تراكم ديون الأندية وإنحسار المنافسة يهددان الدوري الإسباني بالإفلاس

المدينة نيوز- يمر الدوري الإسباني منذ سنوات بوضع صعب لا يحسد عليه، أصبحت معه بطولة الدوري مهددة بالإفلاس المالي والإفلاس الفني معاً، مما قد يجعله يفقد المكانة التي اكتسبها عالمياً بعدما أصبح الدوري الأول، بل و قد ينسف أيضاً الإنجازات التي تحققت، وذلك بسبب المتاعب المالية التي تعيشها الأندية وتداعياتها الفنية، ولا يستبعد أن يتكرر سيناريو الكالتشيو الإيطالي مع الليغا الإسباني على المدى القصير في حال استمر تجاهل المسؤولين عن الدوري من أندية ورابطة و إتحاد للوضع الحالي وتفضيلهم سياسة الهروب إلى الأمام والبحث عن مسكنات سرعان ما ينتهي مفعولها بدلاً من إيجاد حلول لمعالجة المشاكل من كافة الزوايا.
وتعاني جل الأندية بما فيها الغريمان ريال مدريد وبرشلونة ولو بدرجات متفاوتة من عجز كبير أدى إلى أزمات مالية خانقة تفاقمت أكثر بتزامنها مع الأزمة الاقتصادية التي ضربت البلد بأكمله منذ العام 2008، مما جعل الديون المستحقة على الأندية تتراكم عليها لتبلغ سقفاً يصعب التعامل معه، فقد بلغت قيمة ديون الأربعة الكبار من أندية برشلونة وريال مدريد وفالنسيا وأتلتيكو مدريد قرابة المليارين من الدولارات، فالبلوغرانا مطالب بـ660 مليوناً والميرينغي بـ550 مليوناً والخفافيش بـ470 مليوناً، أما الاتلتيكو فعليه 452 مليوناً وهي مبالغ ضخمة مرشحة للارتفاع بفعل نسب الأرباح التي ترتفع كلما تأجل التسديد، ومن حسن حظ هذه الأندية أنها تشارك باستمرار في المسابقات القارية وتسجل فيها نتائج جيدة تدر عليها أموالاً طائلة ساهمت في تخفيف معاناتها عكس بقية الأندية التي تواجه مستقبلاً مجهولاً ولا تنتظر سوى وضعها تحت الرقابة القضائية تمهيداً لإعلان إفلاسها، فضلاً عن تعرضها للعقوبات مثلما حدث مؤخراً مع نادي ملقا الذي حرمه الإتحاد الأوروبي من المشاركة في إحدى مسابقتيه ان تأهل موسماً واحداً لدواعٍ مالية، كما تواجه الأندية الإسبانية خطر الإبعاد عن المسابقتين القاريتين بسبب قانون اللعب المالي النظيف الذي سنه رئيس الاتحاد الأوروبي الفرنسي ميشيل بلاتيني والذي سيطبق بداية من موسم 2014/2015.
والحقيقة أن خلفيات الأزمة المالية لأندية الليغا تتباين، فالقطبان ورغم مواردهما الكبيرة إلا أنهما يعانيان من العجز بسبب الأجور الخيالية التي يتقاضاها اللاعبون لديهما، فضلاً عن المكافآت المغرية التي يحصلون عليها بعد كل تتويج، في حين أن الأمر يختلف بالنسبة لبقية الفرق التي تعاني أصلاً من شح في الموارد، وخاصة عائدات البث التلفزيوني الذي يعتبر من الموارد الرئيسية لجميع الأندية الأوروبية، وذلك بسبب الإجحاف الذي تتعامل به من قبل الرابطة التي تمنح للريال والبارسا 52 في المئة من تلك العائدات وتوزع البقية على 18 نادياً، مع بعض الفوارق التي تختلف من فريق لآخر حسب الترتيب النهائي للدوري .
