تحول البلديات للجوانب التنموية يصطدم مجددا بملف الفصل

المدينة نيوز– كشفت مصادر رسمية في وزارة الشؤون البلدية عن عدم قدرة الوزارة على تحقيق أي من خططها التنموية والتطويرية لبلديات المملكة في ظل استمرار التخبط وعدم البت رسميا بموضوع فصل البلديات والذي فتت البلديات الى اكثر من 180 وحدة ادارية صغيرة.
فقرار الفصل الذي اعلن وزير البلديات ووزير المياه والري المهندس ماهر ابو السمن قبل نحو شهر عن وجود توجه حكومي لتوثيقه رسميا لم يصدر بعد، ما افضى الى توقف كامل الخطط التنموية التي اقترحتها الوزارة بالتشارك مع مختصين من خلال عدة ورش عمل نظمتها الوزارة بالتعاون مع ممولين اجانب في جميع المحافظات كان ابرز نتائجها ضرورة الانتهاء من التعامل مع البلدية كوحدة خدمية والتحول الى التعامل معها كوحدات تنموية، اضافة الى ايجاد قانون بلديات عصري يتماشى والاحتياجات التنموية للبلديات والمجتمعات المحلية.
وبحسب معنيين ومسؤولين اجرت مقابلات صحفية سابقة معهم ، تمتلك الوزارة بمديرياتها المختلفة خططا طموحة لتحقيق نقلة نوعية بآليات عمل البلديات القائمة، بل والعمل على البدء بتوجهات تعمل على توحيد البلديات القائمة ببلديات مركزية لتقوية عملها وجهودها بدلا من الاستمرار بالتعامل مع وحدات ادارية شكلية تتميز بخلو صناديقها واعتمادها على المساعدات المقدمة من بنك تنمية المدن والقرى (الذراع المالي لوزارة البلديات) لدفع رواتب موظفيها.
ويؤكد مدير مركز الحياة للدراسات وتنمية المجتمع المدني الدكتور عامر بني عامر ان اغلب دول العالم بدأت بالتوجه نحو توحيد جهود وحدات التنمية لتصبح اكثر تحقيقا للنتائج الايجابية للمجتمعات المحلية، موضحا انها قيمت تجاربها السابقة ووجدت أن الأنجع منها ايجاد وحدات كبيرة قوية قادرة على اداء اعمالها بدلا من استمرار العمل في ظل وحدات صغيرة لا تستطيع القيام بواجباتها.
وشدد بني عامر على ضرورة التعامل مع البلديات كوحدات مستقلة كلا على حدة، مبينا ان التعامل مع جميع البلديات بالتساوي مضر بالأهداف التي اوجدت من اجلها.
وأوضح ان بعض البلديات تمكنت من تحقيق بعض النجاح لاتساع مساحتها وتوفر امكانات مادية مكنتها من اداء بعض واجباتها الخدمية، في حين ان هذه الميزة لم تتحقق في غالبية البلديات ذات المساحة والكثافة السكانية القليلة ما جعلها عاجزة عن الوفاء بمتطلبات وجودها.
واشار الى ان الحكومة وفي حال بحثت مجددا فصل البلديات يجب عليها التركيز على جوانب التنمية المستدامة ومراجعة عملياتها التنموية في كل بلدية على حدة، والبدء بتقييم قدرتها على الاستمرار بخدمة المجتمع وتحقيق اهداف تنموية.
واكد بني عامر اهمية تعامل الحكومة على اساس تنموي بحت لا على اساس مطالب شعبية يمكن ان تضر بالمجتمع والمواطن نفسه على اعتبار ان تلك المطالب مرتبطة بأهداف آنية كالتوظيف وايصال بعض الخدمات البسيطة بعيدا عن التفكير بأهداف تنموية طويلة الاجل.
وبين ان تجربة البلديات ما قبل مرحلة الدمج اثبتت عقما بأدائها التنموي ما دفع بالمسؤولين للبحث عن فكرة بديلة تحقق بعض التقدم بالعمل التنموي للبلديات، موضحا ان العودة الى التجربة القديمة عقب مرور نحو 12 عاما ليس بالحل المقبول بعد تأكد الجميع بأن التجربة اصلا كانت غير مجدية، بل بات المطلوب البحث عن تجربة اكثر قوة وتحقيقا للإنجاز وذلك بحسب تأكيد بني عامر.
وأوضح بني عامر ان مشكلات البلديات تتركز في الجوانب المالية والعجز المستمر بميزانياتها لتركيزها على جوانب ادارية هامشية بعيدا عن واجبها الرئيس بتطوير المجتمعات المحلية وتحقيق التنمية المستدامة فيها، الى جانب مشكلات ادارية ترتبط بتشبعها الكبير وتضخم الموظفين فيها بدون تخصص وغالبا بدون عمل او مؤهل.
وشدد على أن تهتم وزارة البلديات بتفعيل الرقابة والحاكمية الرشيدة، والعمل بجدية لتوكيل موضوع تعيين الموظفين في البلديات الى ديوان الخدمة المدنية مع اعطاء اولوية لأبناء المنطقة، معتبرا ان اكبر حاجز يعيق تقدم البلديات هو مسألة التعيين والموظفين في البلديات.
