفون وحزبيون لوكالة الانباء الاردنية ( بترا ) .
ويؤكدون ان هيبة الدولة تستمد من خلال توثيق معادلة تبادل الثقة بين الشعب وسلطات الدولة المختلفة باعتبارها الضمانة الاكيدة لتعزيز النماء والاستقرار والتوزيع العادل لمكتسبات الوطن .
ويشيرون الى اهمية اضطلاع وسائل الاعلام المختلفة بدورها المسؤول للمحافظة على هيبة الدولة وابراز المنجز وتعظيمه , وتسليط الضوء على مكامن الخلل لغايات الاصلاح .
يقول المؤرخ المفكر الدكتور بكر خازر المجالي ان اساسيات هيبة الدولة تكمن في الدستور الناظم للحياة السياسية الذي منه تم اجتراع القوانين الضابطة والكفيلة بضمان حقوق الجميع , كما تكمن في درجة الوعي الوطني النابعة من مسؤولية مشتركة لجميع عناصر الدولة وهي الحكومة والسلطات والاعلام والمواطن مبينا ان العلاقة تكافلية ولا تقبل فرض الكفاية بل تخضع لفرض العين , أي ان كل شخص مسؤول في موقعه .
ويضيف " اذا اردنا ان نقرأ هذه المعطيات من خلال الوضع الراهن , فالنتيجة بحد ذاتها نتاج لبعض السياسات الخاطئة التي تراكمت عبر السنوات الماضية , وظهرت فجأة امام الجميع وبالتالي نحاول الان البحث عن العلاج اللازم والتعامل مع الساحة التي تفرض نفسها" .
المسألة هي مسألة علاقة الفرد بالدولة كما يقول المجالي , وما الذي يحكم هذه العلاقة وكيف كانت بالاصل , وعلى مدى السنوات والعقود بنيت على الثقة المتبادلة وضمان الحقوق مشيرا هنا الى ( البوابات الاربع ) التي تحدث عنها جلالة الملك عبدالله الثاني في اكثر من حديث وخطاب وهذه البوابات هي : الكرامة وتكافؤ الفرص والعدالة والسلام والديمقراطية .
وينوه الى ترجمة تلك البوابات الى واقع عملي تحكم العلاقة بين الفرد والدولة والتي اذا لم يحسن توظيفها في المجتمع فاننا سنواجه كل محاولات الاستقواء على الدولة والمس بهيبتها واتاحة المجال لاي جهة مغرضة لتحقق اهدافا خارجة عن السياق الطبيعي للدولة .
ويؤكد الدكتور المجالي اننا لمسنا وخلال فترة الاحتجاجات الاخيرة تباعدا عن الوطن من قبل بعض الافراد , أي البعد عن مفهوم المواطنة الامر الذي يقتضي ضرورة العودة الى البحث عن كل الصيغ التي تعيد العلاقة الوطيدة بين بعض الافراد ووطنهم .
ويشدد هنا على اهمية تحصين الانفس ضد كل النماذج التي نراها حولنا والتي اراقت دما على ارضها ما يدفع المواطن الى تفعيل غيرته على وطنه من خلال اجتراح الحلول المنطقية للازمات دون المس بالدولة وهيبتها , عن طريق تعميق مفهوم المواطنة والثقافة الوطنية والسعي لان تكون هناك حلقة من التواصل بين الفرد والدولة .
ويسهب في تحليله حول مسؤولية بعض وسائل الاعلام في التأثير على هيبة الدولة , حيث يرى ان هناك تفاوتا في اسلوب طرحها ومعالجتها للقضايا , حين اصبحت تتجه الى ما يرغب بعض المواطنين سماعه , وتماشيا انسحبت الرغبة لديهم الى توقهم اليومي لرؤية مسؤول وراء القضبان وفتح ملفات فساد جديدة واخبار عن اعتداءات واعتصامات في كل مكان .
في الوقت الذي اغفل فيه الاعلام كما يقول موضوع المسؤولية الاجتماعية ودوره في تعزيز هيبة الدولة , نتيجة الضخ الاعلامي الذي لم يعد يفرق في بعض وسائله بين الغث والسمين في محاولة لخلط الاوراق ما اضعف ثقة بعض المواطنين بالدولة .
ويتابع : ان هناك جهودا متواصلة لتعزيز البناء الداخلي للدولة ومشروعات التنمية المختلفة التي تستهدف موضوع تحقيق الكرامة ومستويات معيشية فضلى للمواطنين من المفترض ان يتم تسليط الاضواء عليها وعلى المنجز الوطني , مشيرا الى ان ندوة تتحدث عن انجازات معينة لا يحشد لها الاعلام كما يحشد لمؤتمر صحفي سيتم التحدث فيه عن فساد او فاسدين .
ويقول , ان السياسة الامنية للدولة في التعامل مع ما يجري على الساحة الاردنية من احتجاجات تعتمد على مبدا ضبط النفس الى اقصى الحدود وهذا لا يفسر بالضعف على الرغم من ان فئات طورت من حراكها ورفعت سقوف مطالباتها وشعاراتها وهتافاتها وبعضها كان مسيئا للغاية , ومع ذلك تعامل الامن بمنتهى الشفافية مع الاحداث ما يدعم هيبة الامن العام وقدرته على بسط السيطرة الامنية .