فالموسم الماضي مثلاً نال الغريمان 140 مليون دولار لكل واحد منهما بينما لم يحصل فالنسيا الذي حل ثالثاً في الترتيب سوى على 50 مليوناً، ونالت بقية الفرق على غرار ليفانتي أو خيتافي مبلغ 12 مليوناً لكل فريق، و هو ما جعل بعض الأندية التي تمتلك الشجاعة وتخشى تجاوز الخط الأحمر تثور مؤخراً في وجه الكبيرين وتطالب بإعادة النظر في توزيع عائدات الرعاية بعدالة أكبر، ويقود هذا الإتحاد نادي اشبيلية ورئيسه خوسي ماريا ديل نيدو والذي يبقى صوته بلا صدى لحد الآن .
وأمام تفاقم الأزمة والتخوف من إعلان الإفلاس الذي سينعكس على الدوري بشكل عام، فإن الأندية الاسبانية تحاول التخفيف من وطأتها من خلال التوجه عبر قارة آسيا واستغلال الشهرة الجارفة التي يتمتع بها نجوم الليغا هناك عبر تغيير توقيت إجراء المباريات و برمجة عدد من اللقاءات الهامة في منتصف النهار مثلما يجري في إنجلترا ولو أن هذا الحل قد يؤدي إلى فقدان شعبية الدوري الإسباني في مناطق أخرى لا تقل أهمية على غرار شمال افريقيا .
و لان كرة القدم أصبحت مرتبطة ارتباطاً وثيقًا بالمال، فإن الجانب الفني يتأثر سلباً بالأزمة المالية التي تعاني منها أندية إسبانيا، وإذا استمر الحال على حاله فإنه لا يستبعد أن يفقد الليغا بريقه خاصة أن أولى البوادر بدأت تظهر، فالدوري يسير بسرعة خيالية للعودة إلى المربع الأول، في الحالة التي كان عليها في الثمانينيات وحتى منتصف التسعينيات بفرض برشلونة وريال مدريد سيطرة مطلقة على البطولة بل وحتى على مسابقة الكأس التي أصبحت ضمن اهتماماتهما بعدما كانا يفضلان تركها لأحد الأندية الصغرى ليفرح بها جماهيره .
فالأزمة المالية جعلت الفجوة بين الغريمين وبقية المتنافسين شاسعة جداً وهو ما تجسده الإنتصارات العريضة التي أصبح يسجلها كل واحد منهما في مواجهاته سواء بملعبه أو خارجه، فمن حيث الرصيد النهائي من النقاط بلغ الريال الموسم الماضي سقف المئة، ومن حيث الأهداف ها هو الأرجنتيني نجم برشلونة ليونيل ميسي يصل حد التسعين هدفاً، ومنذ الموسم 2008-2009 وسواء توج ريال أو برشلونة فإن الفارق أصبح بين البطل و صاحب المركز الثالث يتجاوز حاجز العشرين نقطة .
كما أن الحذاء الذهبي أصبح محجوزاً مسبقاً لهداف برشلونة أو ريال مدريد بعدما أصبحا يسجلان ثلاثيات ورباعيات بسهولة تامة، وأصبحت هوية البطل ووصيفه تعرف حتى قبل انتهاء مرحلة الذهاب مثلما يحدث هذا الموسم في وقت أن الترتيب النهائي في بقية الدوريات الأوروبية الكبرى لا يعرف إلا مع نهاية الجولات الأخيرة، والحقيقة المرة هي أن هذه الإحصاءات سواء المتعلقة بالأندية أو اللاعبين ما كانت لتحدث في الفترة ما بين 1995 و 2004 عندما كانت هناك أندية أخرى تنافس وبشراسة الغريمين على لقبي الدوري أو الكأس ونجحت في ابعادهما عن التتويج بالليغا مرات عدة ، كما حدث مع فالنسيا الفائز بها عامي 2002 و 2004 وديبورتيفو لاكورونيا عام 2000 واتلتيكو مدريد 1996، وأندية آخرى نافست بقوة لغاية الرمق الأخير على غرار ريال سويسيداد سنة 2003 وفياريال واشبيلية وبلباو الذي كان الشبح الأسود للغريمين .
