الاقتصاد الفلسطيني في القدس: واقع مر ومطالب مشروعة

تم نشره الإثنين 09 تمّوز / يوليو 2012 05:46 مساءً
الاقتصاد الفلسطيني في القدس: واقع مر ومطالب مشروعة

المدينة نيوز - منذ أن قامت إسرائيل باحتلال الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس عام 1967، واجهت المدينة مشكلات عديدة وتحديات مصيرية، كان أولها الممارسات الإسرائيلية الممنهجة والمخططة تجاه المدينة المقدسة والتي طالت البشر والحجر، فقامت إسرائيل بضم المدينة لكيانها الغاصب وطبقت قوانينها عليها، وحلت مجلس أمانة القدس العربية، وألغت القوانين الأردنية التي كانت مطبقة في المدينة آنذاك، وأغلقت المحاكم والبنوك العربية وفرضت منهاج التعليم الإسرائيلي، وطبقت قانون أملاك الغائبين والذي أدى لفقدان الكثيرين من حقهم في عقاراتهم وأملاكهم، هادفة من ذلك تهويد المدينة وتقليل عدد السكان الفلسطينيين إلى أقل عدد ممكن من خلال الإخلال بالتوازن الديمغرافي لصالح اليهود، وقامت بالتوسع في هدم البيوت والورش والمصانع وسحب الهويات والتضييق الأمني وإقامة الحواجز العسكرية لفصل التجمعات السكانية الفلسطينية بعضها عن بعض
أما ثاني هذه التحديات فكان نتيجة للأداء الفلسطيني الرسمي والذي كان دون المطلوب بكافة مقوماته لمواجهة الإجراءات الإسرائيلية، من خلال عدم تخصيص ميزانيات حقيقية ضمن خطط إستراتيجية هادفة من ميزانية السلطة الفلسطينية دعما لاقتصادها لما تشكله القدس من مكانة دينية وعقيدية وتراثية وسياحية وكعاصمة للدولة الفلسطينية العتيدة، مما شجع إسرائيل وأعطاها الحرية الكاملة على الأرض بتنفيذ مخططاتها التوسعية دون حسيب ولا رقيب . أما ثالث هذه التحديات وكان كنتيجة للتحديين السابقين فقد عزف القطاع الخاص عن الاستثمار في القدس عدا عن بعض المبادرات والجهود الفردية المقدرة، وأجبر عدد كبير من المستثمرين وأصحاب المصانع والفنادق والورش والمحلات التجارية والتي تشكل عصب الاقتصاد في المدينة من البحث عن أماكن آمنة لاستثماراتهم خارج القدس أو على أطرافها هربا من سياسات التضييق والاستهداف من خلال الممارسات الممنهجة والضرائب الباهظة التي فرضتها عليهم سلطات الاحتلال
لقد تناغمت سياسة إسرائيل الاقتصادية في القدس مع سياستها في مجالات القانون والاستيطان وبناء الجدار حيث عملت ومنذ بداية احتلالها للمدينة على تفريغ المدينة من الاقتصاد الفلسطيني، وفك ارتباطها اقتصاديا مع الضفة الغربية، وربطها بالاقتصاد الإسرائيلي بهدف إجبار الفلسطينيين على الرحيل الطوعي من المدينة وفق سياسة "الجذب المعاكس"، بمنع إدخال المنتجات الزراعية والصناعية من والى القدس، واعتماد الشيكل الإسرائيلي كعملة تداول في الضفة الغربية وقطاع غزة بدلا من الدينار الاردني، واغلاق البنوك الأردنية وفرض الضرائب الباهظة على البضائع العربية التي تحتاجها القدس، وحاصرت القطاع السياحي ومنعت القطاع التجاري من العمل مع محيطه، ونتيجة لتلك السياسة ضربت البنية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المدينة، الأمر الذي أدى إلى تراجع مكانتها الاقتصادية بشكل متواصل، وأدخلت مرافقها الاقتصادية في أزمات متواصلة، ونتيجة للحصار المفروض عليها منذ الانتفاضتين الأولى والثانية، وأصبحت المدينة تعاني من ركود اقتصادي كبير مما أدى إلى إفلاس العديد من الشركات والمنشآت الاقتصادية، أما المؤسسات والشركات الاقتصادية التي بقيت في القدس فقد أغلقت سلطات الاحتلال بعضها، وطلبت من البعض الآخر تسجيل نفسها كمؤسسات وشركات إسرائيلية، وفي المقابل ومن أجل ربط اقتصاد المدينة بالاقتصاد الإسرائيلي أقيمت المناطق الصناعية الإسرائيلية الجديدة على الأراضي المصادرة في القدس "عطروت" "وميشور ادوميم" ومنعت من التزود بالبضائع الفلسطينية.