وبحسب احصاءات الوزارة يصل عدد موظفي 93 بلدية حوالي 24 الف موظف، تم تعيين غالبيتهم على وظيفة عامل وطن، في حين قاربت عجوزات البلديات من حاجز 100 مليون دينار للعام الماضي 2012.
وطالب بني عامر البلديات والحكومة بايجاد جهاز رقابة مختص بعمل البلديات ويمنح صلاحيات التدقيق المستمر على إنفاقها وتحقيق اهدافها باستمرار.
واتفق المختص بشؤون التنمية الريفية والمحلية الدكتور فواز الرطروط مع الرأي السابق، اذ يؤكد ان من اهم عوامل نجاح المؤسسات والوحدات التنموية القوة والامكانات الكبيرة، ومن ثم يأتي عامل كبر التجمع السكاني المشمول بخدماتها، مشيرا الى ان التجارب التنموية الفاشلة كانت بسبب قلة السكان وعدد المستفيدين من الخدمات المقدمة وعدم وجود مردود يقابل الخدمة المقدمة في المجتمعات صغيرة الحجم.
واشار الرطروط الى ان كبر حجم المجتمع سكانيا يفيد الوحدة التنموية والبلدية بتوفير مقومات مادية كافية يمكنها من الاستمرار بتقديم الخدمة، مؤكدا أن القدرة تتناسبا طرديا مع الدخل المادي من الرسوم وبدل الخدمة المقدمة التي يوفرها مجتمع سكاني كبير مقابل امكانات بسيطة توفرها مجتمعات متعددة صغيرة الحجم.
وقال ان كبرى العواصم العالمية تديرها بلديات تقوم بكامل الخدمات وعوامل التنمية كباريس وغيرها، مبينا ان وجود وحدة ادارية تنموية متكاملة اجدى بكثير من وجود عشرات الوحدات مشتتة الجهد والقوى والمكان دون فائدة تعود على مجتمعاتها.
وبحسب الدراسات التي اجرتها لجان مختصة في وزارة الشؤون البلدية، فقد تلخصت اهم اسباب المطالبة بالإسراع بإقرار فصل البلديات رسميا بحاجة الفصل لنحو 100 مليون دينار تعجز الوزارة والحكومة معا عن توفيرها كأساس لتنفيذ القرار في حين اشارت الى ان البلديات والتي قارب عددها نحو 90 بلدية جديدة في حال تنفيذ الفصل ستحتاج سنويا لمضاعفة موازنات حالية تزيد على 200 مليون دينار اغلبها مساعدات لدفع رواتب الموظفين من بنك تنمية المدن والقرى وغيره من المؤسسات الممولة.
كما يشكل وفقا للدراسات موضوع الفصل عائقا لخطط تنموية تصب بمجملها في تحويل البلديات الى مؤسسات تنموية من خلال تفعيل وحدات التنمية فيها والبدء بتنفيذ مشروعات استثمارية تدر دخلا للبلديات، وبتقسيمها مجددا يعني تقسيم جهودها ومقوماتها الادارية والمالية ما يجعلها عاجزة عن الايفاء بمتطلباتها.
واشارت الدراسات الى وجود عوائق ادارية ترتبط بتقسيم الموظفين، وعوائق تنظيمية وحدودية بعد ضم حدود البلديات الى بعضها عقب قرار دمج البلديات ما ترتب عليه ايجاد مشروعات مشتركة باتت متداخلة لا زالت تشكل خلافا في تبعيتها للبلديات نظرا لتداخل الحدود والتشارك بإقامة تلك المشروعات.
وبينت الدراسات ان الكثير من المناطق والتجمعات السكانية اعترضت على قرارات الفصل السابقة والتي لم يصدر بها قرار رسمي اصلا، مطالبة بفصلها اسوة بباقي المناطق التي اعلن عن فصلها رغم مخالفتها للشروط القانونية، مشيرة الى ان ذلك سيكون عبئا اضافيا على الحكومة وسيحدث خللا مجتمعيا نتيجة تلك الاعتراضات.
واضافت الدراسات بتوصياتها ان الجهات المعنية كمؤسسات تشجيع الاستثمار والسياحة والبلديات وغيرها قامت عقب اقرار دمج البلديات بوضع مخططات شمولية للمناطق والتجمعات السكانية عقب دمج البلديات، والعودة عن الدمج يعني تكليف تلك المؤسسات مبالغ اضافية لحاجتها الى مخططات شمولية تحتاج لسنوات لإقرارها.
يشار الى ان مسؤولي البلديات بالتعاون مع جهات مختلفة بدأت بإجراءات تعديل قانون البلديات الساري لتضمينها مقترحات تفضي الى تجميع البلديات في 12 بلدية مركزية وتشكيل مجالس محلية يقوم بها ابناء المجتمعات المحلية، اضافة الى اعلانها عن البدء للتحضير لإجراء الانتخابات البلدية وفقا للقانون وقبل منتصف ايلول المقبل.
(بترا)