عندما يطالب الشرف بذكورته.. هل تبقى سمعة الفتاة على "المحكّ"؟!

المدينة نيوز - في التصنيف اللغوي الشرف ذكر، وفي قاموس المجتمع يتحول "أنثى" ويرتبط حصراً بالنساء، فيبدو الرجال وكأنهم لا شرف لديهم بل يستمدّونه من النساء اللواتي يقعن في خانة "ممتلكاتهم" الخاصة، فيصلح حالهم بصلاحها ويفسد بفسادها! فالرجل إذاً، ما من عيب يعيبه وما من شرف مستقل خاص به يخاف عليه أو يحميه ويصونه، بل جُلّ ما يفعله ممارسة حرية مطلقة ومراقبة تصرفات أي امرأة تخصّه انطلاقاً من قاعدة حماية العرض والذود عنه! أي عار هذا؟! وأي مجتمع هذا الذي تعيش فيه المرأة في ظلّ الحائط، وتمشي بجواره مستندةً الى الأسس التي بُني عليها من معتقدات ومفاهيم مترنّحة كي تحمي "سمعتها" من أي شائبة تشوبها؟!
تنشأ الفتاة في مجتمع يمنح الشاب كامل الحرية في أن يفعل ما يشاء ويبيح أمامه أي مكان أو تجربة ويمنع عنها أي شيء، ولو استطاع منع عنها التفكير حتى، ودائماً تحت شعار المحافظة على السمعة وصونها كونها من المقدسات وإذا ما دُنّست لأي سبب كان تنتهي حياة الفتاة بعد أن يحكم عليها ذووها بالإعدام الفعلي أو المعنوي لاسترداد شرف مسلوب... فكم من جريمة ارتُكبت باسمك أيها الشرف!
وهكذا تعيش المرأة وسط معتقدات ليست كلها صائبة، فأن تصون نفسها من أيدي العابثين شيء، وأن تعيش هواجس ومخاوف من أن تقول او تفعل او تفكر حتى بما قد تُعاقب عليه شأن آخر، والفارق بين الأمرين شاسع. فلنقم بجولة على ما تواجهه المرأة كي "تحافظ على سمعتها".
تقرير نشرته صحيفة النهار مؤخرا عن معاناة المرأة في المجتمع الذكوري :
في العمل
أخيراً أقنعت عبير أهلها بأن تعمل ولم تكن مهمة سهلة، لكنها لم تستطع القفز فوق التوصيات اليومية والمتلاحقة بأن تدرس خطواتها جيداً، فأي خطوة ناقصة تكلّفها ترك عملها. "لا أستطيع أن أسمح لزملائي في العمل بأن يوصلوني الى المنزل، ولا أتمكن من تلبية دعوة أحدهم الى أي مكان من دون أن نكون مجموعة كبيرة من الفتيات والشباب خوفاً من أن يشير إلي أحدهم بإصبع الإتهام، هذا ما يقوله أهلي وأضطر الى تنفيذه من دون أن أقتنع به، لكني أنفذه لضرورات حياتية ومعيشية".
في الحب
طالما تغنّى التاريخ بعشاق حَفَر حبهم لهم مكاناً في ذاكرة كل منا، واليوم لا يزال الحب لدى البعض عيباً وعاراً. فعيب على الفتاة أن تحبّ وإن أحبّت لا يجوز أن تبوح بحبّها أو تعلنه، فتلجأ كثيرات الى الحب السرّي والعلاقات الخفية خوفاً من تشويه السمعة.
وفي السياق، يقول فادي إنه لا يسمح لشقيقته أن ترتبط بشاب من دون زواج، "هي عرضي وشرفي ولن أسمح لها أبداً أن تلوّث سمعتنا وتضع رؤوسنا "في الأرض". لا أسمح لها أبداً أن تقيم علاقة مع أي شاب كان قبل أن تتزوج".
وتؤكد رجاء ما يقوله فادي، فهي مخطوبة وأهلها يرفضون أن تخرج مع خطيبها بمفردهما خوفاً من كلام الناس. "أحياناً أفكر في أن أهرب معه ونتزوج كي أتخلص من تضييق أهلي الخناق عليّ ورفضهم أن أكون على سجيتي وأتصرف بحرية مع زوجي المستقبلي، ودائماً تكون الذريعة حماية السمعة".