ان الاقتصاد في القدس قد تأثر كباقي القطاعات الأخرى من الوضع القانوني والسياسي المفروض على القدس، ونتيجة لذلك شهد اقتصاد القدس تراجعا مستمرا، وقد استفحل الأمر وتفاقم خطره من جراء المنافسة الشرسة من جانب الاقتصاد الإسرائيلي القوي، الذي حد من حصة السوق الفلسطيني مما زاد من مستويات الاعتماد على الاقتصاد الإسرائيلي
وأدت القيود على حرية الحركة كذلك إلى فصل التجمعات الفلسطينية في القدس بعضها عن بعض، وحالت دون وصول السكان الفلسطينيين إلى أراضيهم ومشاريعهم وأماكن عملهم، وتأثر قطاعا التجارة والسياحة وأصيبا بضربة قاصمة كل ذلك أدى إلى إفقار شرائح كبيرة من المجتمع المقدسي، وأدى لارتفاع نسبة البطالة بينهم وزاد اعتمادهم على الخدمات الاجتماعية التي تقدمها إسرائيل من خلال ما يسمى بمؤسسة التأمين الوطني والمساعدات الاغاثية الدولية الشحيحة المقيدة والمشروطة .
ان التحديات التي تواجه الاقتصاد الفلسطيني في القدس والتي أدت إلى ضمور وتدني الخاصية التفضيلية للقدس كمركز اقتصادي رئيسي للفلسطينيين تتمثل في السياسات الإسرائيلية التمييزية والمتحيزة بالخدمات والمرافق الأساسية المقدمة للسكان الفلسطينيين، والقيود المفروضة في مجال تراخيص البناء، والسياسات الضريبية التي تستهدف النشاطات التجارية والاقتصادية والأفراد في القدس، وكذلك سياسة الاغلاقات وعزل المدينة عن محيطها بجدار الفصل العنصري، مما أدى إلى اعتماد المقدسيين على إسرائيل في التجارة والتشغيل وتوليد الدخل، والمناخ الاستثماري الضعيف مع درجة متدنية من الاستثمار، وضعف التنسيق والتشبيك بمختلف القطاعات من تعليم وسياحة وتجارة وتمويل واقتصاد، ومنع العمال من مناطق الضفة الغربية من الدخول والعمل في القدس .
