التهنئة بالعيد عبر " الرسائل الخلوية" تثير جدلا بين الاردنيين

المدينة نيوز - سهير جرادات – جرى العرف مثلما هي تقاليدنا وعاداتنا الدينية والاجتماعية الموروثة عند تبادل التهاني بالمناسبات السعيدة على ان يحذو الناس من مختلف الشرائح الاجتماعية حذو السلف الصالح والعلماء والوجهاء في المجتمع بالاضافة الى الاجداد والاباء ان يغتنمونها فرصة للتعبير عن مشاركتهم لارحامهم واقاربهم والجيران والمعارف فرحتهم في العيد .
ولما كانت ثورة التكنولوجيا قد اتاحت وسائل حديثة وسهلة مثل الرسائل القصيرة (اس ام اس ) ذات التكلفة البسيطة لتبادل مثل هذه التهاني والتواصل بين الناس فانها تغني كما يرى البعض عن التواصل المباشر في مثل هذه المناسبات.
بينما يعتقد آخرون ان مثل هذه الرسائل القصيرة التي تتزايد مع قرب حلول الاعياد مثل عيد الفطر السعيد وعيد الاضحى المبارك والمناسبات المختلفة، تأتي من باب رفع العتب كونها لا تحمل مشاعر حقيقية عن التواصل والترابط بين الناس الا ان معنيين واكاديميين يعتبرونها مرغوبة اجتماعيا وتزيد الالفة والمحبة وتشيع الفرح بين الاهل والأصدقاء وخاصة بين الذين يتباعدون في مختلف قارات العالم.
هي نظرة تحمل مفارقة بين الناس لانها من وجهة نظر قد تزيد من العزلة والاتكالية بين افراد المجتمع وتقلل من الزيارات الاسرية وصلة الرحم فيما البعض يراها وسيلة لوصولها لاكبر عدد ممكن من الأهل والأصدقاء بسرعة ودون مشقة.
"أكثر من 25 مليون رسالة خلوية محلية ودولية تداولها الاردنيون للتهنئة بحلول شهر رمضان المبارك هذا العام، بتكلفة تقدر بحوالي 750 ألف دينار" بحسب تقديرات مسؤولين في شركات الخلوي المحلية.
تبلغ تكلفة سعر الرسالة القصيرة المحلية ثلاثة قروش مقابل ستة قروش للرسالة الخلوية الدولية، ولا يزيد محتوى الرسالة على 160 حرفا باللغة الإنجليزية و 69 حرفا بالعربية للرسائل القصيرة التي بدأت خدماتها في منتصف التسعينيات من القرن الماضي.
مثل هذه التهاني لم تعجب المواطن سليمان السالم الذي يجد في ارسالها نوعا من الاسراف "لان قيمة الفواتير تتضاعف للشهر الذي تكثر فيه الاعياد والمناسبات بسبب تبادل التهاني" فيما يعتبر المواطن غالب الصوراني ان المبلغ الذي يصرف على التهاني وان تزايد، الا انه يبقى اقل من تلك المبالغ التي تنفق على اثمان الطوابع والاجور البريدية او الذهاب الى الاشخاص في اماكنهم المتباعدة" معتبرا ان سهولة ارسالها تجعل الشخص يتمادى ويكثر من ارسالها لجميع معارفه ولا يقتصرها على الاصدقاء.
فرضت التكنولوجيا واقعا جديدا واحدثت تطورا في العادات التواصلية بين الناس واصبحت من متطلبات العصر وفقا لقول محمد الاعسر الذي يضطر الى تبادل التهاني عبر الرسائل الالكترونية مع افراد عائلته المتواجدين خارج المملكة، "ولضيق الوقت ايضا فانني اجد بالرسائل وسيلة للتواصل مع اصدقاء الدراسة في مختلف محافظات المملكة".
