بقاء النكبة ببقاء أسبابها

الحقيقة المرة تقول إن النكبة التي أصابت الشعب الفلسطيني والأمة العربية كلها من خليجها إلى محيطها، كانت نتيجة مجموعة من العوامل والأسباب التي تضافرت على صنع الهزيمة، التي ما زالت قائمة، بقيام الكيان المحتل حتى هذه اللحظة.
النكبة لن تزول ولن تتبدل الهزيمة إلى انتصار ببقاء العوامل والأسباب التي أدت إليها، وما زالت الأمة كذلك عاجزة عن تبديلها، وتغيير أحوالها، وتغيير ما بنفسها، وغير قادرة على امتلاك أوراق القوة، وعاجزة عن إعادة بناء الإنسان العربي، وبناء الأجيال التي تصنع التحرير.
لا تزول النكبات بالاحتفالات، ولا بالاقتصار على إقامة المهرجانات ومعارض التراث، ولا بتضييع الوقت والجهد، بعيداً عن طريق البناء والتغيير الاجتماعي العميق, ودون الإمساك بعوامل التحضر والأخذ بأسباب القوة الحقيقية.
إن مظاهر التغيير فيما لو تحقق يمكن مشاهدتها في سلوك الجمهور في الشارع، وتلحظها في سلوك الطلبة في الجامعات، وتقف على حقيقتها في مراقبة قيادة السيارات، وفي قدرة الجمهور على الانتظام في طابور الخدمة، وفي مشاهدة تعامل الناس مع بعضهم ومع غيرهم وفي خضوعهم للحق والتزامهم بالقوانين والانظمة.
فعندما تلحظ الفظاظة والخشونة وعدم الاحترام، وتلحظ الفوضى العارمة، والإفراط في حب الذات، واختراق النظام، ورمي النفايات من نوافذ السيارات في أكبر شوارع العاصمة، فيجب أن تعلم أن عوامل النكبة باقية.
عندما ترى العنف الجامعي أصبح ظاهرة، ويتكرر مرات عديدة في أغلب الجامعات إن لم يكن كلها، واقتصار العلاج على أسلوب العطوات العشائرية، وعدم قدرة الحكومات المتعاقبة على إصلاح هذا الوضع، وتتعامل مع الموضوع بمنتهى السطحية، وعدم الجدية في وضع استراتيجية وطنية قائمة على منهجية علمية سليمة، فاعلم أن ذلك علامة بارزة على الفشل في بناء الأجيال، ودليل على العجز المستمر في وضع الشباب على طريق النهوض، مما يؤدي إلى نتيجة منطقية أن النكبة باقية ومستمرة ببقاء هذا الوضع.
إن عدم القدرة على بناء حالة وطنية حقيقية تقوم على تعظيم مساحات التوافق، وكذلك استمرار العجز عن إطفاء نار التعصب العرقي والمذهبي والديني والجهوي البغيض بين مكونات المجتمع سوف يكون ذلك عائقاً كبيراً وضخماً أمام الإصلاح الوطني الشامل، مما يؤذن ببقاء عوامل الهزيمة واستمرارها.
إن بقاء أنظمة الفساد والاستبداد، التي ولدت من رحم القمع والكبت ومصادرة الحريات، يعد من أهم عوامل النكبة وبقائها، والأهم من ذلك بقاء كتبة وإعلاميين وصحفيين يسخرون أقلامهم لخدمة الاستبداد والفساد يدلك بوضوح على استمرار النكبة، واستمرار أسباب الهزيمة.
عندما تتخلى الشعوب العربية عن حقها في اختيار الحكام، وحقها في المحاسبة والمراقبة و التقويم والعزل، وتصبح عاجزة عن استعادة سيادتها على أرضها ومقدراتها ومؤسساتها فاعلم أن النكبة باقية ومستمرة ومستفحلة.
عندما يسود منطق الشللية والمحسوبية، وعندما يتم التحاكم إلى منطق المصالح الشخصية الضيقة، بدلاً من التحاكم إلى معايير النزاهة والكفاءة والقوة والأمانة، فاعلم جيداً أن النكبة باقية ومستمرة.
عندما يسخّر الحكام أموال الشعب ومقدرات الامة في تحقيق مصالحهم الشخصية ومصالح عائلاتهم واصدقائهم وانسبائهم، فاعلم أن النكبة باقية ومستمرة.
عندما تكون المعارضة أسوأ حالاً من الأنظمة وأكثر فساداً وأشد عجزاً، ولا تملك مشروعاً وطنياً ولا رؤية واضحة فاعلم أن النكبة باقية ومستمرة وأطول عمراً.
عندما تقتصر الأنظمة على استخدام القوة ضد شعوبها وتعمد إلى تدمير الدولة والمقدرات من أجل كرسي الحكم، وتقتصر على استخدام القوة اللفظية، والتصريحات البيانية ضد العدو الخارجي وضد الاحتلال، فاعلم أن النكبة باقية الى ما شاء الله، ومستمرة باستمرار خداع المخدوعين، وبلاهة البلهاء وضعف الضعفاء. ( العرب اليوم )