ان الاقتصاد الحقيقي يجب أن يؤثر على المجتمع الذي يقاس فيه من خلال مستوى المعيشة والأجور والدخل وتدني مستوى الفقر وعدم الركون للمساعدات الدولية، وأن النمو الاقتصادي المتحقق لهذا الاقتصاد يجب أن يدعم السياسة الوطنية وقرارها الحر والمستقل ضمن معادلة متوازنة بأن السياسة والاقتصاد معا يشكلان ركيزة أساسية ومعادلة ثابتة متلاحمة متساوية الأضلاع ومتداخلة، يكمل الواحد منها الآخر ويسنده . وكذلك فان الاقتصاد لا يقوم على الفرضيات والخيال بلا أي تحكم فيه والتعامل معه، بل يقوم على ما يتم على أرض الواقع من تعزيز الموارد المتاحة وتعظيم الإنتاج، فالأمن الاقتصادي لأي مجتمع لا يقل أهمية وخطورة عن الأمن السياسي وكلاهما وحدة واحدة متكاملة متداخلة، والقدس ليست استثناء في فلسطين لكن فلسطين تعيش ظروفاً استثنائية بكل المعايير وترزح تحت احتلال بشتى أنواع مكبلاته ومعوقاته ومعرقلاته، ويتخذ هذا الاحتلال من خنق الاقتصاد الوطني وإتباعه لاقتصاده وسيلة لابتزاز السياسة الوطنية بهدف تمرير أهداف سياسية خبيثة تمس الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني ووجوده وأكثر ما يلاحظ هذا في مدينة القدس الشريف
فالمال هو الأساس الذي يغذي ويدير عجلة اقتصاديات الدول ومنه الاقتصاد الفلسطيني الناشئ والذي يتكون في أغلبه من أموال المانحين، فهناك معلومات وتقارير وإحصائيات لا تعبر عن واقع الاقتصاد الفلسطيني الحقيقي تتداولها بعض المؤسسات المالية والإعلامية الإقليمية والدولية مفادها أن هناك ثورة اقتصادية في الضفة الغربية تعكس تنمية اقتصادية حقيقية تمهيداً لإقامة الدولة السيادية تذكر بأن نسبة نمو الاقتصاد الفلسطيني تضاهي نسب نمو اقتصاديات بعض الدول المتقدمة، والمتابع لهذه التقارير يكتشف بسهولة بأنها على الورق فقط، حيث لا يتم الإشارة بهذه التقارير بأن نسبة النمو هذه أغلبها مدفوعة بالأساس من أموال المانحين، وهذه الأموال لا تنتج من خلال مشاريع اقتصادية وإنتاجية وبالتالي فهي ليست ناتجة عن نمو حقيقي للاقتصاد الفلسطيني ولا تعبر عنه، وخير دليل على ذلك التقرير السنوي الذي أصدرته بكدار للعام 2011 حول نمو الاقتصاد الفلسطيني والذي أشارت فيه بأن الاقتصاد الفلسطيني يعيش حالة من التراجع وانخفاض نسبة النمو، بسبب الأزمة المالية للسلطة الفلسطينية والناجمة عن الارتفاع الحاد في الدين العام الذي وصل إلى مستوى غير مسبوق، وأن الأزمة الاقتصادية ستتعمق خلال العام 2012 وستزيد من نسبة الفقر، وستقل فرص تشغيل الأيدي العاملة الفلسطينية للمجتمع الفلسطيني مما ستزيد من نسبة البطالة في المجتمع الفلسطيني، هذا هو الواقع المر للوضع الاقتصادي الفلسطيني، وهنا يحق لنا أن نتسائل لمصلحة من يتم الحديث عن نسب النمو الوهمي هذه والتي لا تعبر عن الواقع بشيء سوى خدمة جهات وأطراف مستفيدة بعينها وخدمة لأهداف وأجندات خارجية مكشوفة
وفي هذا السياق يجب على المسؤولين ومتخذي القرار في فلسطين أن يوضحوا لتلك الأطراف الدولية والإقليمية بأن فلسطين تتكون من مجمل الأراضي المحتلة عام ١٩٦٧ بجناحيها الضفة الغربية وقطاع غزه بما فيها القدس الشريف، وأية دراسة للاقتصاد الفلسطيني يجب أن تتناوله كوحدة واحدة، فلا اقتصاد مستقل هنا في الضفة أو قطاع غزة أو القدس وليس لكل جناح اقتصاد خاص به
أن معظم الدول الأجنبية والتي تقدم مساعدات للسلطة الفلسطينية بأنواعها المختلفة تستثني مدينة القدس من هذه المساعدات، رغم إدراكنا بأن تلك المساعدات شأنها شأن أي مساعدات تقدمها الدول الغربية لدول العالم الثالث فهي مساعدات سياسية ومشروطة خدمة لأهداف تلك الدول وأطماعها، وغالبا ما يتم تقديم هذه المساعدات من خلال وزارات الخارجية هذه الدول، مما يؤكد ويجزم بأنها موجهة خدمة لأجنداتها وأطماعها وسياساتها في المنطقة، وأفضل مثال على ذلك المساعدات الأمريكية المخطط تقديمها للسلطة الفلسطينية للعام الحالي 2012، والتي خصصت لتقوم بخدمة مجموعة من الأهداف أهمها مكافحة وتحييد ومنع الإرهاب ضد إسرائيل، واستدامة الاستقرار والرخاء في الضفة الغربية وقطاع غزة وتوجيهه نحو تعايش سلمي مع إسرائيل، والاستجابة للاحتياجات الإنسانية للفلسطينيين ومنع مزيد من عدم الاستقرار خاصة بقطاع غزة
وفي المقابل فان الدول العربية ومن خلال الجامعة العربية وقممها الدورية قد وعدت بدعم القدس وبكافة قطاعاتها بمئات ملايين الدولارات خلال العقود الماضية، لكن ذلك لم يأخذ طريقه للتنفيذ على أرض الواقع فما أن تنتهي القمة العربية حتى تتبخر هذه الوعد ولا يصل للقدس شيئا من هذه المساعدات.
