ما الفرق بين النفاق والذكاء الاجتماعي؟

المدينة نيوز-: لطالما شكل التعامل مع الآخرين هاجساً للنفس البشرية، وهو هاجس لأي شخص، بحسب المحيط الذي يكون فيه، وسببه الأولي هو حاجة الإنسان العاطفية للاندماج والاختلاط بغيره من بني جنسه.
من منّا يستطيع الاستغناء عن علاقته بالآخرين، فالحياة مختبر تفاعلي حي يعتمد على الاستفادة والإفادة. أما الانطوائية، فهي "مرض يؤذي النفس ويزيد من السلبية، ويؤذي نمو العلاقات الشخصية مع الآخرين".
ويتمكن كثيرون من تحقيق النجاحات والأهداف بسهولة بسبب ما يتمتعون به من ذكاء اجتماعي. وهنا قد يتم الخلط بين "الذكاء الاجتماعي" كقدرة ذكائية ومهارة شخصية تساعد صاحبها على النجاح في حياته، وبين "الوصولية والنفاق" التي قد تحقق بعض النجاحات لصاحبها، ولكن على حساب التخلي عن الكثير من القيم والأخلاق المهمة، ما يؤذي النفس والآخرين كنتيجة نهائية.
فما الفرق بين "النفاق الاجتماعي" و"الذكاء الاجتماعي"؟
قد يكون "الذكاء الاجتماعي" هبة تمنح للناس بنسب متفاوتة، فقد نلاحظ مهارة أحد الأطفال منذ الصغر في التعامل مع الآخرين بأريحية، فتجده اجتماعياً، يحب التعرف على الوجوه الجديدة، جريء ومسل. وما يجدر ذكره في هذا السياق أن الإنسان يستطيع أن يطور هذا النوع من الذكاء في نفسه بالتدريب وتعريض نفسه للتجربة والتعلم المستمر.
وليس من الضروري أن يكون الشخص على مستوى عالٍ من الذكاء العلمي أو ما يعرف بـ IQ، حتى يعد من الأذكياء اجتماعياً، بل قد يكون العكس تماماً وهذا ما نجده عند بعض العلماء والعباقرة، فقد كانوا على مستوى من الذكاء العلمي ولكنهم لم يتمتعوا بالنجاح على المستوى الاجتماعي، وذلك لعدم احتكاكهم بمجتمعهم وانفتاحهم على الآخرين، فلم يتعلموا مهارات التعامل مع الناس بفعالية، ولم ينجحوا في صقل مهاراتهم الشخصية بما يضمن لهم بناء العلاقات القوية مع الآخرين.
الذكاء الاجتماعي مهارة من مهارات الذكاء العاطفي، ومن أهم مقوماته الصبر والهدوء وحسن الظن بالآخرين، والقدرة على التعامل مع المواقف ومع الناس بفعالية، وهو قابلية الفرد على التعامل مع الظرف الاجتماعي المحيط بما يضمن تحقيق أفضل النتائج على الصعيد الشخصي والعام، وتفادي الإحراج وإيذاء الآخرين أو إيذاء الذات.
ومن الضروري أن نشير إلى أن الذكاء الاجتماعي مرتبط بالأمور الاجتماعية والتجارب الحياتية التي يكتسبها الفرد؛ حيث يعكس هذا النوع من الذكاء قدرة الفرد على فهم وإدراك وملاحظة مشاعر الآخرين وحالاتهم المزاجية، واستيعاب احتياجاتهم، كما يعكس القدرة في تعامل الفرد مع الآخرين بما يناسب شخصياتهم، ويضمن التواصل البناء وتحقيق الأهداف المرجوة من عملية التواصل، والنجاح في بناء العلاقة الإنسانية القوية سواء عاطفية، شخصية أو مهنية.
أما عن الانتهازية والوصولية (النفاق الاجتماعي)، فأصل كلمة "انتهازية" في معناها اللغوي وهو (نهز) بمعنى اغتنم. والانتهاز هو المبادرة، فالإنسان العاقل هو الذي يغتنم الفرص ويستثمرها من أجل أهداف معينة تختلف باختلاف
رغبات صاحبها. فقد تكون محدودة ضيقة الأفق لا تخرج عن إطار المنفعة الذاتية قصيرة الأمد أو قد تكون أهدافاً سامية يكافح الإنسان في سبيل تحقيقها ويضحي بالغالي والنفيس من أجلها، وعند ذلك يصبح استغلال مثل هذه الفرص المتاحة عملاً مشروعاً أو واجباً إنسانياً.
إذن فانتهاز الفرص ليس عملاً مذموماً جملة وتفصيلاً ولكن ما يهمنا هو الانتهازية بمفهومها السلبي في الظاهر والمضمون والذي أصبح داءً عضالاً تعاني منه الأمم والحضارات والمجتمعات.
فهو مرض يحول الناس إلى مجموعة من الانتهازيين النفعيين الذين يفرطون بكل شيء من أجل تحقيق مآربهم الخاصة ويعطونها الأولوية على كل ما يمس القيم والمبادئ، وتلك هي الشخصيات التي تشكل عقبة أمام رقي الأمة في طريق ورفعتها.
وهنا يجدر التوقف للنظر في هذا النوع من الثقافة التبريرية التي زرعها الانتهازيون والمنافقون، لتبرير ممارساتهم النفعية على حساب أي شيء آخر. " الغد "