يقول أبوسلطان "عندما خضعت زوجة عمي لإجراء إحدى العمليات في المستشفى، لم نتمكن أنا وزوجتي من زيارتها، ورغم محاولتنا العديدة لتبرير الموقف بعدها، إلا أن القطيعة سادت بيننا جراء هذا الموقف".
ويضيف "أدركت قيمة الواجبات الاجتماعية ومجاملة الآخرين في أفراحهم وأحزانهم عندما تزوجت ابنتي في الصيف الماضي، فلم يحضر العديد من الأقارب والأصدقاء بسبب تقصيري في مناسباتهم الاجتماعية المختلفة".
رغم التطورات الضخمة التي شهدها عالم الاتصالات والمواصلات، والتي وفرت الجهد والوقت الكبيرين للعديد من الأشخاص مقارنة بالعقود الماضية، إلا أنه ما تزال هناك فئة من المجتمع تتعذر بعدم وجود الوقت الكافي لأداء الواجبات الاجتماعية أو مشاركة الآخرين المناسبات الاجتماعية؛ مثل (حفلات الزفاف والنجاح والتخرج، العودة من الحج، زيارة المريض، المشاركة في بيت العزاء وغيرها)، ولعل امتناع البعض عن أداء هذه الواجبات يعود لتوفير النفقات واختصارها لكثرة المتطلبات المعيشية، لذا فإن غيابها يؤثر على علاقات أبناء المجتمع وينذر بالتفكك الاجتماعي.
وتشتكي الخمسينية أم سهيل من تخلف زوجها عن أداء واجباته الاجتماعية تجاه الأقارب، وتذكره دوما بأن "ديننا الحنيف يحث على تأدية الواجبات الاجتماعية تجاه الأقارب ومشاركتهم أفراحهم وأحزانهم".
تقول "رغم أن أوضاعنا المالية ليست جيدة، إلا أنني أبادر بتأدية بعض المناسبات الاجتماعية بمفردي وتقديم اللازم، وتبدأ إحاطتي بالسؤال والملامة، لماذا لم يحضر أبوسهيل، وأختلق لهم أحد الأعذار، لكنها أصبحت غير مقنعة لأنها تكررت أكثر من مرة".
ويبين خبير التراث نايف النوايسة، أن الحياة تتسارع بوتيرتها المطلبية وتغير الأساليب والأنساق الاجتماعية في التغيب مع الدخل، فالدخل الاقتصادي يؤثر على أداء هذه الواجبات، بالإضافة إلى أن الإنسان الأردني غيّر كثيرا من عاداته تجاه الواجبات بسبب تغير النمط المعماري.
قديما، كانوا يقولون عن الواجبات الاجتماعية بما يتعلق بالأتراح "كل شيء قرضة ودين حتى الدمع في العين"، وفق النوايسة، وكذلك الأمر في الأفراح، وتغيرت أنماط الواجبات واكتفوا بالقليل منها، فاستبدل الاحتفال بالعرس لمدة أسبوع بيوم واحد لتحصيل (النقوط).
ويقول "نحن بحاجة إلى إعادة النظر في الكثير من العادات التي تثقل كاهل الناس في الزمن الحاضر بسبب كثرة المتطلبات المعيشية وتراجع الدخل عن تحقيق شيء من هذه الواجبات، فالكثير من شباب اليوم أعادوا النظر بمثل هذه المسائل".
ثائر وهدان (38 عاما)، يقول "في ظل ازدياد مشاغل الناس وتواجدهم لساعات متواصلة خارج المنزل؛ وخصوصا في مواقع العمل، لا بد وأن يقلص ذلك ويحد منه لإنجاز العديد من الواجبات الاجتماعية، وبالتالي يجب عليهم اللجوء إلى عملية تنظيم الوقت".
ويضرب مثلا على ذلك، بأنه استطاع تنظيم وقته لتأدية خمسة واجبات اجتماعية باليوم ذاته؛ منها استقبال أخيه في المطار ومشاركة صديقه أفراحه في يوم زفافه، وحضوره في جاهة ابن الجيران، واصطحاب والدته للمستشفى حتى تتلقى العلاج اللازم، وأخيرا معاونة عديله في الرحيل.
ويقول "شعرت بضغط كبير في ذلك اليوم، لكنني لا أستطيع التخلف عن القيام بأحدها، أما الذين يتهربون من واجباتهم الاجتماعية، فعليهم ألا ينتظروا من الآخرين المجاملات أو مشاركتهم في الأفراح والأحزان".
ويرى لؤي صفوان (27 عاما)، أن "الفيسبوك" أسهم في تخفيف ضغط الواجبات الاجتماعية عنده، فبعد أن كانت مهمة أداء الواجب تستغرق منه ساعات، أصبح الآن يقضيها بدقيقة أو دقيقتين عن طريق إرسال رسالة أو الكتابة في صفحة صديقه الشخصية أو أحد أقاربه.
ويقول "هذه الوسيلة لا تروق لوالدي، الذي يؤكد أنها تضعف العلاقات الاجتماعية وتزيلها، كما أنه يوبخني لامتناعي عن مرافقته في أداء المناسبات الاجتماعية من حفلات زفاف أو اجتماع أفراد العائلة في الديوان أو تقديم التعازي للأقارب".
ويلفت استشاري الاجتماع الأسري د.مفيد سرحان، إلى أن نجاح الإنسان يقيم بقدرته على إدامة الاتصال والتواصل مع الآخرين، وإن كان واجبا شرعيا ومطلبا اجتماعيا ضمن دائرة الأسرة والأرحام، فإن الإنسان يؤجر عليه ويثاب ويحاسب على تركه.
ويضيف "قد تكون الخلافات الأسرية وعدم القدرة على التعامل معها وحلها سببا في ضعف العلاقات والقطيعة في بعض الأحيان، وأيضا التباعد الكبير في السكن، مما يصعب الاتصال الشخصي بين الناس، وهنا لا بد من التواصل عبر وسائل الاتصال الأخرى؛ كالهاتف والإنترنت وغيرها".
هناك بعض الناس يمتنعون عن أداء الواجبات الاجتماعية بسبب ضعف الإمكانات المادية، وفق سرحان، وهذا يؤدي لعدم التواصل مع الآخرين، وهنا لا بد من التأكيد أن العلاقات الاجتماعية يجب أن تتم بأقل التكاليف وبعيدا عن المغالاة.
ويبين أن هناك أثرا سلبيا على الأبناء بكل الأحوال بغض النظر عن السبب في ذلك، لفتور العلاقة أو انقطاعها؛ فالأصل أن يكون الآباء قدوة حسنة لأبنائهم، ويعلموهم على التواصل مع الآخرين وخصوصا الأرحام والأقارب."الغد"