فضل شاكر: لا أخشى الاغتيال ومستعد للشهادة

المدينة نيوز - قد يكون من الصعب محاورة فنان, اعتزل الفن وهو في قمة الشهرة, وانصرف فجأة إلى الزهد والعبادة والتقشف متخذاً من إمام مسجد بلال بن رباح الشيخ أحمد الأسير المثل والقدوة في تحوله المفاجئ إلى الدين ويلازمه في كل تحركاته واعتصاماته ومهرجاناته ومسيراته الاحتجاجية على المظالم التي يتعرض لها أهل السنة في لبنان, سورية, العراق وغيرها من الأماكن التي تعيش ربيعاً عربياً لم تتفتح أزاهيره بعد.
الفنان فضل شاكر سابقاً, أو الحاج فضل حالياً ومستقبلاً,
لا يحب الحديث عن ماضيه الفني أبداً, ولا يريد أن يعطي خطوته الجريئة تلك مزيداً من الحالة الدعائية لأنه على حد قوله لم يرتقِ بعد إلى مصاف المشايخ ورجال الدين من أصحاب الفقه والبلاغة, والغوص في العلوم الإسلامية والدينية. فهو مازال في بداية الطريق وأمامه مشوار طويل من النسك والتعبد.
فضل شاكر في بلدة عبرا – شرق “صيدا” وفي مكتب صديقه وملهمه الشيخ الأسير الذي يعود له الفضل الأول في تأمين هذا اللقاء. ومعه كان الحوار التالي:
تخليك عن فنك وملازمتك لحركة الشيخ الأسير ترك في أذهان الناس أسئلة كثيرة تحتاج إجابات واضحة, نريد أن توضح سبب الحالة الإيمانية التي تعيشها في كنف هذا الصرح الديني? وكيف تحولت فجأة من فنان ذائع الشهرة إلى إنسان متدين على الصورة التي أنت فيها?
في الحقيقة, ما أنا فيه اليوم كان بفضل الله سبحانه وتعالى, وقبل أن أتخذ هذا القرار كنت أعيش حالة صراع مع نفسي منذ سنتين وأكثر. وأسأل نفسي باستمرار: لماذا لا أضع حداً لهذا الصراع الداخلي الذي يراودني? ولماذا لا أترك هذا المجد المزيف وأنصرف إلى عبادة الله سبحانه وتعالى ومع بداية ثورات الربيع العربي ازدادت عندي هذه الرغبة وفجأة ومن دون أدنى تردد انتصرت على ذاتي والحمد لله وأنا راضٍ كل الرضا عما أنا فيه اليوم, لأنني صراحة كنت أشعر بقرف شديد من الفن وأهله وكل ما له علاقة بهذا المجال “…” وكل من يتعاطى بهذا المجال مصاب بمرض الكذب وقلة الوفاء والنفاق إلى غيرها من النعوت التي تبقى مقصرة عن وصف الدائرين في هذا الفلك, لدرجة كنت أمنع نفسي من الاختلاط بالقسم الأكبر منهم وعندما قررت وضع الحد لهذا الأمر, أصبحت أشعر بسعادة مطلقة لدرجة لا أستطيع أن أصف الحالة التي أنا فيها.
من وراء العلاقة مع الشيخ الأسير? ولماذا اخترته دون غيره من رجال الدين, خصوصاً أن ملازمتك له في هذا الوقت فيه الكثير من التحدي بسبب حملته على “حزب الله” وغيره?
أتشرف بصداقة الشيخ احمد, وهو بمثابة المرشد والمثل الأعلى بالنسبة لي, لما يحمل في شخصه من قيم إنسانية وإيمانية لم أجدها في أي رجل دين آخر. فهو إنسان مميز بكل شيء بإيمانه أولاً, وصدقه ثانياً وشفافيته وأمانته وإخلاصه وكرمه وشجاعته, ثالثاً, إنه شيخ دين بكل ما لهذه الكلمة من معنى, فهو على عكس الذين لا يحملون من كلمة شيخ سوى الاسم فقط, وفي غالب الأحيان نجدهم لا يمثلون أنفسهم, ويمارسون كل شيء ما عدا الدين, وغالباً ما نجدهم مرتهنين لأناس آخرين من قوى سياسية وحزبية وهذا أخطر ما يواجهه رجال الدين اليوم, خصوصاً في موضوع الافتراء ورمي التهم في حق الغير جزافاً كما حصل معي, لكن لا يصح إلا الصحيح كما يقول المثل, ومن المؤسف القول إن من يحمل صفات الشيخ أحمد أصبحوا قلة في هذا الزمان الرديء.
الفنان عادةً لا يكشف عن انتمائه السياسي, أو ولائه لهذه الجهة أو تلك, كيف استطعت أن تقنع نفسك وتلجأ إلى خط الشيخ أحمد الأسير رغم خطورة هذا الاختيار الصعب?
الظلم الذي يلحق بالناس عموماً كان الدافع الرئيسي وراء هذا التحول في شخصيتي, واقتناعي أن علي واجب تجاه هؤلاء الناس.
هل الأحداث السورية وما ارتكب من مجازر ومذابح في حق الناس العزل هو الذي ساعدك على هذا التحول?
بالتأكيد عندما ترى هذه البربرية وهذه الوحشية في الرد على التظاهرات والانتفاضة, فماذا يمكنك أن تفكر في تلك اللحظات غير أنك تنتفض على واقعك من خلال ردة فعل أنا مقتنع بها تماماً.
كيف استطعت أن تتخلص من ماضيك الصاخب والغني بالشهرة وتصبح ناسكاً ومتعبداً?
لم أنقطع عن الصلاة والعبادة طوال مشواري الفني, لكن في الأيام الأولى وجدت صعوبة ومع الوقت أصبحت الأمور عادية جداً.
كيف أقنعت عائلتك بما كنت تنوي فعله وهل تقبلوا فكرة الإقلاع عن الفن بسهولة?
عائلتي مقتنعة بكل ما أفعله, لكنهم في الأيام الأولى كان خوفهم علي كبيراً, نظراً لما كانوا يشاهدونه على الإنترنت وفي الصحف من تهديدات اليوم أصبحت الأمور عادية بالنسبة إليهم.
هل لديك رغبة أن تستثمر موهبتك الفنية في الأمور الدينية كالصلوات والابتهالات والموشحات الدينية في الليالي الرمضانية وأيام الأعياد?
هذا الأمر ممكن حدوثه, وعندما أجد الأمور مواتية وتخدم القضية التي نناضل من أجلها فلن أتردد في ذلك.
عندما تجلس مع نفسك, بماذا تشعر وهل يعز عليك انقطاعك عن جمهورك ومحبيك?
أقضي معظم وقتي في الصلاة والتأمل ولست نادماً على شيء, خصوصاً الأمور الدنيوية, لقد وضعت حداً لهذا الموضوع وانتهى الأمر.
البعض اتهمك باستخدام نفوذك الفني وعلاقاتك مع بعض الأمراء والشيوخ في الخليج لجمع المساعدات للشيخ أحمد الأسير, فما صحة هذه المعلومات?
كلها أخبار كاذبة وملفقة ولا صحة لها على الإطلاق, وقد حاولوا من خلالها النيل مني والتأثير على سمعتي, وأنا في المقابل لن أكترث لكذبهم ونفاقهم.
مع بداية انطلاق الشيخ الأسير كان ظهورك أمام الكاميرات, أما اليوم نراك ملازماً له في أي ظهور علني, فما سبب ذلك?
في البداية واكبت الشيخ أحمد وما زلت إلى جانبه, ولكن عندما انقطعت عن الظهور معه كنت خارج لبنان وعندما استقر الوضع كما ترى فأنا معه وإلى جانبه, ليس محبة بشخصه بل أنا على اقتناع تام بالرسالة التي يقوم بها ووجودي في هذا المكان نصرة لهذا الشيخ الجليل.
