"الامتحانات": طوارئ واستنفار يسودان المنزل

تم نشره السبت 29 كانون الأوّل / ديسمبر 2012 10:32 صباحاً
"الامتحانات": طوارئ واستنفار يسودان المنزل

المدينة نيوز - بعد أن أنهت الثلاثينية ربا أسعد فترة تعليمها منذ سنوات، صارت تشعر اليوم وكأنها عادت هي وأبناؤها إلى مقاعد الدراسة مرة أخرى، ولذلك صارت تنظم أمورها لحساب الامتحانات، ولا سبيل للخروج من البيت إلا في أيام العطل.
تقول ربا إن دخول أبنائها المدارس، مع حجم المواد التي يدرسونها و"دسامتها"، باتت تفرض عليها أسلوب حياة جديدا، خصوصاً في فترة الامتحانات التي تصفها بحالة "الطوارئ" التي تسود أجواء المنزل، فتقوم في هذه الفترة بإلغاء كل مواعيدها، وكل واجباتها الاجتماعية، لتنعزل تماما عن العالم الخارجي وتتفرغ للأبناء، حتى توفر لهم جوا هادئا رائقا في المنزل.
وتميل غالبية الأسر لفرض حالة من "الطوارئ" في فترة الامتحانات، حيث تتكثف ساعات الدراسة، ما يرى فيها الأهل والأبناء أياما ثقيلة الظل وتشكل عبئا لا يزول إلا بانتهائها وحلول العطلة.
وتضيف إن كل تلك الضغوط النفسية عليها تجعلها، بعد انتهاء الامتحانات، تفرح بقدوم العطلة المدرسية، وكأنها عطلتها هي، منوهة إلى إنها في صغرها لم تكن تواجه هذه الصعوبة، ولا تتوتر بسببها.
وفي هذا السياق تقول "المناهج اختلفت، وغدت أصعب، لا تناسب صغر سن الأبناء، إلا أنني لا أجد بدا من القيام بهذه الواجبات، من أجل مصلحتهم ومستقبلهم".
في حين بات مهند علي، الطالب في الصف السادس من المرحلة الابتدائية، يشعر بـ"ملل كبير" جداً من الدراسة، قائلا إن ما يرهقه أنه في فترة الامتحانات يقضي طوال يومه في الدراسة، منذ عودته من المدرسة، من دون أن ينهي مراجعة مادة واحدة من المواد المطلوبة.
ويتساءل علي إذا كان وهو في الصف السادس يواجه كل هذا القدر من الصعوبة فهل سيقوى على الدراسة والتحصيل والمثابرة في الصفوف القادمة؟، مؤكدا أنه يشعر بإرهاق كبير في فترة الامتحانات، وهو ما ينعكس توترا على حالة والديه النفسية.
ويتابع علي أن والدته تقضي ساعات طوالا في السهر ليلا لتبقى معه، تتابع وترعى حاجاته في عناية وانشغال، وكأن الامتحان امتحانها هي، فضلا عن أنها تلغي كل مشاريعها، وقد تأخذ إجازة من عملها أحيانا حتى تساعده ما استطاعت لذلك سبيلا.
وفي ذلك يرى الاختصاصي الاجتماعي د.حسين الخزاعي أن الامتحانات أصبحت الآن في المجتمع الأردني "قضية اجتماعية، وليس قضية تربوية"، بمعنى أن المجتمع أصبح يضع تعليمات وترتيبات ومناهج واضحة لهذه العملية، ويمارس عادات وتقاليد صارت صفة ملازمة لموسم الامتحانات.
ولذلك فإن هذه "الطقوس الاجتماعية الإجبارية"، إن صح هذا التعبير، تتمحور جميعها حول قيود وشروط وتعليمات وتوجيهات ورقابة صارمة، صارت تمارَس على الأبناء، وتفرض عليهم فرضا حتى لا يمارسوا أي نشاط، أو أي سلوك، سوى التفرغ الكامل للامتحانات.
وفي هذا الصدد يشير الخزاعي إلى أن ذلك أصبح أشبه بـ"تقليد أعمى" بين الأسر الأردنية، وهو منهج خاطئ، ناجم عن سلوكيات خاطئة بين الأسر، بسبب عدم توجيه الأبناء التوجيه الدراسي الصحيح، أي بتوعيتهم بأن الاستعداد والتحضير والقيام بالواجبات المدرسية يجب أن تكون بشكل يومي دائم، ومتواصل على مدار السنة الدراسية، وليس مقتصرا فقط على فترة الامتحانات.
