عيد الميلاد المجيد: طقوس دينية محملة بمعان اجتماعية

المدينة نيوز - اليوم اكتملت فرحة الطوائف المسيحية بالاحتفاء بعيد الميلاد المجيد، الذي يحمل عبر طقوسه الدينية والروحانية قيما اجتماعية وإنسانية تجسد روح المحبة والسلام عيسى عليه السلام.
الفرح والابتهاج عمّ الأمكنة حيث طقوس الاحتفال رسمت وبقوة على أشجار عيد الميلاد التي أخذت مكانها في الساحات العامة وفي البيوت، ومظاهر الزهو والاحتفاء تفيض من عيون الأهل والأطفال.
عائلة ماهر غموة إحدى العوائل المسيحية التي كان شغلها الشاغل قبيل أيام، هو كيفية استقبال هذا اليوم المختلف والاحتفاء به، فكانت الزينة والأضواء الحمراء تحتل منزلهم وسط تجمع عائلي كبير، جمعتهم المحبة والألفة، فرحة بميلاد المسيح الذي يرمز للمحبة والعطاء، وتمهيدا لاستقبال عام جديد.
ومثل كل عام قامت عائلة غموة بالتجهيز للاحتفال بهذا العيد قبل أسبوع، حيث حضرت مريم غموة "أم أنس" منزلها بترتيبه وتوضيبه استعدادا للعيد، تقول "أقوم بترتيب المنزل فأضع شراشف وإكسسوارات العيد قبل العيد بأيام"، لافتة إلى أنها تقوم وأسرتها المكونة من ثلاثة أطفال وبفرح ومتعة لا نظير لهما بوضع شجرة عيد الميلاد في مكان تجمع العائلة ومن ثم تزيينها.
أم أنس تؤكد أهمية شجرة الميلاد وارتباطها بهذا العيد، إلى جانب فرحة الأطفال بها خصوصا عند إضاءتها.
ولا تقتصر زينة عيد الميلاد المجيد على الشجرة فحسب، كما تقول أم أنس، بل هناك الكثير من أدوات الزينة التي ترافق هذا العيد كمجسمات بابانويل، ومجسمات للسيدة مريم العذراء.
أما المغارة، من وجهة نظر أم أنس، فهي الجزء الأكثر أهمية في الشجرة، حيث تشير المغارة بالنسبة لهم للمكان الذي ولد فيه المسيح، حيث توضع فيها مجسمات صغيرة لخراف ورعاة. ومن الطقوس التي تحافظ عليها أم أنس أيضا؛ زراعة القمح، حيث تقوم بزراعته قبل العيد، فما أن يأتي العيد حتى ينبت القمح ويخضر. وترافق الطقوس الاحتفالية بالعيد المجيد أخرى دينية واجتماعية يقوم بها أفراد عائلة أبو أنس كغيرهم من العوائل المسيحية، إذ يوضح أبو أنس قائلا "نقوم بأداء الصلوات ليلة العيد وصبيحتها، داعين الله أن يعم الخير والسلام على الوطن، وأن يتمم علينا الصحة ويرزقنا الخير". ويردف "بعد الانتهاء من الصلاة نزور المقابر ونجتمع والعائلة في الجمعية الخاصة بالعائلة، حيث يتم تبادل التهاني والمباركة مع أفراد العائلة والعائلات الأخرى، إلى جانب تلقينا المباركات من قبل الإخوة المسلمين".
"هذا العيد يحث على صلة الأرحام وتقوية الروابط الأسرية"، يقول أبو أنس الذي يقوم وأولاده بالمعايدة على أرحامه، منوها إلى أن العائلة تجتمع لتناول طعام الغداء في هذا اليوم بمنزل الأخ الكبير، والذي في العادة يكون "طبق منسف". وفيما يتعلق بالحلويات التي تقدم في هذا العيد، تشير أم أنس إلى أن هذا العيد يتميز بتقديم الكوكيز الذي يكون على أشكال مختلفة ويقدم في أوان زاهية مأخوذة من ألوان الشجرة وبابانويل.
ويكون كعك العيد، كما تقول، على شكل شجرة أو عصا بابا نويل أو نجمة الميلاد، موضحة أنها تقوم بالتوصية على هذه الأصناف من أحد محلات الحلويات التي توفر مثل هذه الأشكال، وكذلك الشوكولاتة، حيث تقدم هذه الحلويات طيلة أيام العيد الثلاثة.
