د. أسامه عايش يلقي محاضرة نقدية في جامعة إربد عن أوراق الملك

المدينة نيوز - : عقد في رحاب جامعة إربد الأهلية، محاضرة للدكتور أسامة حسن عايش، المتخصص في فلسفة التاريخ المعاصر/ التاريخ السياسي، بعنوان: " أوراق جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين النقاشية: مَأسَسَةُ السِّيَاسَة– أُطْرُوْحَة الحَدَاثَة"، بحضور الأستاذ الدكتور محمد الصباريني رئيس الجامعة، وعمداء الكليات، وجمع كبير من أعضاء الهيئات التدريسية والإدارية والطلابية في القاعة الهاشمية.
وفي بداية المحاضرة، شكر الدكتور عايش رئاسة الجامعة التي شرفته بأن يُلقي محاضرة علمية بحوارية فكرية يُقتطف من حضاريتها رؤى نقدية تحليلية لأوراق ملكية نقاشية، وقال الدكتور عايش بان هذه الأوراق هي برأيه قراءة نقدية بمنهجية علمية متسقة مع الفلسفة التاريخية السياسية، ومُضمنة في الأبعاد القيمية للتربية الوطنية الأردنية، وبأنه آثر أن ينحت لها عنونة معرفية اصطلاحية دلالية ذات أبعاد مفاهيمية لغوية وتاريخية سياسية، مدركاً في الـتأريخ عينه أن النص الملكي الحواري يُجسد في أبعاده الفكرية رؤية ملكية، سياسة لإصلاح الواقع الذاتي المعاش، والارتقاء بالدولة والمجتمع الأردني كحالة من حالات التمازج العضوي بين دسترة السلطة الحاكمة بمرجعيتها التاريخية، وفلسفة الحوار النخبوي المُحْتَضَن ملكياً.
وقال قبل أن أَلِجَ ثرى الأفكار الملكية برؤية تجزيئية اتكاء على نظرية القراءة المعمقة، أقول بأن الباحث المتأمل يجدر به أن يعرض سلاف الأوراق الملكية النقاشية كعصارة ذهنية مؤَرْشِفَة للوعي، ومُسْتَنْطِقَة للواقع الأردني، إلا أنها تستشرف المستقبل كصيرورة تاريخية من المفترض أن يعيها مجتمعنا الأردني، نسقا ونخبا ومؤسسات، كجزء من وجوده التاريخي وفلسفته الوطنية.
وأضاف الدكتور أسامة حسن عايش قائلا: كما تؤرخ لنا لغة البيان يراعاً مؤنسناً، فإن مداد البلاغة اجتزاء وإيجاز، ومن هنا سأمتطي صهوة الفكر، عارضاً الأفكار الرئيسة للأوراق الملكية النقاشية، بإيجاز وتكثيف، وهي سلسلة ثلاثية معاصرة. إن منطلق دراسة الأوراق الملكية يتمثل بالمنهجية العلمية المصدرية تأطيراً، ولذلك، اعتمدت على الموقع الرسمي لجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، وسأتناولها تسلسلياً وفق أسبقيتها الزمنية، تدويناً ونشراً.
وتناول الدكتور عايش الأفكار الرئيسة للأوراق الملكية النقاشية فكان أولى الأوراق الملكية والمؤرخة في 29/12/2012، وجاءت تحت عنوان: "مسيرتنا نحو بناء الديمقراطية المتجددة"، ويأتي نشرها مع بدء الحملات الانتخابية للقوائم الوطنية والدوائر المحلية على امتداد ربوع وطننا الأردني الأثير. لقد حدد صاحب الجلالة الهاشمية مسؤوليته في هذه الفترة الزمنية تحديداً بقوله : " إن مسؤوليتي في هذا الظرف تتمحور في تشجيع الحوار بيننا كشعب يسير على طريق التحول الديمقراطي، وتأتي ورقة النقاش هذه كخطوة على هذا الطريق، ... "، مذكراً في الآن ذاته أن التنافس النيابي، أي بين المرشحين، هو تنافس سامٍ لشرف تحمل المسؤولية. أي " مسؤولية اتخاذ القرارات التي تمس مصير الأردن وجميع الأردنيين"، وليس من أجل حصد امتيازات شخصية.
وأشار جلالة الملك عبد الثاني ابن الحسين إلى بروز اختلافات في الرأي في الأردن، سواء أكانت لأسباب شخصية أم سياسية، معتبراً أن مظاهر التعبير عن هذا الاختلاف يأخذ أحيانا أشكالاً غير بناءة" كالتصلب في المواقف والعنف والمقاطعة التي لا تقود بالضرورة إلى النتائج المرجوة..."، معتقداً أن " ... الديمقراطية لا تكتمل إلا بالمبادرة البناءة وقبول التنوع والاختلاف في الرأي ... ".
ولقد أوضحت الرؤية الملكية مستقبل الديمقراطية في الأردن، وخارطة الإصلاح التي ستقود إليه. كما كرست هذه الورقة مجموعة من الممارسات التي يؤمن جلالته أننا بحاجة إلى تطويرها وتجذيرها على امتداد رحلة الديمقراطية ضمن النظام الملكي الدستوري. ومن هنا، أفسحت الورقة مساحة حوارية للحديث عن تطوير الممارسات الضرورية للديمقراطية. كما أورد جلالته رأياً شخصياً يعتقد من خلاله وجود أربعة مبادئ وممارسات أساسية لا بد لها أن تتجذر في سلوكنا السياسي والاجتماعي كي نبني النظام الديمقراطي الذي نرنو إليه. وتتجلى هذه المبادئ والممارسات بالآتي:
أولا: "احترام الرأي الآخر أساس الشراكة بين الجميع".
ثانيا: "المواطنة لا تكتمل إلا بممارسة واجب المساءلة".
ثالثا: "قد نختلف لكننا لا نفترق فالحوار واجب وطني مستمر".
رابعا: "جميعنا شركاء في التضحيات والمكاسب".
يُستشف من الرؤية الملكية وضوحية الوصول إلى النظام الديمقراطي. ولكن، وضوحية الرؤية لا تعني، وفق الطرح الملكي، أن الطريق سهلة أو مختصرة، بل طريق "يبنى بالتراكم". أي أن الديمقراطية قيمة تُجذر بالتراكم. وندرك من النص الملكي أن تَقَيٌّل طريق الوصول إلى النظام الديمقراطي يحتاج أساساً إلى إجراء عملية مراجعة لممارساتنا الديمقراطية، وفي مقدمة هذه المراجعة "كيف نختلف ضمن نقاشاتنا العامة، وكيف نتخذ القرار ؟".
وأختتمت الورقة الملكية النقاشية الأولى بتساؤل مفتوح مفاده: "كيف نتأكد على أننا على الطريق الصحيح"؟. وجاءت الإجابة الملكية موضحة أن السنوات القادمة ستمكننا من أن نتأكد أننا نسير في الطريق الصحيح، طالما أن هناك التزام من الجميع بالمبادئ الديمقراطية، والتزام بتحسين ممارستها. إن الالتزام بالمبادئ وممارسة الديمقراطية يصل بنا إلى تحقيق مجموعة مفاهيم وممارسات حضارية، لعل من محورتها، كما يُجتنى من النص الملكي، "إدامة الحوار البناء والقائم على الاحترام بين المواطنين..."، و"تجذير أسس التعامل الحضاري بين المواطنين، وثقافة العمل التطوعي، بما يقود إلى مستويات متقدمة من الثقة والعطاء في المجتمع".
وقبل الولوج إلى متن الورقة الملكية النقاشية الثانية، من الموضوعية العلمية الإقرار بأن المفردات اللغوية التي صيغت من خلالها النصوص الملكية تُجسد في دلالاتها الفكرية حضارية الخطاب وأخلاقية المعرفة وثقافة الحوار ونسبية الصواب رأياً وسمو الغاية هدفاً وخلاصةً. ونستشف هذا من خلال التعابير الملكية الآتية "... إنني أؤمن ... برأيي ... إنني أدعو... باعتقادي... ".
أما الورقة الملكية النقاشية الثانية فقد دونت في 16/1/2013، وأدرجت تحت العنوان الآتي: " تطوير نظامنا الديمقراطي لخدمة جميع الأردنيين"، وجاء مفتتحه كما يأتي: "الديمقراطية في جوهرها عملية حية نمارسها جميعا، مواطنين ودولة...". وهذه الورقة تُقرأ في جُلها على أنها اجتهاد ملكي في الرأي، ومساهمة في الحوار الوطني حول أحد أهم قضايا التطور الديمقراطي في أردننا الحبيب، ألا وهو : "الانتقال نحو نهج الحكومات البرلمانية".