أن بناء جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية وحول القدس جاء مكملا للإجراءات والخطط الإسرائيلية والتي كان لها انعكاسات سياسية واجتماعية واقتصادية خطيرة ومدمرة، وان ترسيم الجدار لم يتم بناءا على حدود الرابع من حزيران عام 1967، ، بل جاء منسجما ومكملا للأطماع الإسرائيلية وخاصة بالقدس، فجدار الفصل العنصري أدى إلى عزل التجمعات السكانية عن مركز نشاطها في القدس إلى مناطق الضفة الغربية خارج الجدار مثل أحياء العيزرية والرام وضاحية البريد ومخيم شعفاط وضاحية السلام وعناتا وكفر عقب والمطار وسميراميس والزعيم وغيرها، مما أعاق الاقتصاد الفلسطيني بأكمله من خلال تحديد تدفق الدخل، وأسهم إلى حد كبير في ضمور كون القدس تقليديا المركز السياسي والتاريخي والاقتصادي والديني والثقافي للأراضي الفلسطينية المحتلة، وعندما أتمت إسرائيل بناء الجدار حول القدس لم تجد صعوبة كبيرة في إحداث القطع الكلي والنهائي بين أجزاء الضفة الغربية والقدس والتي كانت الضربة القاضية لأي محاولة جادة لإعادة الحياة في الاقتصاد الفلسطيني في القدس.
ان الضرائب الجائرة التي تفرضها إسرائيل على المقدسيين وخاصة ضريبة الارنونا، وهي ضريبة سنوية تجبيها بلدية الاحتلال من القاطنين في القدس، وتفرضها بلدية الاحتلال على الأملاك بمعدل 300 شيكل إسرائيلي على كل متر مربع سنويا، أي حوالي 80 دولار أمريكي من أي عقار في القدس سواءا كان العقار (بناءا أو مصنعا أو أرض) مقابل خدمات من المفروض أن تقدمها البلدية لسكان القدس، وهذه التقديرات تزيد كثيرا عن حجم دخول المقدسيين وغالبيتهم يعجزون عن دفعها مما يعرضهم للغرامات والتي تتراكم سنة بعد أخرى وتحويلهم لمحاكمات صورية وبالتالي مصادرة العقارات أو الأرض تحت طائلة عجز المواطنين المقدسيين عن تسديد الديون المتراكمة والتي تصل قيمتها في بعض الأحيان إلى أكثر من ثمن العقار، وحسب اتفاقيات لاهاي فان فرض هذه الضريبة هو أمر غير قانوني ومخالف للاتفاقيات الدولية من حيث أن الأموال التي يتم جمعها من المقدسيين والخاضعين لسيطرة دولة الاحتلال يجب أن تخصص وتصرف على مشاريع لمصلحة ورفاهية السكان الذين تجبى منهم وتطوير الخدمات المقدمة لهم . ان الإحصائيات "الإسرائيلية " تؤكد أن إنفاق بلدية القدس على خدماتها والتي من المفروض أن تقدمها في القدس الشرقية لا تتجاوز 5 في المائة من إجمالي حجم الإنفاق للبلدية في القدس بشطريها الغربي والشرقي، على الرغم من أنّ السكان العرب يشكّلون 35% من إجمالي السكان، وأنّ هؤلاء السكان يدفعون 33% من إجمالي واردات البلدية من الضرائب، وعلى الرغم من أنّ البنية التحتية والمرافق هي من مسؤولية بلدية القدس أصلا، إلا أنّ الإهمال والتقصير من قِبَل هذه البلدية للمناطق العربية في القدس الشرقية وخاصة للمناطق التي أصبحت خلف الجدار هي ظاهرة واضحة للعيان وترقى إلى مستوى التمييز العنصري بكافة الخدمات والبني التحتية بما فيها عدم إيجاد منطقة صناعية مؤهلة لخدمة الصناعيين العرب الذين اضطر عددٌ كبير منهم لاستئجار أو شراء أراضي أو مباني لإقامة منشآتهم في المنطقة الصناعية الإسرائيلية في "عطروت" والتي أقيمت على أراض مصادرة من أراضي قرى بير نبالا وقلنديا والجيب، والتي تصل نسبة المنشآت العربية فيها إلى 40%.
ان الضائقة السكنية الناتجة عن الزيادة الطبيعية في عدد السكان والحاجة لإسكان الأزواج الشابة والهجرة المعاكسة من خارج المدينة إلى داخلها للمحافظة على حق الإقامة فيها هي أولوية تؤرق وتقض مضاجع المقدسيين بسبب ارتفاع تكاليف السكن، والسياسة الإسرائيلية المتمثلة في تعقيد الحصول على رخص بناء، وسياسة هدم المباني التي تُبْنى بدون ترخيص مما يجعل المدينة بحاجة إلى أكثر من 1000 وحدة سكنية سنوياً على الأقلّ في الوضع الطبيعي والى حوالي 20,000 وحدة كان من المفروض أن يتم بناؤها لسد العجز المتراكم خلال السنوات السابقة والتي كانت بلدية القدس تمنع المواطن المقدسي فيها من البناء، ومع ندرة الأرض في القدس والناتجة عن مصادرات الأراضي وبناء أحياء استيطانية يهودية على أطراف حدود البلدية، وتفتيت الملكية للأرض، وشبح حارس أملاك الغائبين، وسرقة أراضي الغير من قِبَل المزورين والزعران الذين لا رادع لهم، أدى ذلك لبعض المقدسيين لاستصلاح الأقبية والدكاكين والملاجئ للسكن فيها في ظروف لا ترقى لحياة البشر
ان المتابع للأحوال التي وصلت إليها الأوضاع في فلسطين عامة والقدس خاصة يرى ويلمس ويحس التجاهل والتهميش رغم الخطط التنموية والدراسات والمشاريع والمؤتمرات واللجان وفرق العمل والخطابات الرنانة والتي تلقى هنا وهناك تشيد بالقدس وأهلها وتتغنى بصمودهم الأسطوري لما يمثلونه من رأس الحربة ووقوفهم على الخط الأمامي دفاعا عن شرف الأمة العربية والإسلامية وتقدم لهم الوعود تلو الوعود بالدعم لتعزيز وجودهم ووقوفهم في وجه آلة البطش الإسرائيلية الهادفة لاقتلاعهم من مدينتهم المقدسة، ولكن عندما يصل الأمر للتطبيق الفعلي فلا يجد المواطن المقدسي شيئا يذكر سوى تلك الشعارات والوعود فقط، ان القدس بحاجة لدعم الأشقاء العرب والمسلمين بطريقه إبداعية تتجاوز المعيقات والحقائق على الأرض التي فرضتها إسرائيل، وعدم الركون بأنه لا يمكن عمل أي شيء ضد هذه الحقائق والمعيقات والتي يجب على الجانب الرسمي والأهلي الفلسطيني أن يناضل مع المقدسيين لئلا تمسي هذه الإجراءات والحقائق واقعا ومن المسلمات التي يحظر مقاومتها والعمل على تغييرها بشتى السبل والوسائل الممكنة .
