"التصفير" لغة صوتية وأداة للمرح والتواصل بين الشباب

تم نشره الأربعاء 16 كانون الثّاني / يناير 2013 11:59 صباحاً
"التصفير" لغة صوتية وأداة للمرح والتواصل بين الشباب

المدينة نيوز - "التصفير" لغةٌ ليست مدرجة في قواميس اللغات، رغم "تقليعات" الشباب وتهافتهم على استخدامها. فمثلا إذا أطلق أحمد صفارتين من شباك غرفته لصديقه مراد، يقوم هذا الأخير على الفور بإطلاق صفارة واحدة، ليخبره أنه "علم" بالأمر، فيقوم بارتداء ملابسه والخروج عند الشارع الرئيسي، لانتظار أحمد.
إنها لغة مشتركة، كما يقول أحمد، بينه وبين أغلبية أصدقائه. صفارةٌ يُطلقها، بدلا من الاتصال بوسائل أخرى، خصوصا بين أبناء منطقته في عمّان الشرقية. فبدلا من أن يذهب أحمد إلى منزل صديقه، أو يتصل به هاتفيا، فإنه يكتفي بإطلاق صفارتين، فيقوم صديقه بالرد عليه، بإطلاق صفارة واحدة، ليؤكد له بأنه بالمنزل، وأنه يهم بالخروج بعد دقائق.
ومثله يعتمد الشاب علي إبراهيم (25 عاما) طريقة التصفير، في غالب الأحيان، إما للفت انتباه صديق أثناء تواجده مع جمع من الأصدقاء، أو لإيقاف سيارة أجرة "تاكسي"، إذا لم ينتبه له السائق.
ويؤكد علي الذي يعمل في إحدى شركات قطع غيار السيارات، أن لغة "التصفير" تصلح على الخصوص في إيقاف سيارات التاكسي، فهي الأكثر "قدرة" على لفت انتباه السائق الذي لا يرى أحيانا الشخص الذي يريد إيقافه، ويؤكد أن اللجوء إلى التصفير هو خياره الوحيد في كثير من الأحيان، لإيقاف سيارة أجرة.
في حين ترى ياسمين التي تقطن في أحد الأحياء الشعبية، أن "التصفير" لغة تسمعها كثيرا في منطقتها، إذ يقوم شباب الحيّ بمناداة بعضهم البعض من خلال التصفير، إلا أنها لا تستسيغ هذه "اللغة" التي تسبب لها إزعاجا أحيانا.
وتقول "أود أن أعرف ما معنى التصفير بالنسبة لهؤلاء الشباب: فما ان يُصفر أحدهم حتى يطلق الآخر صفارة أخرى، وكأنه فهم ما يقوله الأول"، مبينة أنها تسمع يوميا تصفيرات الشباب، في مختلف الطرق والشوارع، وكأن لهم طرقا خاصة في التواصل بعضهم مع البعض الآخر. ومن الطريف أن ياسمين لا تخفي أنها حين تسمع هذه الأصوات تعتقد أحيانا أنها صوت العصافير، لكثرتها.
في حين ترفض أم مؤيد، أن يظل ابنها العشريني، مؤيد، يرد على أصدقائه بالتصفير، معتبرة أن هذا السلوك يزعجها، وتقول إنها وبّخته أكثر من مرة، إلا أنه يستمتع كثيرا بتعلم ألوان مختلفة من التصفير، بينه وبين أصدقائه.
وتضيف أم مؤيد أنها حين حاولت أن تعرف أسرار التصفير ما لبثت أن اكتشفت أن التصفير لغة مشتركة بين الشباب، يستخدمونها أحيانا حتى وهُم في المدرسة، وتؤكد أن استعمال هذه "اللغة" قد يكون، لأسباب نفسية محببا لدى الشباب، إلا أنها رغم ذلك لا تحبذ استخدام التصفير كوسيلة للاتصال بين ابنها وأصدقائه.
في حين يعني التصفير بالنسبة لهؤلاء، المتعة في الحفلات التي تحضرها، مشيرة إلى أنها تعلّمت التصفير وحدها، وأنها تستخدمه كوسيلة للتعبير عن نفسها، في حفلات أقاربها، عند قطع قالب الجاتو، مثلا، أو رقصة العروس.
وتشير العشرينية آلاء، إلى أنها تستطيع التصفير بطرق مختلفة، لكنها تتقن بحرفية طريقة واحدة، تستخدمها غالبا في حفلات تخرج الصديقات، وفي الأعراس التي يملؤها جو الفرح والمرح، والتصفيق الحار الذي ترافقه ألوان من التصفير، مبينة أن الأمر في الحفلات لم يعد يقتصر على الشباب وحدهم، إذ هناك أيضا نساء يصفرن أيضا، وبشكل جميل، لا يقل إتقانا و"حرفية" عن تصفير الشباب. 
وتضيف أنها لا تستخدم التصفير كلغة للتواصل مع الآخرين، لأنها لا تعرف قواعد التصفير ومختلف أساليبه، وتشير إلى أن التصفير في حد ذاته متعة تصاحب الفرح والمرح في الحفلات، وتقول إنها لا تعلم إن كان التصفير يمثل لدى الشباب لغة خاصة بهم، غير الذي هو معروف وشائع، كمعاكسات الشباب للفتيات عن طريق التصفير لهن، والذي يكون أحيانا لجذب انتباههن.
