بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة المخدرات

المدينة نيوز - قال الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة المخدرات :
في هذا اليوم السادس والعشرين من يونيو/حزيران، اليوم العالمي لمكافحة المخدرات، أكد الدكتور محمد بن علي كومان الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب على أنه لا بد أن تكون لنا وقفة مع هذه الآفة التي تنخر مجتمعات العالم أجمع وتعطل طاقات فئات منها وتعرض حياة أبنائها للخطر.
لم نعد في حاجة الى التأكيد على خطر المخدرات وما تخلفه من مآس إنسانية ومشاكل اجتماعية ومتاعب صحية وما تضعه أمام التنمية من عقبات، فتلك آثار وخيمة لم تعد تخفى على أحد!
وأضاف قائلاً لسنا في حاجة كذلك إلى التأكيد على التطور الذي تعرفه ظاهرة المخدرات سواء من حيث المواد المخدرة التي باتت تأثيراتها الصحية أكثر خطرا وقدرتها على توليد الإدمان أكثر نجاعة من اي وقت مضى، أو من حيث طرق التهريب وأساليب الترويج التي ما تفتأ تتنوع وتستفيد من التطورات التقنية والعلمية التي يشهدها عالم اليوم.
ما نحن في حاجة ماسة إليه هو القضاء على هذه الظاهرة أو ـ على الأقل ـ تطويقها الى أقصى حد! ونحن نعمل بجد في مجلس وزراء الداخلية العرب للوصول الى هذه الغاية، من خلال تعزيز التعاون العربي لمكافحة ظاهرة المخدرات البغيضة وتطويره ليواكب المستجدات في هذا المجال.
وأشار إلى المجلس تبنى منذ 1986م، استراتجية عربية لمكافحة الاستعمال غير المشروع للمخدرات والمؤثرات العقلية، وطورناها العام الماضي لتأخذ بعين الاعتبار المستجدات المسجلة على الساحتين العربية والدولية، وحرصنا على تنفيذ بنود هذه الاستراتيجية وترجمة أهدافها الى واقع ملموس من خلال خطط مرحلية بلغت لحد الآن ستا.
وضعنا اتفاقية عربية لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية وقعت عليها جل الدول العربية.
ننظِّم كل سنة مؤتمراً لرؤساء أجهزة مكافحة المخدرات في الدول العربية تتخلله اجتماعات لمجموعات عمل فرعية، من أجل تعزيز التعاون في مواجهة المخدرات.
نصدر كل سنة جدولا عربيا موحدا للمواد المخدرة والمؤثرات العقلية، وقائمة سوداء لتجار ومهربي المخدرات والمؤثرات العقلية، ودليلا للخبراء العرب والأجانب في مجال المخدرات، وإحصائيات مختلفة حول ظاهرة المخدرات في الوطن العربي.
عملنا على مواجهة غسل الأموال المتأتية من تجارة المخدرات، ووضعنا قانونا عربيا استرشاديا لمكافحته، ووقعنا مع مجلس وزراء العدل العرب اتفاقية عربية في هذا الشأن.
كان تعاملنا مع المدمنين دوما محكوما بنظرة المجلس إلى الأمن باعتباره شراكة بين الشرطة والمجتمع، وبسعيه تبعا لذلك إلى تعزيز المهام الإنسانية والاجتماعية لأجهزة الأمن في إطار شرطة مجتمعية قريبة من الناس حريصة على مد يد العون لهم ونصحهم وإرشادهم. لذا كانت رعاية المدمنين صحيا واجتماعيا وإبعادهم عن درك الإدمان أولويتنا الأكيدة، فحرصنا على وضع نموذج استرشادي للرعاية اللاحقة للمدمنين للحيلولة دون انتكاسهم، استفادت منه الدول العربية.
لا شك أن جهود المجلس التي ذكرنا هذه النماذج منها كانت ذات دور حاسم في الحد من تجارة المخدرات في الوطن العربي، لكن رغم ذلك لن تقر لنا عينٌ أو يهدأ لنا بالٌ ما دامت عصابات تهريب المخدرات تترصد أبناءنا وتتحين الفرص لإيقاعهم في حبائل الإدمان.