وأضاف الدكتور عايش بان هناك رسوخ ووضوح ملكي للنهج الإصلاحي يتمثل بالمبادئ الآتية: التزام ملكي برعاية وتعزيز مبدأ التعددية السياسية، وصون حقوق جميع المواطنين، وتطوير منظومة من الضوابط العملية لمبادئ الفصل والتوازن بين السلطات وآليات الرقابة، وتقوية المجتمع المدني، والحرص على توفير فرص عادلة للجميع من أجل التنافس السياسي، وبان حقوق المواطنين مكفولة دستوريا. وهنا تأكيد ملكي بأن الدستور شَكَّل في الحالة الأردنية أساس الحياة السياسية والديمقراطية.
وهناك سؤال ملكي جوهري في هذه الورقة، " كيف سنضمن استمرار مؤسساتنا وأنظمتنا بالعمل على ترسيخ هذه المبادئ والحقوق وحمايتها ونحن ماضون في عملية التحول الديمقراطي؟". وجاءت الإجابة الملكية بضرورة إدراك الجميع بأننا سنواجه صعوبات وتحديات، وقد يكون هناك بعض الإخفاقات، ولكن سيكون هناك نجاحات أكثر، وهي متاحة للحوار والتقييم ضمن نقاش عام، وهذا أمر طبيعي، لأن هذه متطلبات التطور الديمقراطي، ودليل مصداقيته".
ولقد أفردت هذه الورقة عنونة فرعية تصب في آلية تطوير النظام الديمقراطي الأردني، وهذه العنونة يمكن اختصارها بما يأتي: نماذج من الأنظمة الديمقراطية مقارنةً بالنموذج الأردني، مع التأكيد بعدم وجود وصفة مطلقة بصحتها تناسب جميع الدول كأنظمة سياسية. ومتطلبات التحول الديمقراطي الناجح وصولا إلى نظام الحكومات البرلمانية، والذي يحتاج إلى أحزاب وطنية فاعلة وقادرة، وتطوير عمل الجهاز الحكومي على أسس مهنية وحيادية بعيداً عن التسييس. وتطوير النظام الداخلي لمجلس النواب من أجل تأطير آلية تشكيل الحكومات، تشاوراً وتوافقاً وفهماً مشتركاً داخل الجسم البرلماني تكتلا. إن مصطلح "مؤسساتنا السياسية" أخذ مكانة هنا في خضم هذا النص الملكي.
وخاتمة الأوراق الملكية النقاشية الثلاثة أرخت في 2/3/2013، وعنونت تحت المسمى "أدوار تنتظرنا لنجاح ديمقراطيتنا المتجددة". وهي بإيجاز اجتهاد ملكي آخر لتوضيح أدوار ومسؤوليات جميع أطراف المعادلة السياسية، واقتراح بعض الرؤى الملكية حول كيفية تطوير هذه الأدوار مستقبلاً. ولقد حُددت أدوار المعادلة السياسية الأردنية ملكياً بما يأتي: دور الأحزاب السياسية امتداداً وطنياً وقدرات ضرورية. ودور مجلس النواب، تشريعاً وأداءً. ودور رئيس الوزراء ومجلس الوزراء إعداداً وتنفيذا لبرامج العمل وتوفيراً للأمن لجميع أبناء الوطن. ودور الملكية، ارتقاءً ملكياً دستورياً هاشمياً كأحد أهم مكونات التطور السياسي. ودور المواطن، والذي يُنظر إليه ملكياً بصفته يُشكل اللبنة الأساسية في بناء النظام الديمقراطي الأردني. والمواطنون يُخضعون الحكومة ومجلس النواب للمساءلة من خلال مشاركتهم في الشأن العام، ولكن كيف؟. وجاءت الإجابة الملكية من خلال ثلاثة محاور رئيسة، هي الآتي:
1 - الوعي والبحث المستمر عن الحقيقة. وهنا يجب الاعتماد على المعرفة المبنية على الحقائق في الاطلاع على تفاصيل القضايا الوطنية، واستبعاد الانطباعات الشخصية أو الإشاعات.
2 – اقتراح الأفكار والحلول البديلة، والتي تندرج ضمن عملية صناعة القرار الوطني.
3 – المواطنة الفاعلة، والمتمثلة في الضغط على السلطتين التشريعية والتنفيذية للوفاء بالالتزامات، وممارسة الواجب الانتخابي في مؤسسات الدولة المدنية. واُختتمت هذه الورقة بقناعة ملكية بأن المستقبل أمامنا، وبيقين ملكي بقدرتنا على تجاوز التحديات سوية كشعب أردني واحد، وبثقة ملكية بأن الشعب الأردني يتمتع بالوعي والحكمة والقدرة على العطاء، تلك الصفات التي ستشكل قصة النجاح والمستقبل الأفضل.
