"لا أحد يحب العنف في سوريا لكن من يعودون الى بيوتهم سيقتلون واحداً تلو الآخر"

المدينة نيوز - نشرت صحيفة "ذي انديبندنت" البريطانية مقالا لكبير مراسليها في الشرق الاوسط روبرت فيسك تناول فيه بالتحليل البيانات التي تصدرها القيادة العسكرية السورية لطمأنة المواطنين الى ان قواتها ستعيد الامن والاستقرار في كل المناطق "وجميع قطاعات وطننا الغالي". وفيما يلي نص المقال:
"فتح احد كبار الضباط السوريين المغلف ونشر محتوياته على مكتبه.
أحدها كان رسالة من الجيش الى اهالي دمشق وحماة وحلب وحمص ودرعا. قال لنا "لدينا دائرة خاصة تضم محللين يكتبون هذه البيانات.
نحن نمنح ابناء الشعب كل فرصة ممكنة". وهذا هو ما يفعله كبار الضباط، اذا كنت تصدق تلك المنشورات، على اوراق مستطيلة – يحمل بعضها صور اطفال مبتسمين واخرى صور مسلحين متجهمين- تسقطها المروحيات لتنتشر في الشوارع السورية.
ابتسم الضابط، وهو برتبة لواء، لنا وهو يقول "هل ترون مدى العناء الذي نتكبده؟". علمت من قبل بتلك القصاصات الورقية – كيف هبطت على مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في دمشق وحمص وحلب – لكنني لم اشاهدها رؤيا العين وليس بهذه الكثرة. وتحمل كل واحدة منها توقيع "دائرة قوى الامن".
وتتراوح بين القول البسيط "اخي المواطن، ساعدنا للتخلص من العصابات المجرمة بالتعاون مع قوات الامن"، وبين تلك الاكثر تعقيدا.
وعلى سبيل المثال فهذه رسالة الجيش السوري الى جميع الرجال المسلحين "لدى قوات الامن الارادة لاعادة الامن والاستقرار الى جميع المناطق في وطننا الغالي، ولن تسمح بسفك دماء المواطنين الابرياء.
لم يعد هناك مزيد من الوقت، فانتهزوا هذه الفرصة: ألقوا اسلحتكم – مثلما فعل كثيرون حتى الان – وتذكروا ان الحكومة رحيمة رحمة الام بابنائها".
واذا كانت هذه الدعوة بالرعاية المادية لا تجدي نفعا مع معارضي الرئيس بشار الاسد، فقد يفعل الاسلام ذلك – وان كانت كلمة "اسلام" لا تظهر في البيان الذي اطلعنا عليه.
"حكموا ضميركم، الدين المحبة- الدين التسامح. الدين لا يدعو الى القتل.. لنعمل سوية وفق التعاليم الدينية وليس دعوات المجرمين".
واذا حدث ان اقتربت من القوات السورية، فهذه لمحة بسيطة قد تكون متوفرة، انها ورقة "مرور آمن" قد تستطيع ان تنقذ حياتك. "عندما تقترب من نقطة تفتيش، تأكد انك لا تحمل اي نوع من الاسلحة.
واثناء ذلك اقترب ببطء وتاكد من انه ليس هناك اي شيء يثير الريبة يخفي صدرك. امسك هذه النشرة باحدى يديك، وضع الاخرى على رأسك".
ولا ريب في ان تعبير أي شيء يثير الريبة هو اشارة الى قنبلة مربوطة على صدر انتحاري. لكن اوراقا اخرى تفيد بان معارضي النظام المسلحين "يستغلون المعاملة الخاصة التي توفرها لهم السلطات".
المشكلة، والجيش السوري على وعي كاف لادراكها، ان العنف الحالي بدأ منذ زمن طويل، وان هناك الكثير في سوريا لا يزالون يتذكرون بمراراة ماذا كان نوع "المعاملات الخاصة" التي عومل بها اقاربهم على مدى السنوات الفائتة.
وواقع الامر انني في اليوم التالي للقاء هذا الضابط الكبير، جلست لشرب الشاي مع رجل سوري في منتصف العمر كان يريد ان يفصح لي عن سبب كرهه للنظام. كان شخصا يتحدث بهدوء التقى بي في احد مقاهي دمشق، يكاد صوته يضيع بين اصوات الطيور داخل قفص معلق على الحائط.
قال الرجل "اخي كان من بين رجال الاخوان المسلمين المشاركين في ثورة العام 1980، وهذا شيء لا يعرفه احد حتى عائلتي. وذات يوم جاء رجال المخابرات في ثلاث سيارات لالقاء القبض عليه. لا احد يعرف الى اين ذهبوا به – حتى هذه اللحظة، بعد مرور 32 عاما على ذلك اليوم .(القدس)