"المذكرات الشخصية": توثيق للحظات مؤثرة بالحياة

المدينة نيوز - تجد الموظفة عبير سلمان (36 عاما) نفسها في كتابة مذكراتها، وتكتبها بشكل متقطع لكنها لا تنسى هذه العادة والهواية التي تحبها، فتكتب أحداثها اليومية، وتعود بالذاكرة إلى سنوات الطفولة والشباب لاستذكار الوقائع.
تعترف سلمان بأنها لا تسجل ما حدث تماما بل تسمح لخيالها بالتحليق، تتجاهل لحظات الألم وتثبت تفاصيل الفرح، فلا تكتب أشياء تخجلها أو تجرحها، لاعتقادها الدائم بأن هناك من سيقرأ خلفها هذه المذكرات.
في بعض الأحيان يرى الشخص هذه المذكرات وسيلة هروب من الواقع، أو تخليدا للحظة مؤثرة في حياته، فينقلها كما هي أو يجملها بإضافة أحداث معينة تمناها، وقد تكون ذكريات جارحة ولا يجد المرء سوى الكتابة منفذا للراحة.
والعديد من المذكرات للعديد من المشاهير تسرد مسيرة حياتهم، وقد تكون صادقة بجميع تفاصيلها أو مستندة إلى الإيجابيات والإنجازات الكبيرة في أعمالهم، وهذه المذكرات يمكن الحصول عليها، وهي مختلفة تماما عن المذكرات التي يكتبها الفرد وقد تكون "سرا" لا يطّلع عليه أحد سواه، وقد يقصد قراءة الآخرين لها لغاية في نفسه.
نشوى علي (45 عاما) تقول، "بغض النظر عن أهمية ما أكتب، لكني يوما ما قد أفكر في نشره، إذا اقتنعت بفائدته للآخرين، وشعرت بأنه يبعث السعادة والتفاؤل، فلم أكتب كلمة واحدة كاذبة، بل تدفعني المتعة وحدها لأكتب عن نفسي وعن أسرتي وصديقاتي".
وتضيف، "في كل مرة أقلب فيها صفحات مذكراتي أشعر بفرح كبير وشوق لأيام وأشخاص لا أستطيع التواصل معهم إلا بهذه الطريقة، وأشعر أحيانا بالندم لأنني لم أبدأ بكتابة مذكراتي الشخصية باكرا كي لا يفوتني شيء من تفاصيل طفولتي".
وتؤكد أنها تجد متعة كبيرة في قراءة كل أنواع المذكرات وخاصة مذكرات المشاهير، لأنها تحتوي فائدة عظيمة وتقدم معلومات عنهم لا توجد سوى في كتب المذكرات.
أما مبدأ نشر المذكرات فيرفضه الخمسيني أبو محمد تماما، فمن وجهة نظره فإن النشر يفقدها المصداقية والشفافية، ويدخل إليها الخيال فتتحول إلى شيء آخر، وإنه لم يفكر لحظة واحدة في نشر مذكراته أو يتخيل أحدا غيره يقرؤها.
ويشجع الاختصاصي النفسي د. خليل أبو زناد على كتابة المذكرات، معتبرا أنها عادة حسنة وبها الكثير من الفوائد، فهي تحمل فرصة للتعبير عن النفس، ومن الممتع قراءتها بعد مضيّ وقت عليها.
ويرجح أبو زناد أن بعض الأشخاص يلجأون لها لتطوير النفس، ويشعرون بالفرح والسعادة لتعبيرهم الصادق عن أهم الأحداث في حياتهم، وقد يستخدم هذه الوسيلة الانعزاليون فيرى بأنه يكتب ويحاور صديقا له وهو يتحدث مع نفسه.
ويبين أبو زناد أن كتابة المذكرات الشخصية للمشاهير تختلف عنها للأشخاص العاديين، فالأولى فيها الكثير من العبر والتفاصيل التي يمكن للقارئ أن يستفيد منها، أما الآخرون فيمكنهم التعبير عن مكنوناتهم النفسية كما يريدون، ويفضل عدم ذكر التفاصيل التي قد تؤثر على الآخرين.
صهيب القطو (42 عاما) يكتب مذكراته بصراحة مطلقة ولا يخفي شيئا منها ولا يخجل منها، فالفائدة المرجوة من كتابة هذه المذكرات، بحسبه، "التعبير عن المواقف والوقائع في حياة الفرد وكيف يتبدل تفكيره تدريجيا وينضج مع الخبرة ومرور الأيام".
ويقول:"بالطبع لا أدوّن الأحداث حرفيا، بل أنقلها بمشاعري، وأكتب تعليقاتي وأرائي تجاه مختلف الأحداث الخاصة منها والعامة".
بدأت الثلاثينية سلمى بدر بكتابة مذكراتها من سن السادسة عشرة، تمثلت بترجمة مشاعرها السلبية والإيجابية على شكل خواطر في تلك المذكرات اليومية.
تقول، "توقفت عن الكتابة بردة فعل نفسية، حين شعرت أن أوراقي كشفت على أيدي والدتي التي وصلت إلى دفتري السري ومزقته، فكان تأثير ذلك الموقف سيئا جدا عليّ، وكنت أبوح بكل ما في داخلي يوميا، ورغم ذلك سوف أشجع ابنتي في المستقبل على كتابة مذكراتها".
يرى استشاري الاجتماع الأسري د. مفيد سرحان بأنها فكرة جيدة بلجوء الأشخاص لتدوين مذكراتهم، فهناك من يدونها بشكل يومي، وهو جيد ويسهم في حفظ الذاكرة وهناك من يلجأ بعد فترة عمرية إلى جمع وتدوين أهم المواقف في حياته، وهذه لها إيجابياتها وخصوصا للأشخاص المؤثرين وأصحاب التجربة الثرية.
ويضيف، تدوين المذكرات له فائدة على مستوى الأسرة والأقارب والأصدقاء، وإن لم تنشر على نطاق واسع، فهي تمكن من الاستفادة من تجارب الأشخاص ومعرفة الظروف والأحوال السالفة، وما كان له تأثير إيجابي أو سلبي في شخصية.
ويوضح ضرورة الدقة بشكل أكبر حتى لا تترك أثرا سلبيا على الأسرة أو تحدث نزاعات من خلال ذكر بعض الأسماء أو المواقف، فقد ينتقل الأثر السلبي للأبناء والأحفاد، ويلفت لأهمية وأمانة المسؤولية في النقل لعائلة الشخص بعد وفاته، فقد تحتوي أسرارا خاصة للآخرين. " الغد "