تحتل هذه الورقة أهمية على صعيد التربية الوطنية سياسياً، وفلسفة النظام السياسي الأردني تاريخاً ووجوداً، والمتمثلة في محورية دور المواطن في تعميق وتعزيز مفهوم الثقافة الوطنية الأردنية.
وأشار الدكتور عايش بان قرأته النقدية للأوراق الملكية النقاشية سينتج من خلالها منهج النقد التاريخي لتوضيح الدلالات النصية لعنونة المحاضرة، والذي آثر أن يمنحه بعداً إبستمولوجياً مفاهيمياً، وبعد المنهج التفكيكي لتحليل الأبعاد الحضارية الوجودية للغة الخطاب، كلغة سياسية ومضموناً سوسيولوجياً.
وقال الدكتور عايش بان المأسسة نقيض الشخصنة، ونقيض المَرْكَزَة الصَّنَمِيَّة المهيمنة سلطة والمحتكرة غاية. وهي مفهوم تراكمي، وبنائية ارتقائية، ونتاج فكري جمعي وليس أحادية فردانية. والسياسة في جوهر العنونة الرئيسة لا تعني لا أخلاقية الممارسة السلطوية وإدارة الممكن منها، بل يقصد بها في المفهوم المؤسسي أن الغاية تطوراً تقرر الوسيلة منهجاً ولا تبررها منفعة. أما الأطروحة، فهي صياغة متجددة لمبادئ الحياة ونسق العيش وقيمة الوجود، مُضمن في جوفها النظم الاجتماعية والسياسية التي تحتضن الأبنية الفكرية، تلك الأبنية التي تتجاوز القبيلة إلى الدولة، والتسلط إلى الديمقراطية. والحداثة وظفتها هنا في فلسفة التاريخ المعاصر سياسياً بصفتها تجاسر لتوظيف العقل الباحث عن الحقيقة كصيرورة تاريخية مؤنسنة، وإعادة بناء الذات ذهنيةً ووعياً وتفكيراً. أي وعي الزمان تأريخياً بثلاثية الماضي والحاضر والمستقبل بوصفه حركة تغيير تداولاً لا احتكاراً. وتقرأ الحداثة أمام التحدي والاستجابة على أنها واقع تاريخي يحتاج لإصلاح بنيوي يشمل الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
واضاف الدكتور عايش بان هناك سؤال مُلح يمس الواقع والتصور الملكي في تشخيصه وتأثيثه وعياً ومستقبلاً، والسؤال هو: ماهية علاقة الحداثة السياسية بالديمقراطية؟ إن الطابع الإشكالي جوهراً يكمن في التأسيس النقدي الآتي: هل الحداثة السياسية نتيجة للنظام الديمقراطي أم سبب له؟. إن تأسيس الدولة الحداثية شرط محوري للتحول نحو الديمقراطية، ومن هنا تأتي أهمية الرؤية الملكية في ارتقاء دور الملكية الدستورية الهاشمية. وعندما ننوه إلى أن الدولة الحديثة المحَدَّثة، وليس المستحدثة، هي الشرط الأساسي للديمقراطية، هذا يعني سياسياً ترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات، والتمسك بمبدأ الحريات العامة، ودرجة متقدمة من صدقية الاقتراع العام. إن تداخلية العلاقة بين الديمقراطية والحداثة السياسية يُظهر أن الأولى نتيجة للثانية وليست سبباً لها.
وتسآؤل آخر حول القيمة السياسية المعيارية للممارسة الديمقراطية تطوراً وإصلاحاً للأنظمة الحاكمة، وهو: هل الفصل بين الدولة والمجتمع يعتبر معياراً للحداثة السياسية؟. من وجهة نظر علمية، هناك فهم أولي يرى أن مفهوم الحداثة يتأسس واقعاً على مبدأ الفصل بين الدولة والمجتمع. ولكن، الفصل هنا ليس بمفهوم القطع التاريخي والشرخ العضوي، إنما فصلاً توضيحياً على المستوى العلائقي بين ثلاثية الدولة– والإنسان– والمجتمع. إن مستوى علاقة الإنسان بالدولة يتجلى في مفهوم المواطنة، ومستوى علاقة الإنسان بالمجتمع يتجلى في مفهوم الفرد.
وبين الدكتور عايش انه من الأهمية القول أن مفهوم الإصلاح السياسي والديمقراطية استثمرت تخصيباً في البيئة العربية زمناً، وقُرنت هذه المفاهيم بالسجال السياسي أكثر من كونها حواراً حضارياً ارتقائياً. ولكن، يُنظر إلى الأوراق الملكية النقاشية كسياق منهجي تطوري وفق إطار الفاعلية التاريخية والجذورية السيسيولوجية. ويمكن إدراك هذا السياق استناداً إلى فلسفة التاريخ السياسي على أنه اتجاه فكري لتأطير الذهنية الأردنية وعياً وانسياحها انفتاحاً، وإعادة تشكيل هذا الوعي ضمن مفاهيم الحقوق والواجبات، والمواطنة والمساءلة.
إن الدمقرطة المجذرة تاريخياً كممارسة سياسية ذات بعد توليدي تحقيبي هي ضمانة طبيعية لصلاحية الأنظمة الحاكمة. وفي ظل الأزمات والعصف الزمني كمرحلة تاريخية تداولية، يتعمق مفهوم الهوية الوطنية وحقوق المواطنة، مما يُحدث حراكا وتغييراً اتجاه السلطة وبنائها التراتبي. وعندما يتقدم الإصلاح السياسي كمطلب اجتماعي أولاً، من المفترض أن يُقرأ كقيمة إيجابية في الحالة الأردنية، ولكن لماذا؟ لأنه مُحْتَضَنَا ملكياً، ودُوِّنَ كنص ملكي حواري يشكل ضمانة أوليه لوعيه وترجمته سلوكاً، ومرجعية توافقية للاتجاهات السياسية الأخرى المتباينة في رؤيتها السياسية، اتفاقاً واختلافاً وتقارباً وابتعاداً.
وتعكس الصفة المؤسساتية للإصلاح السياسي والتوجه الديمقراطي التطوري استلهاماً للقيم الديمقراطية، كنزاهة الممارسة الانتخابية، ومصداقية ممارسة السلطة دستورياً، بمعنى الدسترة المقننة والمشرعة قانوناً، وإلحاحية المحاسبة والتقييم. وسيؤدي إصلاح الدولة والمجتمع، ودمقرطة الممارسات السياسية إلى ولادة نُخب مُكفِّرَة مُسْتَحَدَثَة، وسَتُجْتَنَى حوارات ملكية وليدة إلا أنها ارتقائية بلغتها ومضمونها، وتقدمية بطرحها وغايتها، حتى وإن تباينت القراءات.
ولكي تصبح القراءة النقدية أعمق موضوعية وتجرداً، نتسآءل: هل فكرة الدمقرطة والوعي السياسي مُسْتَدْمَجَة في التنشئة الاجتماعية الأردنية؟ أين نحن من فكرة الوطن والمواطنة بالمفهوم المؤسسي؟ وكيف نُجَسِّد تلازمية الولاء والانتماء بالمفهوم البنائي حضارياً، وليس بالممارسة النفعية المشخصنة؟ هل هذه المفاهيم مستوطنة في تربيتنا الوطنية وفلسفتنا التربوية؟ هل تعاملنا مع الملكية الدستورية الهاشمية كسلطة أخلاقية ذات مرجعية تاريخية ضامنة لوحدتنا الوطنية، ومحفزة لتطورنا الذاتي؟ إلى أي مدى نعقل الرؤى الملكية نصاً حوارياً مفتوحاً ووعياً ممنهجاً، وليس توجيها اسقاطياً فوقياً؟ وهل أدركنا الأبعاد الفكرية والتربوية والثقافية للأوراق الملكية النقاشية بما يسمح لنا بتجاوز عوامل التنميط المعولم للأنظمة السياسية العربية الأخرى، تلك التي وُضِعَت في مأزق سياسي أمام حركية التاريخ وأبجديات الوجود؟. من ثنايا هذه التساؤلات خُطِّت هذه القراءة النقدية الموجزة، معتقدا أن الأوراق بكليتها ما هي إلا محاولة ثرية لإعادة إنتاج الأنا حضارة، وهيكلة الذات وعياً.
وبنهاية المحاضرة دار نقاش موسع بين المحاضر والحضور أجابهم خلالها على أسئلتهم واستفساراتهم، والذين ابدوا إعجابهم بموضوع الساعة الذي تناولته.