مَن يراهن فعلاً على أحداث سوريا؟

يلوم تيار "8 آذار" التيار المناوئ له (14 آذار) على مراهنته "الخاطئة" على مجريات الأحداث في سوريا. لكن علامَ يراهن "8 آذار" نفسه، وهل هناك أكثر وضوحاً من ارسال "حزب الله" قوات للقتال الى جانب النظام السوري؟ اذا كان الرهان هو نفسه، ولو باتجاهين مختلفين، فلماذا التلاوم؟ فالنظام قَتل ودَمّر كثيراً ولم ينتصر بل خسر إمكان استعادة الحكم، والشعب يقاسي ويعاني كثيراً ولم ينهزم كما لم يفقد الأمل في تغيير النظام. للحاضر، للمستقبل، وللتاريخ كان المنطق السويّ، لا السياسي ولا الطائفي - المذهبي، يفترض وقفة لبنانية أقرب الى الشعب السوري، أياً كان التيار "الآذاري" ورهاناته.
طبعاً، الانقسام اللبناني حاصل، ولم يعد ممكناً إنكاره أو تداركه أو تجاوزه. قبل الانسحاب السوري كان لبنان يُحكم من دمشق، وبعد الانسحاب ارتسم خيار أن يُحكم ذاتياً بلا وصاية لكنه أُفشل من الداخل. قبل الأزمة السورية ازدوجت الوصاية في ثنائية سورية - ايرانية شبه متوازنة، وبعد الأزمة اختلّ التوازن ليصبح لبنان محكوماً من طهران بواسطة "حزب الله". غير أن القاعدة الأساسية لهذا الحكم كانت تعطيل الدولة والحكم، بعد تعطيل الحكومة سواء كانت "وفاقية" أو "انقلابية من لون واحد"، وسواء كان السبب ضلوع "حزب الله" في الاغتيالات السياسية أو تورّطه في الصراع داخل سوريا.
ثم، أخيراً، بلغ العنت مرحلة تعطيل تشكيل الحكومة، واطلاق الأكاذيب لتبرئة الذات وتبرير هذا التعطيل، رغم تهديد صريح ومباشر باستخدام العنف اذا لم يخضع التشكيل لإملاءات "السلاح غير الشرعي". فالمطلوب، اذاً، حكومة يحكمها هذا السلاح، أو لا حكومة. في كل الأحوال، البلد ليس مستفيداً من تعطيل التشكيل، وإذا كان المستفيد مَن ينتظر التطوّرات في سوريا فهذا يشمل الجميع، لكن هذا غير واقعي. فثمة مَن يراهن على اللاتغيير في سوريا ليشرع في فرض تغيير لـ "وفاق الطائف" في لبنان استناداً الى سطوة السلاح.
رغم أن "حزب الله" أقرب الى "الحرس الثوري" الايراني منه الى الحكومة الاصلاحية الراهنة في طهران، إلا أن انفتاح الأخيرة على الولايات المتحدة ودول الغرب واقتراب خروج ايران من أزمتها يفتحان أمام الحزب رهانات جديدة تشجعه على مزيد من التصلّب والعربدة داخلياً.
فالتسوية الايرانية مع اميركا قد تستدرج صيغة رعاية ثنائية للبنان على غرار التفاهم الحاصل على العراق، ليعني ذلك اعترافاً بنفوذ ايران - "حزب الله" وربما تبديلاً في الأدوار على مستوى اثنتين من الرئاسات الثلاث. قد يقال إن التداعيات المتوقعة لأحداث سوريا تتطلّب مثل هذه الرعاية، فضلاً عن ضرورة إنهاء "المقاومة" لاسرائيل و"شرعنة" السلاح غير الشرعي.
( النهار اللبنانية 3-10-2013 )