وكان تقرير نشر مؤخرا على موقع "بي بي سي" باللغة العربية، تناول ظاهرة "التصفير"، في جزيرة لاغوميرا، إحدى جزر الكناري، التي أصبح فيها استخدام التصفير لغة شائعة، ظلت سارية خلال الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي.
وفي هذا السياق يقول التقرير إن لغة التصفير في هذه المنطقة بدأت بالاندثار في خمسينيات القرن الماضي، حين أجبرت الظروف الاقتصادية الصعبة، كل من كانوا يتقنون تلك اللغة، على الرحيل إلى جزيرة تنيريف المجاورة، وفنزويلا.
وقد أسهم في اندثار لغة التصفير أيضا شقّ الطرق، واختراع الهواتف الخلوية في وقت لاحق. وبحلول عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي لم يكن هناك إلا عدد قليل ممن يتقنون لغة الصفير. وقد أصبحت هذه "اللغة" لا تستخدم الآن إلا في عروض سياحية، في بعض المطاعم في الجزيرة.
وحاليا يعاد تعليم الأطفال بالمدارس لغة التصفير، واستخدامها في التعبير عن بعض الدلالات، كأن يحل التصفير محلّ بعض الجُمل، مثل "مرحبا" أو "كيف الحال"، وفي الرد على التحية والسؤال، مثل "أنا بخير"، مع الإشارة إلى أن هذه اللغة لغة تقارب صوت العصافير، إذا ما قيلت بها جُمل طويلة، قد لا يفهمها سوى البعض.
في حين يعتقد علاء وليد (28 عاما) أن معظم الشباب يعرفون "التصفير"، وخاصة في الحفلات، والدبكات، والأعراس. وهو يعتبر التصفيق والتصفير لغة مشتركة بين الجميع، ويؤكد أن أصدقاءه جميعا يتقنون مهارة التصفير، خصوصا أثناء حضور المباريات، وتسجيل الأهداف.
في هذا السياق يقول علاء "غالبا ما تقوم مجموعة من الشباب، أثناء المباريات، بتشجيع الفريق، من خلال التصفير، أو تحميس اللاعبين من خلال إطلاق صفارة طويلة". ويضيف علاء "في أحيان أخرى يتم إطلاقها عند محاولة إنهاء مباراة يكون فريقنا هو الفائز فيها، منعا لتسجيل الفريق الآخر لأي هدف، خاصة عندما يمنح الحكم المباراةَ وقتا إضافيا، بشكل يصير المتعة والحماس".
وتظل ثمة سلوكيات مجتمعية بسيطة، قد يختلف حيالها البعض، إلا أنها تظل في إطار الممتع، والمحبب والمستساغ، إضافة إلى أن بعض الشباب يستخدمون هذه "اللغة" الصوتية البسيطة، بنغماتها المتعددة، كأداة مجانية تسهّل عليهم التواصل الاجتماعي المباشر، في وقت طغت فيه وسائل التواصل التكنولوجي الذي ما انفك يباعد ما بين الناس، ويفرض عليهم عزلة لا طائل من ورائها سوى الانطواء في عالم افتراضي يقتل الإحساس بالواقع والحقيقة.
من جهته يبين استاذ علم الاجتماع في الجامعة الاردنية الدكتور حسين خزاعي أن ظاهرة التصفير بين الشباب وسيلة من وسائل لفت النظر وجذب الاهتمام، ونوع من المناداة الرمزية بين فئة الشباب.
وتنبع هذه السلوكيات، وفق الخزاعي، من تنشئة اجتماعية تتناقل من الصغار الى الكبار، وغالبا تكون محببة ويستخدمها الشباب بطرق فنية حتى إنهم يميزون الاشخاص بدون رؤيتهم، وهي سلوك تقليدي يكون مزعجا احيانا لبعض افراد المجتمع خاصة الأطفال.
ويضيف أن البعض يستخدم "التصفير" بطريقة سلبية تستخدم في المعاكسات رغم انها بالسابق كانت تستخدم وسلية للمناداة بين الاصدقاء اليوم ومع تعدد الوسائل اصبحت ترفا غير مبرر.
وينصح الخزاعي الشباب حاليا في ظل التقنيات أن يقوموا باستخدام تقنيات هادئة اكثر منعا لإزعاج الآخرين.
مع ذلك تظل هناك سلوكيات مجتمعية بسيطة يختلف حيالها الأفراد الا انها تظل في أطر الاحتفال الممتع، إضافة الى ان بعض الشباب يستخدمونها كلغة بسيطة تسهّل عليهم التواصل الاجتماعي في وقت طغى عليه التواصل التكنولوجي الذي يبعث بنوافذ العزلة الاجتماعية. " الغد "



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات