شاعرات يتحدثن عن دور الشّعر في حمل هموم وقضايا الأمّة

المدينة نيوز– اعتبرت شاعرات انّ الشّعر أسرع في التّعبير عن هموم الأمّة وحاجاتها من صنوف الإبداع الأخرى بفضل بنيته الّتي تميّزه عن بقيّة أساليب الخطاب وانّه يأخذ موقعه في الأذن وفي النّفس ليكون الأكثر تأثيرا في الإنسان.
وذكرن بمناسبة يوم الشعر العالمي الذي يوافق غدا الخميس ان عوامل عديدة ادت الى تراجع الشعر العربي من حيث الشكل والمضمون وافقدته دوره الذي كان يتربع على عرشه من حيث كونه ضمير الامة ولسان حال الناس .
واوضحت الدكتورة خلود جراده اننا لا نستطيع أن نقول أن الشعر العربي في عصرنا هذا ما زال يقوم بدوره الذي كان له قبل انتشار التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة ، فحتى بدايات القرن العشرين كان الشعر العربي يتبوّأ مكانة متقدمة في المجتمع العربي، سواء في لغته القريبة من الناس وأفكاره وموضوعاته التي تعبر عن هموم المجتمعات العربية وقضاياها القومية والسياسية والاجتماعية ، أو في دعوة الشعراء إلى حياة أفضل تسودها الحرية والعدالة والسلام .
وقالت ان كل ذلك كان بلغة مفهومة قريبة من الناس على اختلاف مستوياتهم الثقافية ، فالهم العربي واحد سواء في مقاومة الاستعمار الانجليزي أو الفرنسي أو الإيطالي ، أو في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين بعد ذلك ، والذي ظهر واضحا في شعر المقاومة ، فلم يكن الشعر إقليميا بل كان قوميا عربيا إسلاميا ، وكان له صداه في النفوس ودوره الإعلاميّ البارز حيث كان وسيلة إعلامية مهمة في عصر كانت التكنولوجيا تزحف ببطء باتجاه المجتمعات العربية .
واضافت خراده انه مع توغّل التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة ، ما عاد الشعر ديوان العرب ولا وسيلة من وسائل النهوض بالمجتمعات وقيادتها إلى الحرية والتغلب على الاحتلال الثقافي والفكري قبل أن يكون احتلالا للأرض ..
لأن الكثير من الشعراء منفصلون كما قالت في شعرهم بشكل أو بآخر عن هموم مجتمعاتهم وقضاياها ، منفصلون في المضمون والمحتوى الذي غالبا ما يركّز على الهموم الفردية والتجارب الشخصية للشاعر .
كما انهم وفقا لها منفصلون في اللغة المبهمة والصورة الهجينة الغامضة التي يصبون فيها أفكارهم ، فلا يكاد القارئ يفهم الفكرة المرجوّة ولا يتمكن من حلّ عُقَد الصورة المحبوكة بعناية ، وكأن الهدف منها أن لا يفهم القارئ شيئا ، ما جعل الناس يزهدون في الشعر والشعراء .
وقالت الشاعرة العراقية سارة طالب السهيل ان الشعر الذي كان قديما بمثابة ضمير الامة تراجع كثيرا عن موقعه الذي كان يتبوأه عبر التاريخ القديم ابتداء منذ عصر ما قبل الإسلام في الجزيرة العربية الى ستينيات القرن الفائت.
واضافت وهذا ليس امرا خاصا بالعرب فقط او اللغة العربية لكن الشعر تراجع في بلدان العالم من حيث المضمون اولا والصياغة ثانيا وقيمة الشعر ثالثا والاهتمام بالشاعر رابعا.
وذهبت الشاعرة السهيل الى ان الشعر حاليا جمهوره اقتصر على المثقفين فقط والمهتمين بالشعر خصوصا ولم يعد اداة جماهيرية تخاطب الشعب برمته الا فيما يخص الشعر الغنائي وذلك لسرعة فهمه وحفظه وتناقله عبر الوسائل الاعلامية الحديثة التي كان لها دور كبير بسحب البساط من الشعر ، فكل جديد مستحب و كل ما هو حديث يجري الناس خلفه لدخول عالمه والغوص بخفاياه ,فعالم الصورة من البث التلفزيوني سابقا والفضائي حاليا كما الانترنت اصبح شاغل الناس واختطفهم من الادب والشعر .
ورأت ان الشعر رسالة، ولا بدَّ للشاعر من أن يتفاعل مع قضايا أمَّته ومجتمعه والأحداث الَّتي يمر بها بلده ، حتى يتفاعل المجتمع مع الشاعر، وقالت "أنا لست ضد التعبير عن النفس والوجدانيات بالشعر وان يعبر الانسان الشاعر عن انسانيته ونفسه ودواخله فربما تنتج هذه التجارب عن فلسفة للحياة من وجهة نظر صاحبها وربما تكون رسائل اجتماعية ولكن القضايا العامة لها واجب وحقوق على الشاعر " .
وقالت الشاعرة التونسية وهيبة قوية ان صوت الشعر ما خَفَتَ في الحضارة العربيّة رغم ما شهده الأدب من تنوّع بفضل ظهور أجناس أدبيّة أخرى بعد عصر النّهضة مثل القصّة والرّواية والمسرحيّة.
واضافت ان الشّعر ظل محافظا على مكانته رغم ما طرأ عليه من تغييرات جذريّة في بنيته ومضمونه ووظيفته بل لعلّ هذه التّغييرات هي الّتي ساهمت في الحفاظ عليه وعلى مكانته في وجدان الإنسان العربيّ إذ تحرّر من قيود عديدة ليتناول قضايا تمسّه عاطفيّا واجتماعيّا وسياسيّا, فظلّ ديوان العرب والحامل لهموم الأمّة وقضاياها.
واعتبرت قوية ان الشّعر يطلع من رحم قضايا الإنسان فردا ومجتمعا ، يتأصّل في تاريخه وحضارته ويرافقه في مختلف مراحل المجد والانكسار، وفي الحزن والفرح، ويحمل همّ أرغفة الفقراء ودموع الثّكالى والأرامل، ويصطبغ بدماء الشّهداء ، وينغرس مع سنابل الأمّة في خصب ترابها النّابض بالحياة، كما ينغرس في وجدانها بذرةً تُنبِتُها يد الواقع فتَيْنَعُ بالقصيد (والفنون عامّة ومختلف أشكال التّعبير) وتتجذّر في عقل الإنسان قضيّة تجعله أكثر وعيًا بواقعه فيسعى إلى حلّها.
وبينت انّ الشّعر أسرع في التّعبير عن هموم الأمّة وحاجاتها من صنوف الإبداع الأخرى بفضل بنيته الّتي تميّزه عن بقيّة أساليب الخطاب وإنّه يأخذ موقعه في الأذن وفي النّفس ليكون الأكثر تأثيرا في الإنسان.
وقالت انه بفضل موضوعات الشعر اللّصيقة بهموم الإنسان في كلّ حياته فإنّه يظلّ ضميرا حيّا يحمل شواغل الفرد والجماعة, وقد زادَ الغناء من ألق الشّعر وانتشاره وتأثيره خاصّة ما سمعناه بعد الثّورات العربيّة.
وقالت الشاعرة المغربية سعيدة تاقي ان حضور الشعر في بنية الثقافة العربية راسخ فعلاً, فالشاعر في العصر الجاهلي لم يكن لسانَ حاله بل لسان القبيلة, يشِيد بأيامها ويخلّد أمجادها ويحمي أعراضها , ولذلك كانت القبيلة إذا نبغ فيها شاعر أتتها القبائل مهنِّئة.
واضافت : لكن مع انطلاق علوم اللغة والنقد والبلاغة والفقه والتفسير والحديث والفلسفة بدءا من أواخر القرن الثاني الهجري وتشييد الدواوين وبروز مكانة الكاتب، تراجع وضع الشاعر المبجَّل وتحوَّل إلى صانعٍ مبدع يجيد اللغة ويبدع في تشكيل صورها، خاضعاً لسياق التداول الذي يملي عليه النموذج المكتمل وشروطه في كل أغراض الشعر.
وقالت تاقي الشاعرة الحاصلة على جائزة الطيب صالح ان الشعر ظلّ حاضراً طيلة هذه القرون مراوحاً بين ثوابته وتحولاته، مراهناً على إشعاعه المواكب لكل الأجناس الإبداعية التي حايثـته أو بزغت في ظل حضوره الراجِح من أدب المقامات والنوادر والأمثال والسرد والنثر والمناظرات والرحلات والسير والرواية والقصة والمسرح والمقالة وغيرها.
واشارت الى ان الشعر لم يعد جماهيرياً مثلما كان في الغنائية العربية والملحمية الإغريقية اللاتينية والتراث الإبداعي لشعوب عديدة , أمّا الرواية فتُـثْـبِتُ جماهيريتها الآن عالمياً يوماً بعد يوم.
ورأت الشاعرة المصرية سما خفاجي ان الشعر غير خاضع لقضايا وهموم الأوطان وكذلك ليس بالضرورة ان يعبر عنها ، الشعر كمنتوج لعملية إبداعية خالصة لا نستطيع إخضاعها لمعيار أو شروط معينة , ومن الممكن ان تطل مشكلات الوطن وهمومه من خلال الشاعر وتجربته من حيث كونه إنسانا يعيش ويتأثر بكل ماحوله فيظهر ذلك ولو بشكل غير واع , إنما أن تفرض القضايا على النص فاعتقد ان النص سيكون مفتعلا أو زائفا .
لذا كما قالت إن اهتممنا بالشعر وفقا لتلك الإعتبارات القائلة بأن الشعر معبر عن أمتنا وكونه لسان حال أو أحد مكونات حضارتنا فالشعر في تلك الحالة سيعامل معاملة الديكور.
ولا تنفي الشاعرة خفاجي دور الخيال وتقول انني أتحدث عن الاقحام تحديدا لما هو مغاير تماما للواقع والبيئة واعتناق المغاير والمختلف تماما دون أدنى تبصر لمجرد الاختلاف ، ثم غرقنا مرة أخري في تنظيرات وصراعات حول قصيدة النثر والشعر الحر وهي الاشكال الجديدة والدخيلة على ديوان الشعر العربي ، تنظير فقط من أجل التنظير دون النظر لعمق التجربة أو ما اضافته مثلا .
واضافت : والحقيقة أنه إذا اردنا التحدث عن التنظير فسنجد ان الكثير من الشعراء والنقاد يخلطون بين قصيدة النثر والنثر والشعر الحر كأشكال وأنواع فنية وهو ما يعتمدون عليه اصلا في تمرير نصوصهم التي من المفترض انها شعرية.
ورات خفاجي انه لا يوجد ما يسمى بشعر عربي أو شعر غربي مثلا , يوجد ما يسمى شعر جيد فقط .
واعتبرت الشاعرة اللبنانية وداد الأيوبي ان الشعر لم ينتابه الذبول ولا اعتراه اليباب , وان كان العرب أنفسهم قد أصيبوا بنكسات كهزيمة حزيران التي ضاعفت النتاج الأدبي على كل صعيد .
وقالت الايوبي لم يقصر الشعر ولم يمت الشعراء , ومما لا شك فيه ان هناك موجة ارتدادية على المستوى الثقافي تذكرنا بعصور الانحطاط .
واكدت : ويبقى الشعر .. يختلف الزمان والمكان والوجوه والأنساب والأوراق والأدوات .. ومن الورق الى العوالم الافتراضية .. ولكن الحس الانساني هو نواة الثبات كما نبض القلب ورفة الهدب.
واعتبرت الشاعرة الاردنية عائشة الحطاب ان الشعر كالسيل لا يجد وقتا للتأمل والتقاط النفس حيث تزايدت اعداد الشعراء واصداراتهم التي تملأ فجاج الأرض العربية قاطبة وسيظل الشعر واقفا برغم الزوابع التي تسد الأفق ولن تحجب قدرة الشعر على الإبصار ، ولن تهدم روح المقاومة فيه .
وقالت الحطاب ان الشاعر لا يستسلم ولا يتوب عن الحلم ولا يكف عن الشوق ولا تعرف روحه الخنوع ولا إرادته الهزيمة لقد وقف على مفارق الدروب مكشوفا للريح والشمس وسيبقى الشعر ديوانا للعرب .
واعتبرت الشاعرة الفلسطينية سوسن غطاس ان الشعر شكل في القديم عند العرب ليس فقط فنا وأدبا بل كان مؤرخا وساردا لكل ما كان يحدث في المجتمع وقد تعلمنا الكثير عما كان يحدث من وقائع التاريخ من خلال الشعر والشعراء العرب الذين تميزوا بكتابة الشعر العمودي الموزون وكان أشهرها المعلقات وغيرها من القصائد التي تركت لنا ارثا توثيقيا للعصور الماضية.
واكدت ان الشاعر اليوم لم يبعد عن هموم شعبه مقارنة بالشعر القديم - بل تغير الاسلوب والآلية الكتابية - ولم يعد هو وسيلة توثيقية وحيدة .
وقالت : ان وجود الإعلام المتطور والانتشار الالكتروني السريع يجعل من يكتب ليس متمحورا حول كتابة ونقل الخبر إلا الكتابة عن الهم العام ونقل المشاعر والأحاسيس والخيال الذي يجول في عوالم الشعر أكثر من التفاصيل .
وبينت غطاس ان الشاعر لا يستطيع فصل نفسه عن هموم شعبه ومآسيهم وأفراحهم على حد سواء ويكتب عنها , والا فهو ليس شاعرا لأن الشاعر الحقيقي هو من يشعر ويتأثر بكل القضايا يتفاعل معها ويخرجها بشكل فني أدبي وأيضا يتنبأ حصولها قبل ان تحدث.
( بترا )