وفي الوقت الذي يستهجن فيه الخمسيني ابو خالد ارسال التهنئة عبر الخلوي معتبرا اياها تقاعسا عن اداء الواجب الديني وتعطيل لصلة الارحام لخلوها من المشاعر الحقيقية، الا انه يراها " مجرد وسيلة لرفع العتب كونها لا تحمل اي خصوصية اذ ان اكثر تلك الرسائل تكون جاهزة والشخص لا يكلف نفسه عناء انتقاء العبارات وصياغتها".
ووجد الطلبة الجامعيون عمار ورنا وزين وضياء وروان ان تبادل الرسائل عبر الخلوي و( الفيس بوك) والبريد الالكتروني شيء جميل يجعلهم اكثر ارتباطا مع اصدقاء المدرسة والطفولة.
استاذ الفقه واصوله الدكتور محمد تيلخ يؤكد ان تبادل رسائل التهنئة بين الناس يدخل في اطار التواصل مع افراد المجتمع وصلة الارحام ويتوافق مع الشريعة الاسلامية وتعاليمها السمحة بما تحمله من جوانب ايجابية في التواصل والتراحم.
"ان الاصل في تبادل التهاني مباح دينيا بما تشيعه من محبة وتراحم بين المسلمين، تؤدي الى تقوية اواصر الود والمحبة، ما لم يأت دليل ينقلها من حكم الإباحة إلى حكم آخر " حسب ما يقول تيلخ الذي يوضح "ان المباحات قد يتغير حكمها إذا اقترن بها مصلحة فتنتقل للاستحباب أو الوجوب، شريطة ان لا تحتوي محظورا شرعيا".
ويرى اخصائي علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي ان الرسائل الخلوية والتهاني الالكترونية رغم انها اصبحت لغة التواصل لسرعتها وقلة تكلفتها، الا انها لا تحمل ابداعا في التعبير لان معظم الرسائل جاهزة ما سهل على غير المبدعين لغويا وغير المتمكنين من اللغة استخدامها لتقوي علاقاتهم مع الاهل والأحبة خارج حدود الوطن، وتعيد الصداقات القديمة بين الناس.
ويؤكد ان الرسائل القصيرة اصبحت اداة تكنولوجية سهلة لمثل هذه المناسبات اذ انّ المشترك يستطيع التواصل ومعايدة اكبر عدد من معارفه ب (كبسة زر)، مع اتاحة الجهاز الخلوي الارسال لمجموعات او جميع الاسماء المحفوظة في ذاكرة الجهاز، الامر الذي يوفر الوقت والجهد على المشتركين المنشغلين بامور الحياة اليومية.
تبدي رحاب امتعاضها من كثرة انشغال زوارها بالرد على رسائل التهنئة ما يفقد الزيارات والمعايدات المنزلية بهجتها ورونقها، "اذ يتلاشى الحديث ويتقطع مع كل رنة مع اختلاف موسيقاها من هاتف لاخر" .
اظهرت دراسة اعدها الدكتور الخزاعي هوس الاردنيين بارسال الرسائل الخلوية حيث يبلغ عدد الرسائل المتداولة 2334 رسالة في الدقيقة، أي 140 الف رسالة في الساعة، لتبلغ ثلاثة ملايين رسالة في اليوم اضافة الى النوع الجديد من الرسائل التي ترسل عبر البريد الالكتروني لسهولتها وقلة تكلفتها، الى جانب انها متاحة تقريبا للجميع وتحقق الهدف المنشود منها الا وهو تبادل التهاني وتقوية اواصر المحبة ونشرها بين الناس.
لن تغني الرسائل الالكترونية رغم ما تشيعه من الالفة والمحبة بين الناس عن المصافحة وتبادل الزيارات المنزلية بمناسبات دينية تحمل بهجة وفرحا بالاعياد او بزيارة مرضى في المستشفيات يحتاجون الى من يواسيهم ويخفف عنهم آلامهم او زيارة مسنين في مأوى العجزة يتوقون الى من يخرجهم من عزلتهم او من يخفف عنهم مصائبهم.