وتحرص أم أنس على ترتيب سهرة عائلية مميزة ليلة العيد مع عائلتها الصغيرة، حيث تجتمع وأبناءها وبناتها في المنزل لتبادل أطراف الحديث وتناول الحلويات الخاصة بهذه المناسبة.
تواجد جمع أفراد العائلة في هذا اليوم هو من الشروط الأساسية التي لا تتنازل عنها أم أنس التي تذهب إلى أنها لا تقبل بأي عذر يتذرع به الأبناء للغياب عن "لمة العائلة" في يوم العيد المحمل بالقيم الدينية والاجتماعية الكبيرة، مؤكدة استمرار الأجواء الاحتفالية في المنزل، حيث تبقى الشجرة مضاءة إلى ليلة رأس السنة الميلادية.
أنس الذي ما يزال على مقاعد الدراسة الجامعية يحرص على التواجد ليلة العيد في المنزل، للاحتفال مع عائلته، كذلك الأمر صبيحة العيد، حتى يتسنى له معايدة أفراد عائلته، فيذهب إلى الجمعية مع والده لتبادل التهاني والتبريكات مع أبناء عمومته.
ويقول "بعد الانتهاء من الطقوس العائلية ومعايدة الأرحام أحتفل مع أصحابي، فنخرج مساء لمشاهدة مظاهر الاحتفال في الفحيص وعمان".
في حين تحاول أسيل طالبة التوجيهي الاستمتاع بلحظات العيد على الرغم من انشغالها في الدراسة، متمنية أن يحمل لها هذا العيد "التوفيق والنجاح في هذه المرحلة المصيرية" كما تقول. ويتمنى أبو أنس وعائلته أن يعم الأمن والأمان على الأردن، طالبين من الله في هذه الأيام المباركة أن يمدهم بموفور بالصحة والعافية، مؤكدين أن الصحة والسلام هي أقصى ما يتمنوه في هذا اليوم المجيد.
مدير المركز الكاثوليكي للدراسات والاعلام الأب رفعت بدر، يشير إلى الكثير من المعاني الإيمانية والروحانية التي يرمز لها هذا العيد، الذي يعتبر تذكارا للحدث المقدس ميلاد سيدنا عيسى عليه السلام.
ويحمل ورود هذا اليوم المقدس في الانجيل والقرآن الكريم، وفق بدر، بعدا جوهريا بتوحيد الديانتين الكريمتين الإسلامية والمسيحية.
ويردف "يميز هذا اليوم في الانجيل ورود التفاصيل الدقيقة التي تتعلق بسر الميلاد"، لافتا إلى أن خصوصية الميلاد تكمن في المعجزة الخارقة عن العادة، وهي ولادة السيدة مريم العذراء للسيد المسيح بنفخة من روح الله. ولا يقتصر ميلاد المسيح على البعد الديني فقط، وإنما يحمل بعدا اجتماعيا، فالمسيحيون يصلون بالكنائس في العيد، ويهدون صلواتهم للقريب المحتاج ليس المسيحي فقط، وإنما جميع المحتاجين في العالم. وتقوم الكنائس، وفق بدر، بتقديم المساعدات في هذا اليوم المبارك للمحتاجين من أطفال الرعايا المسيحية والعائلات المسلمة كذلك الموجودة في الأردن، كما ستقوم في هذا العيد بتقديم المساعدات والهدايا لأبناء المخيمات مثل مخيم الزعتري.
ويؤكد بدر قائلا "اعتبار عيد الميلاد عطلة رسمية جاء إيذانا بأنه عيد وطني"، حيث تضاء شجرات الميلاد معا، وهو دليل على الوحدة الوطنية التي تعيشها الطوائف المسيحية والمسلمين، تربطهم روح العفوية والأخوة وتعزيزا للروح المسيحي الذي يتمتع بروحه وهويته، رائيا أن التسامح والتصالح من أسمى المعاني التي يحملها العيد.
ويطمح بدر أن تكون هذه الصفات هي التي تصبغ علاقاتنا الاجتماعية، متمنيا أن يعم السلام على الوطن العربي والعالم أجمع. " الغد "