وينوه الخزاعي إلى أن مدة الامتحانات الزمنية "قصيرة بكل تأكيد"، ويعني ذلك أن كل يوم في الدراسة يجب أن ينظر إليه بمثابة امتحان يومي لقدرات الطلاب، وهو ما يمنح للطالب أثناء الدراسة، راحة نفسية تزيل عنه حالات الخوف والقلق والأرق.
كما أن الدراسة على مدار العام، وفق الخزاعي، يمكن أن تخفف على الأهل الجهد، في مراعاة قدرات الأبناء بصورة تدريجية متواصلة، لا تكلفهم عناء كبيرا، وتمنحهم فرصة تقدير الفروق الفردية بين أطفالهم، وتحفيز التنافس الأسري بين الأبناء، وهو ما لا يمكن تحقيقه في حالات "الطوارئ" التي صارت تسبق الامتحانات بأيام أو أسابيع لا جدوى ولا طائل منها سوى توتر الأعصاب وارتفاع درجات الخوف من النتائج التي لا يتم الاستعداد لها بما فيه الكفاية.
في حين يرى الاختصاصي الأسري أحمد عبدالله أن منظومة التعليم برمتها قد تغيرت، كجزء من التغييرات الاجتماعية الشاملة التي تحدث، وهو ما انعكس على البيت، ليصبح أشبه بحالة طوارئ، لاسيما وأن كون الأهل صاروا يريدون لأبنائهم أن يواكبوا العصر واختراعاته العلمية والتكنولوجية المتسارعة. لكن المشكلة أن الأسرة كثيرا ما تكون غير جاهزة لمواجهة أو مواكبة مثل هذه الصعوبات، وفي ذلك ما يتسبب في خلق حالة الاضطراب والتوتر في المنزل، يواكبها في الوقت نفسه حب العائلات وحرصها على رؤية الابن المتميز، أي أن الموضوع لم يعد مقتصرا على امتحانات التوجيهي وحدها، وإنما صار مسألة ما انفكت تتراكم على مر الأيام والسنوات.
وفيما يتعلق بالجانب التربوي لعملية الاستعداد للامتحانات، يرى الخزاعي أن هذا الدور يقع على عاتق الأسرة والمعلم والطالب على السواء، لما له من أهمية في عملية فهم واستيعاب الطالب للمادة العلمية الجديدة، وتجاوز الحالات النفسية التي قد تعيق تلك العلمية.
كما يؤكد الخزاعي على أهمية دور الإدارة المدرسية في متابعة ورصد الصعوبات التي يعاني منها الطلبة في فهم واستيعاب المواد المدرسية، وكذلك على أهمية تأهيل المعلمين لتدريس هذه المواد بشكل التربوي والمعرفي فعال.
ويرى عبدالله أن التدريس لفترات طويلة في المرحلة الابتدائية شيء غير منطقي على الإطلاق، لما يسببه من إرهاق للطفل، لافتا إلى أن انتشار المدارس الخاصة، والمناهج النوعية، ومنظومة التعليم، والأسر نفسها، كلها عوامل ساهمت في ذلك بشكل كبير.
مديرة إحدى المدارس الحكومية، د.أمل العلمي، تقول إن القيمة العليا للمكانة العلمية في الحياة تفرض على الأهل أن يشددوا على الأبناء، بالاعتماد إلى خبراتهم وقناعاتهم التامة بأن هذا هو الخيار الصحيح لأطفالهم.
إلا أنه من المفروض، في رأي العلمي، أن يكون الطالب، بعد فترة معينة، قادرا على أن يخصص وقتا لنفسه، يدرس فيه، ويستطيع أن يوزع ساعات يومه، مبينة في هذا الصدد أن تقاليد التوجيهي السارية في هذه الأيام باتت "ثقافة اجتماعية لدى الأهل"، إذ صاروا يرتبون أوقاتهم، ويلغون مواعيدهم، ويحافظون على أكبر قدر من الهدوء العالي في المنزل، تفاديا للمعيقات والملهيات الكثيرة خلال اليوم.
وتشير العلمي في النهاية إلى أن المدرسة لها دور في تنظيم وقت الطالب، كونها قائمة على نظام عالمي من الساعات، لا بد من إنفاقها، لافتة إلى أن المدارس تضع برامج منهجية للطلاب، يفترض أن يجتاز الطلاب بها فترة الامتحانات، على الرغم من أن المناهج اختلفت كثيرا عمّا كانت، وأصبحت "دسمة" أكثر مما كانت. " الغد "



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات