قراءة في تاريخ قوانين الانتخاب

المدينة نيوز - قوانين الانتخاب عريقة وقديمة لازمت تأسيس الدولة في عشرينيات القرن الماضي وتغيرت وفقا للظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي شهدتها المملكة وصولا الى مشروع القانون المحال حاليا الى مجلس الامة من قبل الحكومة .
مقارنة مع الوطن العربي ، فان الاردن اول دولة عربية تشكلت فيها حكومة على اسس حزبية العام 1956 ، بعد ان حاز الحزب الوطني الاشتراكي على الاغلبية البرلمانية وترأس امينه العام سليمان النابلسي الحكومة انذاك علما بانه لم يتمكن من الفوز بالانتخابات النيابية .
وفي كتابه مهنتي كملك يشرح المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه واقع الاردن في خمسينيات القرن الماضي ويتحدث عن الربيع بمعناه السياسي وعن الاصلاح وعن تشكيل الحكومات البرلمانية المنتخبة .
ويتفق اكاديميان ورئيس شبكة الانتخابات في العالم العربي في لقاءات ان الارادة السياسية العليا وارادة الشعب متفقتان دوما على اهمية ودور الحكومات المنتخبة في تفعيل العمل السياسي وتطوير مجالات الحياة المختلفة .
يقول استاذ العلوم السياسية في جامعة مؤتة الدكتور محمد حمد القطاطشة ان جلالة الملك عبدالله الثاني يركز دائما على اهمية اقرار قانون انتخاب عصري , وبمفهومي فان القانون العصري هو قانون دائم يلبي طموحات الشريحة الواسعة من المجتمع ويجعل المواطنين سواسية امام القانون , اي بلا (كوتات) مهما كان نوعها ومبررها وصولا الى الدولة المدنية التي تتشكل فيها الحكومات على اسس ديمقراطية وبحسب الاكثرية التي تصل للبرلمان.
ويسرد تاريخ قوانين الانتخاب قائلا ان علاقة الدولة الاردنية مع قوانين الانتخاب عريقة وقديمة مقارنة مع دول الاقليم , فأول قانون للانتخاب صدر في السادس عشر من نيسان عام 1928 اي بعد تأسيس امارة شرق الاردن بنحو سبع سنوات .
ويبين انه في عام 1929 تشكل اول مجلس تشريعي بناء على هذا القانون الذي رأته القوى السياسية الوطنية في ذلك الوقت قانونا لا يرضي طموحات الشعب نظرا لصدوره ابان حكم الانتداب البريطاني .
ويتابع ان الاردن شهد مظاهرات ضد قانون انتخاب عام 1928 عقد على اثرها المؤتمر الوطني الاردني الاول في الخامس والعشرين من ايار 1928 وكانت الاراء متفاوتة بالمشاركة بالانتخابات او رفضها , وان لم تكن في ذلك الوقت حركات حزبية مسيسة باستثناء التوجه القومي واليساري , وبناء على هذا المؤتمر تشكل اول حزب وطني سميّ بحزب اللجنة التنفيذية الاردني .
ويزيد القطاطشة : في عام 1947 صدر قانون جديد للانتخاب بعد تحول الامارة الى مملكة وتحول المجلس التشريعي الى مجلس للنواب بعد ان شهد الاردن تشكيل خمسة مجالس تشريعية كان آخرها المجلس الخامس الذي اعلن استقلال المملكة .
ويقول : تبع اقرار قانون الانتخاب اقرار اول قانون للاحزاب في عام 1955 ليشهد العمل الحزبي تطورا لافتا ولتتشكل في الاردن والوطن العربي اول حكومة على اسس حزبية في عام 1956 .
ويضيف الدكتور القطاطشة ان تشكيل الحكومة البرلمانية في ذلك الوقت دلّ على الوعي السياسي الذي يتسم به شعبنا والفكر المتطور للقيادة الهاشمية التي ارادت منذ ذلك الوقت تشكيل الحكومات على اسس حزبية .
ويقول انه في عام 1957 صدرت الاحكام العرفية التي تم بموجبها حل الاحزاب والبرلمان حتى عام 1992 تاريخ صدور قانون جديد للاحزاب , ومن المعروف ان حظر عمل الاحزاب لم يشمل جماعة الاخوان المسلمين .