ألا تخشى من محاولات الاغتيال, خصوصاً وأنك سابقاً كنت فناناً مشهوراً واليوم تكاملت شهرتك من خلال طلاقك الفن بشكلٍ نهائي واختيارك المنحى الديني مع الشيخ الأسير الذي ما زال حول تحركه أكثر من علامة استفهام?
هذا ما أتمناه “الشهادة” فكلنا مشروع شهادة ولا يصيبكم إلا ما كتب الله لكم.
هل تشعر بأنك حر طليق تذهب إلى أين تشاء وتعود ساعة تشاء?
الأمر عادي جداً, أذهب إلى حيث أريد وأقوم بواجباتي الاجتماعية بحرية تامة.
يُقال إنك هربت عائلتك إلى إحدى الدول العربية خوفاً من أن تتعرض لسوء, فهل هذا صحيح?
عائلتي ما زالت معي في لبنان وحياتنا عادية جداً باستثناء ابني البكر الذي يكمل دراسته في الخارج.
بعد هذا التحول من الحالة الفنية إلى الحالة الإيمانية, إلى أين تريد الوصول?
إلى المصالحة الشاملة مع نفسي وضمن قناعتي من خلال التعمق بدراسة الفقه الديني من كل جوانبه.
هل تعزو أسباب تحولك باتجاه الدين, الى التراجع في العالم العربي وفي سياسات الدول وعدم الاهتمام بالجوانب الإنسانية للمواطنين?
التراجع في العالم العربي جزء من هذا التحول ولكن في النهاية إن الله سبحانه وتعالى يهدي من يشاء.
أراك مقلاً في اجاباتك على أسئلتي فلماذا?
صحيح, أنا بطبعي لا أحب الظهور الإعلامي ولا المقابلات الصحافية, وهذه الظاهرة رافقتني في حياتي عندما كنت فناناً لأنني طوال عمري لا أحب الحديث عن نفسي. وسبب ابتعادي عن تلك الأجواء مرده عدم الرغبة في ارتكاب المعاصي, لأن أجواء الفن كما قلت لك “… جداً”.
من يتواصل معك من أصدقائك الفنانين?
هناك عدد لا بأس به ما زال على تواصل معي, ومنهم الفنان حسين الجسمي, شيرين عبدالوهاب, نوال الزغبي, وأنغام, فكانوا يتصلون بي بين الحين والآخر, أما اليوم فقد أقفلت هاتفي ولا أتواصل مع أحد.
ما رأيك بما يجري في المنطقة من تحول سياسي?
لا أحب السياسة ولا أريد التحدث فيها, وكل ما هنالك أن هناك أنظمة عربية تأخذ شعوبها نحو الخراب. وهناك أنظمة عرفت كيف تلبي مطالب شعوبها ولكنها ما زالت مقصرة بحقها.
ما رسالتك للفنانين وهل تريدهم أن يقتدوا بك?
كل واحد حر أن يفعل ما يراه صواباً, وأنا لا أطلب من أحد أن يقتدي بي, لأن هذه الأمور تعود لقناعة كل إنسان, إنما من يستطيع الابتعاد عن الفن يكسب نفسه لأن هذا العالم “وسخ جداً”.
أيهما أحب إليك لقب الشيخ فضل أم الحاج فضل?
في الوقت الحاضر اللقب المطابق للواقع الذي أنا فيه هو الحاج فضل. ومن المبكر أن ينادوني بالشيخ فضل لأن كلمة شيخ تتطلب دراسة معينة وتعمقاً في الفقه الإسلامي.
ولا يجوز أن نطلق كلمة شيخ كيفما كان.
ما وصيتك للجمهور الذي آمن بفنك واليوم تخليت عنه?
أريدهم أن يكونوا صادقين مع أنفسهم وأن ينتبهوا لأولادهم ومستقبلهم وألا ينسوا دينهم على حساب دنياهم وشهواتهم وأن يحبوا وطنهم, لأن من دون محبة لن تبقى لنا أوطان.
السياسة الكويتيه