أشخاص يسرفون على مظاهرهم رغم ضيق الحال

المدينة نيوز - : لم يعد المظهر الاجتماعي المرآة الحقيقية التي تعكس الوضع الاقتصادي للشخص، خصوصا وأن المظاهر الاجتماعية باتت الشغل الشاغل للكثير من الناس الذين قد لا يشبعهم الخبز.
الأربعيني خالد شداد، حمّل نفسه دينا يحتاج لسنتين حتى يتمكن من سداده، فقط لشراء تلفزيون ذكي، شاهد إعلانه في إحدى الصحف.
ويجد شداد أن تدني الرواتب لا يمكن الشخص من تأمين الاحتياجات كافة، مؤكدا أن الوضع من سيئ إلى أسوأ، وهو ما يجعله يقدم على هذه الخطوة.
"أكره عبارة استنى حتى يتحسن الوضع"، مشيرا إلى أن من حقه شراء ما يرغب فيه، ويلائمه، وإن كان بالدين.
بيد أن الثلاثيني إبراهيم عودات، الذي تكبد الكثير من الديون حتى يتمكن من شراء سيارته الفارهة، يرى "أن السيارات الحديثة ليست حكرا على الأغنياء فقط، وأن من حق أي أحد أن يشتري ما يفضله".
ويشير إلى أنه، ورغم أنه يضطر إلى أخذ المال في كثير من الأحيان من والده، حتى يتمكن من تزويد السيارة بالبنزين، لا يرى أي مشكلة في ذلك، وإن لم يتمكن حتى من قيادتها.
في حين يستهجن الخمسيني سليمان الحديدي، القالب الاجتماعي الذي يضع جارُه نفسه فيه، رغم قلة دخله، وتدني مستواه المعيشي، إلا أنه يغير أثاث بيته بين الحين والآخر، وكلما حان موعد دفع الإيجار يبدأ في الشكوى من وضعه المادي.
ويلفت الحديدي إلى الكثير من التصرفات الغريبة التي يقوم بها جاره؛ كالسفر المتكرر، وشراء سيارة باهظة الثمن، في حين أنه يعجز في كثير من الأحيان عن دفع فاتورة الكهرباء المترتبة عليه شهريا، لقلة المال وكثرة الديون.
أما العشرينية ليلى مبيضين، فتستغرب عقلية صديقاتها اللواتي ينفقن جميع أموالهن على شراء الماركات والمكياج، في حين لا يجدن في كثير من الأحيان أجرة المواصلات قائلة "لا أعرف كيف يمكن لها أن تلبس ملابس غالية، في حين يشكو أهلها ضيق الحال".
من جانبه، يشير اختصاصي علم الاجتماع الاقتصادي، حسام عايش، أن الناس بشكل أو بآخر، عندهم رغبة في التفاخر والظهور بمظهر لا يعبّر عن حقيقتهم، رغبة منهم في تغيير شريحتهم الاجتماعية، كما قد يستغل البعض هذه المظاهر في خداع من حولهم حول حقيقة وضعهم المادي.
ويجد عايش أن هناك بعض الناس الذين يعتقدون أنالتمتع ببعض الأمور في الحياة في الوقت الحاضر أفضل من انتظار المستقبل الذي قد لا تتاح لهم فيه، الأمر الذي يدفع البعض إلى أخذ قرض، أو "جمعية"، أو عن طريق البطاقة الائتمانية، بدون أن يدبروا العواقب المادية التي تترتب على ذلك.
يقول "الناس ينفقون أموالهم بطريقة غير مدروسة"، وكأن المجتمع صار مهووسا بالاستهلاك ولا شيء غير الاستهلاك!، لافتا إلى أن القيم والعادات والتقاليد التي كانت قائمة في مواجهة الأزمات الاقتصادية لم تعد موجودة الآن.
ويضيف عايش أن المجتمع الذي باتت هوايته اليومية هي استهلاك بلا تحفظ، أدى إلى معاناة الأسر اليوم من عجز مستمر، وتفاوت كبير بين الدخل والاستهلاك، معرفا ذلك بأنه شكل من أشكال التشوه التي أصابت طبقات المجتمع حتى صار برمته مديونا.
وبدوره، يشير اختصاصي علم الاجتماع، الأستاذ المشارك في جامعتي مؤتة والبلقاء التطبيقية، الدكتور حسين محادين، إلى أن "الشخصية تتكون من بُعدين متكاملين؛ بُعد مادي، وبُعد اجتماعي، حتى تكون الأسرة مقبولة من قبل الآخرين في تشاركها في الحياة الاجتماعية".
وهذان البعدان قائمان على قاعدة اقتصادية، إلا أن المشكلة تكمن في أن أغلب الأسر الأردنية لا تستطيع أن تفي توازن دخولاتها الشهرية مع نفقاتها، الأمر الذي يدفعها، في ظل انتشار ثقافة الاستهلاك المظهري، إلى اللجوء إلى نظام التقسيط الذي يثقل كاهلها في النهاية لما يحمله من أعباء إضافة لا طاقة للأسر بها.
ويؤكد محادين ضرورة أن يتلاءم الإنسان مع واقعه، وأن تكون مغامراته المالية محسوبة، مؤكدا أن هذا السلوك الاستهلاكي المظهري المفرط كثيرا ما يكون على حساب تحقيق المطالب الأسرية والاجتماعية الأساسية.
ويرى أن هذا النوع من الاهتمام بالمظاهر يحدث نوعا من الاهتزاز والاختلال في هوية الأسرة التي تثقل كاهلها بطموح أكبر من دخلها الحقيقي، وهنا يظهر البعد المظهري الذي يفاقم المشكلة.
وفي مضمار علم النفس، يشير اختصاصي علم النفس، الدكتور محمد الحباشنة، إلى أن المجتمع الحالي مجتمع استهلاكي يعتمد على المظهر، بسبب الكماليات التي صارت تحسب حساب الأساسيات في حياة الناس.
ويأسف الحباشنة كثيرا لظاهرة تقييم الآخرين على أساس ما يملكونه ويستهلكونه من ماديات، غير آبهين بما تملكه شخصياتهم من قيم معنوية واجتماعية وروحية. " الغد "