ويقول الدكتور المجالي ان هيبة الدولة فرضت نفسها رغم محاولات اختطاف البعض لها مستغلا مرحلة الحراك الشعبي , وقد فرضت نفسها على مدى عقود منذ نشأة الدولة , اذ ان الاردن مر بظروف عصيبة في مراحل مختلفة وتجاوز تلك الظروف بل خرج منها اقوى مستندا الى شرعية الحكم الهاشمي وشفافيته وحاكميته الرشيدة .
الكاتب والشاعر حيدر محمود يقول ان هيبة الوطن لا يمثلها الفاسد , بل كل مواطن غيور على مصلحته وهي مصانة ومحفوظة , لكن المشكلة في بعض وسائل الاعلام التي تحاول الايحاء بأن كل شيء في الدولة سلبي , ولا تسلط الضوء الا على قضايا الفساد والفاسدين ما افسد المشهد برمته مشددا على اهمية اظهار المنجز الحضاري والتنموي الاردني في هذه المرحلة بالذات .
ويضيف : اذا كان من شعور لدى البعض بأن هيبة الدولة تأثرت , فان ذلك يجافي الحقيقة , والدليل تخطي الدولة لكثير من الازمات , على ان ذلك لا ينفي اهمية استعادة كل الاموال المنهوبة ومحاكمة الفاسدين , وتقليص عدد الوزارات والدوائر الحكومية لتقليص النفقات , ومحاربة الشللية والمحسوبية , وتعزيز سيادة القانون , بل وانشاء هيئة مستقلة للشفافية توازي المرحلة وتمأسس عمل كل الوزارات والدوائر على قاعدة المكاشفة . ويتابع الشاعر محمود ان ترجمة كل ذلك الى واقع عملي يعيد هيبة الدولة في اذهان القلة ممن ظنوا ان الدولة فقدت هيبتها مؤكدا ان جلالة الملك عبدالله الثاني هو اول المحاربين للفساد , وجلالته الذي اعطى الاوامر لكشف ملابسات كل القضايا الامر الذي يفترض ان يعزز من هيبة الدولة الموجودة اصلا وقدرتها على تعزيز سيادة القانون .
ويقول الشاعر محمود ان الاردن هو وطن الخير , وهو همزة الوصل بين الاسراء والمعراج , وبه النهر المقدس والارض التي رويت بدماء الشهداء , وللاردن رسالة مقدسة وهو بذلك وطن قوي معزز بحكم شرعي وحاكمية رشيدة حرصت على وطن ديمقراطي يحترم التعددية ويصون حرية العقائد منوها الى ان كل تلك المعطيات كفيلة بتعزيز هيبة الدولة .
يقول امين عام الحزب الوطني الدستوري الدكتور احمد الشناق ان الاحزاب الاردنية تتحمل مسؤولية كبيرة في قضية الحفاظ على هيبة الدولة التي هي ليست مسؤولية الحكومات فقط مؤكدا ان هيبة الدولة تخص كل الاردنيين على حد سواء الذين استطاعوا عبر العقود الماضية الحفاظ على دولتهم وحمايتها وتقويتها .
ويضيف ان التجربة التاريخية علّمت الاردنيين تجاوز كل الظروف القاسية , فتم الانجاز والاصلاح والنماء , وهذا كله لم يكن ليتاتى الا عبر دولة ذات هيبة.
ويدعو الدكتور الشناق في هذا السياق الى الحفاظ على رمزية الدولة ومؤسساتها واجهزتها ما يكرس هيبتها , منوها الى ان محاولة المساس بامن الدولة محاولة لاعادة الدولة الى مرحلة الحكومات المحلية في مرحلة ما قبل التأسيس ما يفتح الباب على أي مشروع مغرض لاصحاب الاجندات الخاصة ولا سيما اننا نعيش في اقليم غير مستقر في ظل اطماع اسرائيلية لا تنتهي .
ويؤكد ان هيبة الدولة عززتها كل الاصلاحات الاخيرة التي قادها جلالة الملك , اصلاحات دستورية , واخرى تتعلق بالقوانين الناظمة للحياة السياسية , ما يبشر بان الاردن على عتبة مرحلة جديدة بشكلها السياسي المنشود مبينا انه لا يمكن الوصول الى اصلاح حقيقي الا من خلال دولة قوية .
ويبين ان الاحتجاجات التي تهدف الى الاصلاح لا بد ان تدعم هيبة الدولة وقوتها لانه لا يمكن لدولة ضعيفة ان تحقق انجازات او اصلاحات مهما كان شكلها موضحا ان قوة الدولة تنطلق من التمسك بالثوابت الوطنية والحفاظ على الوحدة الوطنية وصون مقدرات الوطن والتأكيد على حمايتها من أي مكروه .
( بترا )