للأسف فإن أجهزة الأمن لا تتحكم في كل أدوات المواجهة، فالمكافحة الأمنية على أهميتها تظل دائما قاصرة عن القضاء على آفة المخدرات، ذلك أن بلوغ هذا الهدف لا يتأتى فقط عن طريق خفض المعروض من المواد المخدرة، بل لا بد من خفض الطلب على هذه السموم، عن طريق تحصين الأفراد والحيلولة دون وقوعهم في الإدمان.
هنا يأتي دور جهات عدة على عاتقها تقع مسؤولية صيانة أمن المجتمع وحمايته من الظواهر الهدامة:
الأسرة التي عليها أن تربي أبناءها على السلوك القويم وتنمي لديهم الوازع الديني والأخلاقي، وتبصرهم بعواقب الإدمان الدينية والصحية والاجتماعية والجنائية.
مؤسسات التعليم والتنشئة الاجتماعية التي ينبغي أن تولي جانبا من برامجها لتحصين النشء دون الوقوع في درك الإجرام والإدمان، وتوعيتهم بالتداعيات المأساوية لاستهلاك المخدرات.
رجال الدين الذين أناطت بهم شريعتنا الغراء مسؤولية تبيان حرمة استهلاك المخدرات باعتبارها عقارا مسكراً وسما ناقعاً، والاتجار بها باعتباره إفسادا في الأرض وإهلاكا للحرث والنسل.
الدولة التي عليها أن تعمل على القضاء على بؤر الفقر والحرمان وأن توفر للأفراد سبل الحياة الكريمة التي تحول دون الاضطرار إلى ترويج المخدرات وتعصم من الضغوطات النفسية التي من شأنها أن تدفع إلى الإدمان.
فعاليات المجتمع المدني والمنظمات الخيرية التي يمكن أن تلعب دورا بارزا في جهود رعاية المدمنين ومؤازرة جهود الجهات الرسمية لانتشالهم من براثن المخدرات.
لكن المسؤولية الكبرى في التوعية بخطر المخدرات تقع على عاتق وسائل الإعلام نظرا لتأثيرها الحاسم في الرأي العام وإمكانية وصولها إلى جمهور عريض. فعلى هذه الوسائل خاصة المرئية منها أن تعمل على كشف الواقع المرير الذي يعيشه مدمن المخدرات من خلال تحقيقات ميدانية تصور جحيم المخدرات والأخطار التي تتهدد المدمن من إصابة بالأمراض السارية خاصة الإيدز والوفاة بسبب الجرعات الزائدة، والتردي في الرذيلة والفساد.
في هذا اليوم الذي يمثل مناسبة للتوعية بخطر المخدرات نهيب بكل هذه الجهات الى الاضطلاع بدورها في المواجهة. لِنُقِمْ شراكةً اجتماعية في وجه المخدرات، تتضافر فيها جهود المكافحة مع جهود الوقاية. تتكاتف فيها التنشئة الاجتماعية مع الإرشاد والوعظ الديني، التوعية الإعلامية مع العمل الخيري التطوعي، الرعاية الاجتماعية مع توفير فرص الحياة الكريمة.
نهيب بأسر المدمنين وذويهم .. بأصدقائهم وزملائهم، أن ييسروا لهم فرص الإقلاع والعودة، أن يحيطوهم بكل العطف والحنان، أن يكفوا عن إدانة سلوكهم، وغلق أبواب العودة في وجوههم.
في هذا اليوم نوجه نداء صادقا إلى أبنائنا الذين غُرِّر بهم ووجدوا أنفسهم في شرك الإدمان: فرصة الصعود من درك الإدمان قائمة .. طبعاً تسلق الحفرة صعب جداً وطريق العودة ليست معبدة بالورود .. لكن البقاء في الدرك يعني مزيدا من المعاناة، يعني حتمية الهلاك والشقاء. يجب أن تستجمعوا العزيمة وتشحذوا الهمة، تكفي فقط إرادة صادقة .. هناك آلاف الأيدي مستعدة لانتشالكم .. آلاف الصدور مفتوحة لاحتضانكم .. آلاف الناس مصممون على مرافقتكم في طريق العودة، وعلى تذليل عقباتها وتمهيد دروبها أمامكم.
لِنُوطِّن النفس على صعود جبل الانعتاق من ربقة المخدرات حتى لا نعيش أبد الدهر بين حفر الإدمان.