من الريف الى المدينة
وللسمعة حكايات لا تنفكّ فصولها تتوالى، وهدى إحدى اللبنانيات اللواتي يضعن ما يُتداول حول سمعتهن في واجهة أي أمر يُقدمن عليه ويسيّرن حياتهن وفق ما يلمّعها ويجعلها براقة ناصعة أمام الناس. "عندما أنهيت دراستي الثانوية، كان لا بد لي كي أدخل الجامعة أن أنتقل من بلدتي الجبلية للعيش في بيروت، فجنّ جنون أهلي ووالدي تحديداً، واضعاً ما سيقوله الناس نصب عينيه، فقال ماذا سيقولون عنا عندما تسكنين في المدينة؟ وماذا سيفكرون وماذا ستكون نظرتهم لك ولنا؟ وغير ذلك من التعليقات والمخاوف التي كانت تسيطر عليه قبل أن تتدخل أمي وتتوسّط لي معه كي يسمح لي بالانتقال للعيش بالقرب من مكان دراستي". لكن ذلك لا يعني أن كل الحواجز سقطت، وهدى لا تزال تدرس كل خطوة وكل تحرك كي لا يؤخذ ضدها أي مأخذ.
في الشارع والمخافر!
وعند الحديث عن السمعة، لا بد من الالتفات وإن سريعاً الى التحرش الذي تتعرض له النساء في أي مكان تقصده، من المدرسة والجامعة الى الشارع والعمل والمحال والمتاجر وأي مكان كان وحتى المخافر! وأحياناً إذا ما تطور الأمر، تجد المرأة نفسها وكي تحمي سمعتها مجبرة على اللجوء الى مسؤول يحميها من التحرش، لكن ماذا لو أصبح المسؤول عن حمايتها مسؤولاً عن التحرش بها؟
قصص كثيرة تُروى عن رجال الأمن الذين فقدوا هيبتهم جراء ما يفعله البعض منهم سواء في الشارع أم في المخافر. ومعظم الفتيات لديهن ما يروينه عن رجال الأمن، فإذا كانوا في الشارع يلاحقونهن بنظراتهم وهمساتهم وتعليقاتهم و"تلطيشاتهم"، فلم يعودوا مصدر أمن وأمان يمكن اللجوء اليه. ويروي أحد رجال الأمن كيف أنهم عندما يتصلون بفتاة كي يستدعونها سواء للشهادة في قضية ما او لغير ذلك، تضحك ولا تأخذ الموضوع على محمل الجد، متسائلة ما الذي يثبت لها انهم رجال أمن؟ ثم انها تعتقد ان ذهابها الى اي مركز امني ينطوي على اهانة لسمعتها.
وكي لا نجرّد أحداً من حقه، نقول إن المشكلة على ما يبدو مزدوجة ويتحمل المسؤولية فيها كل من المرأة ورجل الأمن على السواء. فمن جهة يغيب الوعي لدى عدد كبير من النساء لناحية وجود من هو مسؤول لا يرتضي بالإعتداء على المرأة وبيده القدرة على حماية حقها او أقله مساندتها في المطالبة به وحمايته، ومن جهة أخرى ثمة عدد لا بأس به من رجال الأمن الذين لا يفوتون فرصة للنظر والتحرش بفتيات سواء في الشارع او في المراكز الأمنية وفي أي مكان.
هل السمعة نسوية فقط؟
يرى الإختصاصي في علم الإجتماع الدكتور بول سمعان أن السمعة والشرف لا يختلفان في المرأة والرجل، "والأمر لا يقاس بغشاء البكارة لدى المرأة وعدم وجوده لدى الرجل".
ويشير الى أن الشرف والسمعة لها مقاييس ثابتة والاخلاق بمجملها هي أسس الشرف والسمعة، ولكن المجتمع الذكوري تعود بالموروثات والتقاليد على اعتبار المرأة عضو تناسلي فقط معرض للهتك في اي لحظة، فاعتبر الناس ان الشرف مرتبط بالجنس فقط وتناسوا ان الشرف هو الصدق والاخلاص والعمل والحب والمساواة ومساعدة الغير وحفظ الحقوق والشعور بالمسؤولية وغير ذلك، بالاضافة الى المحافظة على الجسم والروح من الانحدار والاستغلال. وهكذا تجردت السمعة من معنى الاخلاق، واصبحت مرتبطة بعضو واحد في جسد المرأة".