ان القدس بحاجة لمجموعة من الإجراءات لتعزيز صمودها أولها التوافق على قيادة سياسية فلسطينية مؤثرة في مدينة القدس تتابع كافة شؤونها، وتوحيد المرجعيات والجهود الرسمية والأهلية فيها، وضخ دماء جديدة في هيكلية الغرفة التجارية والأجسام النقابية والمهنية من خلال انتخاب فعاليات لإدارة كل ما يتعلق بشؤونها، وتخصيص موازنات قطاعية من السلطة الفلسطينية لإنفاقها على كافة مناحي حياة المقدسيين تراعي أهمية القدس الدينية والسياسية كعاصمة للدولة الفلسطينية العتيدة، وتوجيه جزء من أموال المساعدات المقدمة للشعب الفلسطيني من المؤسسات الدولية والعربية للمدينة المقدسة، وحث الجمعيات والمؤسسات ومجالس الصناعة والسياحة والإسكان والتجارة والمراكز التي لديها التراخيص اللازمة من معاودة نشاطاتها وأعمالها في القدس وتقديم الدعم لها، واعتماد وتشجيع مشاريع التجمعات الصناعية العنقودية للشركات والمؤسسات في محافظة القدس والمناطق المحيطة ضمن تكتل المنتجين والموردين على شكل حلقات مترابطة بهدف تشجيع التنافسية وزيادة الحصة السوقية محليا وصولا للأسواق العالمية، وإيجاد حوافز ضريبية تشجع المستثمرين الفلسطينيين والعرب والقطاع الخاص على الاستثمار في القدس عن طريق إنشاء صندوق ضمان الاستثمار، على أنْ تتمّ إدارة هذا الصندوق بشفافية بعيداً عن العابثين والاستغلاليين، وإيجاد قاعدة بيانات موثوقة عن القدس توفر البيانات والإحصائيات بشكل دوري، والبدء بالتنفيذ الفعلي والعملي لما يسمح به على الأرض من أنشطة اقتصادية واجتماعية وثقافية، وتطوير بنية العمل المجتمعي بكافة أشكاله، وتقديم قروض ميسرة للأشخاص اللذين يملكون قطع أراضي خاصة في القدس لإقامة عمارات سكنية أو صناعية أو تجارية خاصة داخل الجدار ودعم عمل مخططات هيكلية لمجموعة من قطع الأراضي الصغيرة لتحويلها إلى أماكن صالحة للبناء، وحل ما أمكن من قضايا الملكيات المفتتة، عن طريق مكاتب خبرة قانونية وهندسية وتنظيمية، وتشجيع البناء الرأسي للمباني القائمة، وزيادة التمويل لمجلس الإسكان الفلسطيني للتوسع في تقديم قروضه وتسهيل إجراءاته، وتشجيع إقامة الجمعيات الإسكانية القطاعية وتقديم الدعم المالي لها، وتشجيع المصارف الفلسطينية بتقديم القروض الإسكانية والصناعية للمقدسيين بشروط ميسرة، وتشكيل لجنة وطنية من الخبراء والمحامين والمحاسبين القانونيين لبحث ضريبة الارنونا (المسقفات) ومعالجتها وإنشاء صندوق وطني لإغلاقها حماية لهذه العقارات من المصادرة، والاهتمام بالتدريب المهني الإبداعي من خلال اعتماد وتبني النموذج الألماني في التدريب الذي قاد الألمان لإعادة بناء اقتصادهم الذي دمرته الحرب العالمية الثانية، وضرورة أن يأخذ القطاع الخاص زمام المبادرة ويقود مدينة القدس في معركة صراع البقاء، كونه القطاع الوحيد القادر على التحرك بحرية أكثر، لتبقى مدينة القدس عربية الطابع والمحتوى والمضمون.
