مبادرة المائدة

نحن بحاجة ماسة تصل الى درجة الضرورة إلى مبادرة؛ تجمع كل الأطراف والقوى السياسية والمجتمعية والشخصيات الوطنية، حول طاولة مستديرة للحوار الجدي والمسؤول، بشأن الوضع السياسي الأردني في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها الشعوب العربية، ويمر بها الإقليم العربي بإجمال، من أجل التوافق على مجمل القضايا الرئيسية التي لا تحتمل الاختلاف، ولا تحتمل التأجيل والتسويف.
نحن الآن نعبر مرحلة انتقالية، تتخللها تغيرات مجتمعية شاملة، نحتاج فيها الى توقف ومدارسة واعتبار عاقل، والشروع برسم خارطة طريق، تحدد الأدوار والواجبات، التي ينبغي أن يشارك في حملها وادائها كل المواطنين، أينما كانت مواقعهم، وحيثما كانت توجهاتهم الفكرية والسياسية.
ينبغي التوافق على المرجعية الوطنية العليا التي تمثل ثوابت الدولة، ومصالح الشعب العليا، التي تسمو فوق المصالح الفردية والجهوية والحزبية، كما يجب التوافق على معالم الدولة المدنية الوطنية الديموقراطية، وقواعد العملية السياسية التي تستوعب جميع القوى السياسية والمجتمعية، دون إقصاء لأي طرف، ودون تهميش لأي قوة وطنية تنتمي لهذه الدولة، مهما كانت درجة الاختلاف السياسي والفكري.
الاختلاف السياسي والفكري ينبغي أن لا يكون خلافاً على الدولة وحفظ استقرارها وأمنها وهيبتها، وينبغي أن لا يكون خلافاً على الهوية الوطنية، والمرجعية الحضارية الواحدة، كما أن الاختلاف السياسي يجب أن لا يؤدي الى انقسام مجتمعي!وان لا يؤدي الى الفرقة والضعف والتشتت، وان لا يؤدي الى اعاقة الأداء الجمعي الذي يهدف إلى تحقيق النمو والازدهار والتقدم المطلوب، وتحقيق الإصلاح الوطني الشامل الذي يتحدث عنه كل الأطراف بلا استثناء، ويمثل الغاية المعلنة للجهات الرسمية والشعبية على حد سواء.
هناك بعض الدول التي خاضت تجربة التغير الديمقراطي بنجاح، واستطاعت الانتقال السلس من شكل النظام الفردي المطلق؛ إلى النظام الديمقراطي الحديث، دون فوضى ودماء، ودون اللجوء الى العنف والاقتتال الداخلي، ومن هذه التجارب المعاصرة تجربة بولندا؛ حيث استطاعت الانتقال نحو النموذج الديمقراطي بسلاسة، عندما تم طرح مبادرة سياسية أطلق عليها «مبادرة المائدة» التي استطاعت جمع كل الأطراف السياسية والقوى المجتمعية حول مائدة مستديرة، من أجل الاتفاق على شكل الدولة الجديدة، وقواعد اللعبة السياسية، والثوابت الوطنية العليا، قبل الذهاب الى صناديق الاقتراع، وقبل الشروع في عملية التنافس السياسي والبرامجي بين الأحزاب والقوى السياسية. وحدثت تجربة مماثلة في اسبانيا في أواسط سبعينات القرن الماضي، عندما تحولت اسبانيا من الحكم الديكتاتوري المطلق الى الملكية الدستورية الحديثة، التي ينعم في ظلها الشعب الإسباني.
نحن في الأردن نمتلك فرصة التحول السلمي الهادئ، الى النموذج الديموقراطي الحديث ، من خلال مبادرة تحمل هذه السمات وهذه المنطلقات وهذه الأهداف، والشروع بحوار جدي ومسؤول يملك مقومات النجاح وشروطه، بمشاركة جميع القوى والأطراف الفاعلة، على المستوى الرسمي والشعبي،دون وصاية او هيمنة من اي طرف،مع الحرص على توفير اعلى درجات الثقة المتبادلة بين الاطراف المتحاورة،والعمل على ايجاد ضمانات تنفيذ توصيات الحوار، واحترام المخرجات التي تم التوافق عليها،من خلال وضع آليات تطبيقها،وتحويلها الى برنامج عمل،وقوانين واجراءات وسياسات.
( الدستور 2-10-2013 )