أزمة الريال والسؤال القديم ـ الجديد: هل يصمد الاقتصاد الإيراني هذه المرة؟

المدينة نيوز - على امتداد عقود الصراع الطويلة، أظهر الداخل الإيراني تماسكاً ملحوظاً عندما كان الأمر يتعلّق بمواجهة الضغوط العسكرية أو الاقتصادية التي يمارسها المجتمع الدولي على النظام، كما بدا جلياً فشل الرهان الغربي على أي انشقاق محتمل في الشارع الإيراني، يبشّر بتصدّع جدار طهران الدفاعي والنووي.
في المقابل، مضى الغرب قدماً في حربه ضد السلاح النووي الإيراني.
وفي كل مرة استُبعد فيها الخيار العسكري لأسباب لوجستية، كان الخيار الاقتصادي يتكرّس كسلاح وحيد قادر على تحقيق النصر بأقلّ خسائر ممكنة.
ولم يستطع أحد أن ينكر، حتى المسؤولين الإيرانيين، الضعف الذي لحق بالاقتصاد الإيراني جراء سنوات الحصار المديدة.
ما سبق يبدو خلاصة عامة لا تعكس تفاصيل الواقع الحقيقي لمعركة «عالمية» لا تنفك تحتدم، لكنه قد يبقى ارتكازاً للانطلاق في تكهن ما ستؤول إليه الأمور وسط غابة من تساؤلات تفتح المجال لآلاف التكهنات التي تسعف كل من جهتي الصراع في التأكيد أن الحسم سيصبّ في مصلحتها.
جديد الصراع «النووي» كان التدهور الكارثي لقيمة الريال الإيراني إلى أدنى مستوى له أمام الدولار، الأمر الذي أعاد بثّ الأمل لدى الغرب بنجاح الحلّ الاقتصادي وشجعه على الانغماس في مزيد من الضغوط وصولاً إلى فرض «الحصار التام» على إيران، بحسب ما نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن مسؤولين أوروبيين وأميركيين.
وقد أتت المواجهات التي شهدها الشارع الإيراني كما «الصدام المالي» بين التجار والحكومة لتعزّز الآمال الغربية القديمة – الحديثة باندلاع «الربيع الفارسي»، لا سيما وسط حديث عن سخط متزايد ضدّ حكومة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد.
في هذه الأثناء، كان نظام الأخير مصراً على إمكانية تجاوز الأزمة الحالية مهما اشتد وطيسها، فقرّر استعادة خطة قديمة كانت أثبتت فعاليتها سابقاً: رفع الدعم عن الغذاء والوقود بما يوفر مليارات الدولارات، مع الحرص على التعويض على الفقراء بمنح نقدية مباشرة. وقد أقرّ البرلمان هذه الخطة يوم الاحد.
وفي السياق، يؤكد مراقبون أن الحكومة لا تزال في مواجهة اختبار إرادات مع تجار العملة مع فشل محاولتها لفرض سعر صرف قوي للريال بعد انحدار قيمة العملة التي فقدت حوالي ثلث قيمتها في عشرة أيام، في وقت ما زال الغموض يكتنف مسألة ما إذا كانت السلطات تستطيع تحقيق استقرار العملة، طالما أن الكثيرين يلقون باللائمة في تدهور الريال على سياساتها الاقتصادية كما يلقونها على الحصار الغربي.
وفي السياق، يُشار إلى حجم الانتقادات اللافت الذي وجهته الصحف الإيرانية ذات التوجه الإصلاحي إلى سوء الإدارة الاقتصادية في حكومة نجاد، والذي يلعب دورا كبيرا في تدهور الاقتصاد الإيراني.
وبالعودة إلى كيفية تعامل أعداء إيران مع الأزمة الحالية، نقلت «واشنطن بوست» عن مسؤول إسرائيلي «اقتناعه» أن «المجتمع الدولي بات قريباً، أكثر من أي وقت مضى، من تحقيق مأربه في ثني إيران عن مشروعها النووي»، لافتا إلى أن «هناك حاجة إلى مزيد من العقوبات المشددة تأتي في سياق تكثيف الضربات الموجعة».
كما نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن مسؤولين في الكونغرس والاتحاد الأوروبي كشفهم أن السلطات الأميركية والأوروبية تعمل على اتخاذ تدابير جديدة تسهم في تسريع انهيار الريال الإيراني واستنزاف احتياطي البلاد من النقد الأجنبي.
ومن أولى الخطوات، المقرّر مناقشتها في اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين في منتصف الشهر الحالي، تشديد الحظر على صادرات الغاز الطبيعي وعلى التعاملات مع البنك المركزي.
وتأكيداً على أحقية تفاؤله، يطرح الغرب مجموعة من الأرقام تتحدث عن تراجع الصادرات الإيرانية من النفط بمعدل النصف، وعن خسارة إيران لأكثر من 15 مليار دولار من عائداتها النفطية، كما عن عجز البنك المركزي عن استثمار أكثر من 30 في المئة من احتياطاته، كما عن زيادة معدل التضخم بنسبة 70 في المئة سنوياً.
ولكن وسط الضغط الاقتصادي العارم، الذي أقرت طهران به، ما زالت إمكانية تراجعها عن تطوير البرنامج النووي غير واردة، حتى باعتراف الغرب.
وفي هذا الصدد، هناك ما يشبه السباق، حسب مراقبين، بين المجتمع الدولي وإيران لمعرفة ما إذا كانت ستنجح العقوبات الاقتصادية في منع إيران من تجاوز الخط الأحمر أم العكس؟
وهنا تطلّ وجهة النظر المناقضة التي تؤكد أنه على الرغم من العقوبات التي قلصت إيرادات صادرات النفط الإيرانية فان الحكومة لا يزال لديها ما يكفي من العملة الأجنبية لضخ الدولارات في السوق ولإعادة الريال إلى سابق قوته.
ويعزّز صندوق النقد الدولي هذه النظرية بتأكيده أن إجمالي حجم الاحتياطيات الرسمية من النقد الأجنبي لدى إيران بلغ في نهاية العام الماضي 106 مليارات دولار.
وما وصفه مستشار «قائد الثورة» قبل يومين بأنه «مؤامرة»، أكدت مجلة «فورين بوليسي» أن من الصعب التعويل عليه.
المجلة كانت تتكلم عن «أمل الغرب بانهيار الريال»، في وقت شددت على أن «العقوبات الدولية المفروضة على إيران لم ولن تؤتي ثمارها كما هو متوقع».
وأشارت المجلة إلى أن هذه العقوبات كانت ولا تزال بسبب طريقة صياغتها العائق أمام حلّ الأزمة النووية الإيرانية، مشيرة إلى أن هذه العقوبات ومع تسببها في الهبوط القياسي الحاد الذي شهده الريال الإيراني مؤخرا، تسببت أيضا في تحول غضب الإيرانيين المتصاعد والمنصب على سياسة النظام الإيراني إلى الولايات المتحدة.
وكذلك كان رأي المسؤولين الذين نقلت عنهم صحيفة «الغارديان» قولهم إن «تدني سعر الريال يجب أن يكون مبعثاً للخوف لدى الغرب وليس العكس، وذلك بسبب تأثيره على الاقتصاد العالمي ككل».(السفير)