وبعد فترة الاحكام العرفية وفي عام 1987 صدر قانون الانتخاب الذي جرت بموجبه انتخابات عام 1989 وكان هناك توافق وطني بان يعطى للناخب اكثر من صوت لتتطور الحياة الديمقراطية بشكل كبير في تلك الفترة , لكن بعد ذلك وما تلاه من اقرار قوانين انتخاب مؤقتة افرزت مجالس نيابية لم تستطع الاتفاق على قانون انتخاب دائم يلبي الطموحات بحسب الدكتور القطاطشة .
استاذ التاريخ في جامعة العلوم الاسلامية الدكتور بسام البطوش يقول : كقارىء ومحلل للتاريخ فان الامانة تقتضي القول ان للاردن تجربة عريقة ومتميزة في الحياة البرلمانية والسياسية والحزبية ، ومن المعروف انها بدأت منذ عام 1929 ، وشكلت القوى الوطنية الاردنية حركة استطاعت ان تحقق آمال الشعب بخلاصها بداية من الانتداب البريطاني .
ويضيف اننا نسعى ونطمح لان نصل الى مرحلة من التنمية السياسية بافراز حكومات نيابية ممثلة للكتل النيابية ذات الاغلبية , ولكنها عملية تدريجية يجب ان لا تكون على حساب امن واستقرار الوطن ومصالح الدولة الاستراتيجية .
ويقول : ان عمر الدولة الاردنية الآن اكثر من تسعين عاما ولم تكن لتستمر ولتكون واحة امن واستقرار لولا كل هذه الدعائم والمكونات التي جعلت منها دولة قوية .
ويبين الدكتور البطوش ان قانون الانتخاب والنظام الانتخابي على وجه التحديد يعكس مرحلة التطور السياسي الذي وصلت اليه الدولة ، واي دولة في العالم لديها الحق في ان تصوغ نظامها الانتخابي وان تكون لديها مجموعة اهداف تسعى الى تحقيقها من خلاله : اهمها حماية سيادة الدولة وهويتها وتوسيع عملية المشاركة الشعبية وتحقيق العدالة بين جميع مكونات المجتمع .
ويقول : حتى نكون منصفين في تقييم تجربتنا النيابية والسياسية بشكل عام , علينا ان نعي حجم ونوعية المشكلات والتحديات التي يواجهها الاردن منذ تاسيسه حتى هذه اللحظة .
رئيس شبكة الانتخابات في العالم العربي الدكتور نظام عساف يرى ان قوانين الانتخاب تأتي لتلبية الحاجة المرتبطة بالتطور والتحديث والاصلاح السياسي وصولا الى تحقيق تنمية سياسية .
ويقول ان الاردن شهد تطورا في قوانين الانتخاب رافقت التطورات التي شهدها حيث انتظمت الحياة السياسية واقرت بعض القوانين المؤقتة , واليوم نحن امام فرصة يقر فيها قانون انتخاب وفق الاطر التشريعية الصحيحة وليس قوانين مؤقتة.
ويضيف الدكتور عساف : المطلوب ان نبني على الايجابيات ونطورها ونستثمر هذه الفرصة جميعا , خاصة انه ولاول مرة في تاريخنا السياسي تكون لدينا هيئة مستقلة للاشراف على الانتخابات والتي اراها رديفا مهما يدعم العملية الديمقراطية بهدف الارتقاء الى مستوى يعبر بشكل حقيقي عن رغبة الشعب والارادة السياسية العليا في الوقت ذاته .
ويقول ان كل شيء قابل للتطوير ما دام يتم بشكل سلمي وجميع مشكلاتنا يمكن حلها بمفتاح اجراء انتخابات حرة ونزيهة وان يكون لدينا سلوك حضاري في صياغة علاقاتنا السياسية .
ويبين ان القوانين المؤقتة للانتخابات التي اقرت في سنوات سابقة اخلت بالنسيج الاجتماعي ولم تكن الطريق الصائب بل كانت قوانين مجزوءة واي علاجات جزئية مؤقتة على طريقة انه توجد موجة او حالة تستدعي تغير هنا او هناك هو تجاهل لرغبات الناس وارادتها وكذلك للارادة السياسية العليا والقانون الصحيح هو الذي يفرز النائب الصحيح .(بترا)