غير أن الأمور تغيّرت أو لنقل عادت كما تم ذكره إلى المربع الأول مع بداية الألفية الجديدة بعدما فضل الغريمان انتهاج سياسة انتداب أفضل نجوم العالم وأخذ الدوري تسمية دوري النجوم وهي تسمية في الواقع لا تنطبق سوى عليهما، ومعه بات الدوري محصوراً بينهما والنتيجة النهائية للمواجهة بينهما تحدد بنسبة كبيرة بقية الموسم، وهو الواقع المر الذي اعترف به الأرجنتيني دييغو سيميوني مدرب اتلتيكو مدريد عقب الخسارة المدوية التي تعرض لها أمام برشلونة بأربعة أهداف لواحد وهو بطل الدوري الأوروبي والملاحق المباشر حالياً للبلوغرانا حيث قال إن برشلونة وريال مدريد يلعبان في بطولة أخرى غير البطولة التي تلعب فيها بقية الأندية .
والحقيقة هي أن هذا الفارق الفني ناجم بالأساس عن الفارق المالي، ذلك أنه في السابق كان لكل نادٍ في إسبانيا مجموعة من النجوم اليافعين والمخضرمين، وفي ظل الميزانيات التي كانت أيضاً متقاربة أمكنها الاحتفاظ بهم لفترات طويلة بل أن بعض الأندية تمكنت من خطف نجوم كبار من ريال مدريد وبرشلونة، مثلما حدث مع بيتيس الذي انتدب البرازيلي دينيلسون والاتلتيكو مع الإيطالي كريستيان فييري ولاكورونيا مع البرازيلي بيبيتو وفالنسيا مع روماريو والأرجنتيني أورتيغا وأمثلة اخرى، غير أن المواسم الأخيرة انقلبت فيها الأمور رأسا على عقب ولم يعد بمقدور هذه الأندية الحفاظ على نجومها بل أن بيعهم أصبح حتميا لإنعاش الخزينة من الأزمة التي تعصف بها لكن ذلك تسبب في تراجع نتائجها إلى حد هبوطها للدرجة الثانية كما حدث مع سيلتا فيغو ولاكورونيا وفياريال وسرقسطة وسوسيداد .
و في السياق ذاته، تحولت الأندية الإسبانية إلى مجرد حقل تجارب أو أندية انتقالية يعبر من خلالها النجوم سواء كانوا محليين أو قادمين من أميركا اللاتينية إلى كبرى الأندية الأوروبية، بما فيها ريال مدريد وبرشلونة، وهكذا أصبحت أيام الكولومبي فالكاو في الاتلتيكو معدودة شأنه شأن الجزائري فيغولي في الميستايا و ايسكو في ملقا .
و بالنسبة لبرشلونة ووريال مدريد فإنهما و لغاية الآن يبقيان قادرين على احتواء الأزمة المالية غير أن المستقبل قد يخفي وراءه مصاعب قد تطيح بعرشهما المحلي و القاري، ذلك أن السياسة التي ينتهجها الناديان للحفاظ بنجومهما والقائمة على رفع أجورهم إلى سقف خيالي يستحيل على أحد الأندية توفيره، هي سلاح ذو حدين وهو ما يدركه مسؤولو الفريقين ويعتبرونها خطة مؤقتة ريثما تزول الأزمة كما أنهما وضعا إستراتيجية لتقليص عدد النجوم القادمين من خارج أسوارهما من خلال التركيز على تكوين النجوم بدلاً من شرائهم خاصة برشلونة مع مدرسة لاماسيا الشهيرة التي منحته جيلاً ذهبياً، و مع ذلك فإن التخلص من بعض النجوم يبقى حلاً اضطرارياً حتى بالنسبة لبرشلونة وريال مدريد ممن لا يلعبون بشكل منتظم ويتقاضون رواتب عالية، فالأول مقدم على بيع لاعبه الإسباني دافيد فيا وربما الشيلي أليكس سانشيز، والثاني في طريقه لتسريح البرازيلي كاكا والأرجنتيني هيغواين بل وحتى الدون البرتغالي كريستيانو رونالدو، لأن إنقاذ النادي من الانهيار أهم بكثير من الاحتفاظ بنجم يأخذ بيده الواحدة ما يدره على خزينة الفريق بقدميه ورأسه واسمه.