ان قيمة الدعم الذي قدم للقدس فلسطينيا وعربيا وإسلاميا منذ احتلالها عام 1967 لا يساوي قيمة ما قدمه المليونير اليهودي (موسكوفيتش) الذي سخر كافة استثماراته لتهويد القدس العربية والاستثمار فيها بمشاريع مختلفة يساعده ويشجعه في ذلك الجهات الرسمية الإسرائيلية ودعم المنظمات الاستيطانية الهادفة للاستيلاء على عقارات وأراضي المقدسيين وتهجيرهم، فلا يعقل أن نبكي القدس اليوم وباستطاعتنا تقديم الدعم لها ولا نفعل، ونشيعها إلى مثواها الأخير وقلبها ينبض بالحياة تستجدي الدعم الذي هو حق لها وليس منة من أحد وتصر على انها عربيه إسلامية، وهنا نكون أمام الله والتاريخ الذي لا يرحم قد شاركنا المحتل بطريقة أو بأخرى بإنجاح خططه وسياساته وأطماعه في المدينة المقدسة، ان القدس تحتاج منا اليوم وقبل فوات الأوان إلى خطة فلسطينية وعربية وإسلامية لإنقاذها شبيهة بخطة مارشال التي أعادت اعمار أوروبا بعد دمارها في الحرب العالمية، والى وقفة جادة ترقى لمستوى مكانتها التاريخية والدينية والعقيدية وتقديم الدعم الحقيقي عبر القنوات المعتمدة والموثوقة فعلا لا قولا، وإعادة ترتيب الأولويات القومية التي أسقطت البعد القومي عن القضية الفلسطينية، وجعل فلسطين بوصلتها باعتبارها القضية المركزية للعالمين العربي والإسلامي، وتسخير كافة الإمكانيات الضخمة لهذه الأمة خدمة لهذا الهدف، وأن يرى الشعب الفلسطيني المحاصر والمحتل وخاصة المواطن المقدسي بأن الربيع العربي قد غير من بعض الأولويات والسياسات لهذه الأمة، وبالتالي إعادة موضوع فلسطين والقدس على رأس سلم الأولويات من خلال رؤية تغييرات تترجم على أرض الواقع من خلال خطط ومشاريع طارئة ورؤية عشرات بل مئات المسكوفتشيين الفلسطينيين والعرب والمسلمين قد وجهوا استثماراتهم نحو القدس لدعم اقتصادها وسكانها العرب الفلسطينيين للوقوف في وجه المخطط الصهيوني، وبالتالي فأنّه يوجد الكثير مما يمكن عمله، للمحافظة على مدينة القدس وعدم جرّها للاندماج الكامل في النظام الاقتصادي والسياسي والثقافي "الإسرائيلي"كما هو مخطط " والذي لا يراعي خصوصيّتها التاريخية والدينية والعقيدية وحتى تبقى مدينة القدس تعتمد على ذاتها فلسطينية وعربية وإسلامية على الرغم من عواصف الاقتلاع والتهويد، وعليه فانه يجب عدم النظر للاستثمار في القدس بأنه مطلب اقتصادي يخضع لحسابات الربح والخسارة فقط، وإنّما يجب النظر إليه من زاوية المطلبٌ القوميّ والدينيّ والوطني للمحافظة على عروبة المدينة المقدسة وبعدها الديني والحضاري وإنقاذها من التهويد والضياع وقبل فوات الأوان
"لا يعقل أن نبكي القدس اليوم وباستطاعتنا تقديم الدعم لها ولا نفعل، ونشيعها إلى مثواها الأخير وقلبها ينبض بالحياة تستجدي الدعم وتصر على انها عربيه إسلامية، وهنا نكون أمام الله والتاريخ الذي لا يرحم قد شاركنا المحتل بطريقة أو بأخرى بانجاح خططه وسياساته وأطماعه في المدينة المقدسة".
 

(  اللجنة الملكية لشؤون القدس )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات