أب "يعيَد" ابنته ضربا مبرحا لخروجها مع صديقتها في عيد الفطر
المدينة نيوز - على غير ما تحلم به الفتيات في عمرها، عاشت سناء ذات العشرين ربيعا، عطلة عيد الفطر تحت الألم، واللحظات القاسية، مخلفة في ذاكرتها رصيد ذكريات تتمنى نسيانها.ضرب مبرح، خلف آثارا واضحة على جسد سناء، وهذا اسمها المستعار، رافضة تسجيل القصة باسمها الحقيقي، حتى لا تزيد حالتها سوءا، كما
أفصحت.
كان الضرب مقدمة أولى أيام العيد بالنسبة لها، ليضاف ما عانته الى سجل العنف الأسري الذي تقول إنها عاشته فيما مضى وكانت قد اعتادت عليه، لكنها حين اعتقدت أن ما كانت تتعرض له من عنف قد وضعت له "نهاية" منذ أعوام، وجدت نفسها في مواجهة مع موجة العنف، لتبدل كل قناعاتها مع عودة ذويها الى تعنيفها بشتى الأساليب ومنها الضرب المبرح، رغم أنها فتاة ناضجة وواعية.
"طالما صدقت ما يقوله لي إحساسي" تقول سناء، وهي تسرد قصة عنف عاشتها منذ أيام، مشيرة الى أن نوبة "انقباض" لازمتها منذ خروجها مع صديقاتها لتناول العشاء، كانت تنذر بشؤم ينتظرها بعد أقل من ساعة واحدة في المنزل.
وما إن عادت الى البيت تقول "لم أكن أعلم أنني سأتلقى عقابا على خروجي مع صديقاتي، ووجدت نفسي تحت أقدام والدي، وكراسي غرفة الجلوس تتطاير من حولي وباتجاهي".
وبألم تبين أنه "لم يكن لي أي اعتبار ساعتها، وأن الذي أتعرض له من ضرب وقسوة كانا يدبان في الرعب والذهول مما يجري، إذ لم أستطع الدفاع عن نفسي في مواجهة كل هذا العنف".
كانت سناء التي تسرد قصتها متلعثمة تقول "لا أعرف ما الذي حدث أبدا، ولماذا.. لماذا؟"، فالكلمات كما تحاول أن تعبر، تعجز عن البوح بما في داخلها من خوف، وعدم القدرة على الكشف عن صدق ما تشعر به.
وتضيف أن في داخلها جرحا كبيرا، بسبب القهر الذي تشعر به، خصوصا وأنها تصف نفسها بـ"فتاة اعتادت على أن تترك أثرا كبيرا عند من عرفهم، سواء أصدقاؤها أو في عملها"، نظرا لقوة شخصيتها التي تمكنت من تكوينها بذاتها، تلك القوة التي لم تعد اليوم كما تقول "قادرة على إظهارها، جراء تغلب الإهانة التي تعرضت لها، عليها".وتضيف "لن أنسى الشر الذي رأيته في وجه والدي وعدم رأفته بي"، مشيرة الى أنها عجزت حتى عن الذهاب الى مركز صحي لمعالجة آثار الضرب، خوفا من استجوابها، وتقول إنها تخجل من أن يراها أحد، ويسألها عما حدث لها بسبب آثار الكدمات على جسدها.
في السياق نفسه، تعلق الناشطة في القضايا النسائية إميلي نفاع على قصة سناء التي تشبه قصصا كثيرة، تحدث باستمرار في المجتمع الأردني، بأن هذه النوع من قضايا العنف ضد النساء، مستشر ومستفحل في المجتمع، معتبرة أن "ما حدث مع سناء جريمة بحق الإنسانية"، ذاهبة الى أن ظاهرة تعنيف النساء بالضرب أضحت مقلقة وتهدد بالانكسار الاجتماعي بين فئات هذا المجتمع.
ويتفق مع نفاع أستاذ علم الاجتماع في جامعة البلقاء التطبيقية الدكتور حسين الخزاعي الذي يرى بأن التربية والتهذيب والتوجيه عن طريق العنف، لن يؤدي الا لمزيد من العنف والتمرد، لا سيما عند الفتاة التي ما تزال تعيش في كنف والديها والتي يولد الضرب لديها صدمة نفسية اجتماعية، مما يهدد بنقل ما تتعرض له من عنف الى أسرتها عندما تتزوج ويصبح لديها أولاد.
ويزيد الخزاعي "أن قلة الوعي بالأضرار الناجمة عن العنف لدى الأهل الذين يضربون أولادهم، تؤدي الى حدوث مخاطر تصيب المعتدى عليه بشكل خاص، والمجتمع بشكل عام، ما يسهم في نشوء نماذج عنيفة مردها التنشئة الخاطئة".
"الحوار وليس العنف والتعذيب" هو ما تصر عليه الإعلامية والناشطة في قضايا المرأة رنا الحسيني، لتربية أبنائنا، مستهجنة ما تعرضت له سناء من إيذاء باتت أشكاله تتكرر، وليس هناك "مبرر لإيذاء نفس بشرية".
وتستنكر الحسيني، موقف والد تلك الفتاة الذي "حوّل" دوره كأب ورب أسرة خلال أيام العيد من الإسهام في خلق كل ما يفرح ابنته الى خلقه شعورا بغيضا لدى ابنته التي لن يكون مستغربا، أن تنمو في دواخلها بذور كراهية لأبيها.وترى الحسيني أن على المنظمات التي تنادي بحقوق المرأة وحتى المؤسسات الإعلامية أن يرسخوا باستمرار نبذ العنف ضد النساء، ويستعرضوا آثاره وتبعاته على الضحية والمجتمع على وجه العموم، لافتة الى أن كثيرا من العنف الذي يقوم به الأهل ضد أولادهم يرتد الى غضب يعتصر أبناءهم وينفذ الى أرواحهم القلقة.
وهذه النقطة يلفت اليها دكتور علم النفس محمد الحباشنة، ويضيف أن ما حدث مع سناء نتاج لطرق تعامل اعتادت عليها داخل أسرتها، مبينا أن معظم الفتيات اللواتي يخرجن من منزل يسوده العنف، ترتبك شخصياتهن، ويصبحن مهزوزات.
ويضيف أن الآثار النفسية التي يخلفها الضرب، تعطل قدرة الاستيعاب الذهني والتواصل المهني والذكاء الاجتماعي لدى الضحية، ومهما اعتقدت سناء أو غيرها على وجه الخصوص بأنها ستتغلب على ما خلفته
تجربتها فيها، إلا أنها وفي لحظة ما، ستكتشف أن الضرب الذي تعرضت له يزحزح شخصيتها ويعدم ثقتها بنفسها وبالآخرين، ما يجعلها ربما تحاول الانسحاب من العالم بطرق مختلفة.
وتعود نفاع لتنادي بضرورة تفعيل العقوبات على المعتدين على أبنائهم بالضرب وتفعيل القوانين الصارمة بحقهم، حتى يكونوا مثالا لغيرهم ويكونوا دليلا قاطعا على أن سلوكياتهم وأفعالهم خاطئة بحق النفس والمعاني الإنسانية، مبينة أن هناك 90% جرائم صامتة تبقى خلف الجدران، ولا يعرضها الضحية كما حدث مع سناء، خوفا من تفاقم المشكلة والخضوع للوم الاجتماعي.
وهو ما يرفضه مدير إدارة حماية الأسرة العميد محمد الزعبي، الذي يؤكد على ضرورة تقديم ما تتعرض له الضحية من عنف الى المؤسسات المناهضة لذلك، كاشفا عن أن أي شكوى تقدم الى الإدارة يتم التعامل معها بسرية، يتبعها عدة إجراءات قانوينة.
ومن تلك الإجراءات، يضيف الزعبي، "فحص طبي للمعتدى عليه وتحقيق مع الجاني، يؤدي به الى إجراء تعهد بعدم الاعتداء على المشتكي مرة أخرى، أو إحالة المعتدي إلى القضاء وفتح ملف دراسة اجتماعية لحالة الضحية، وغيرها من الإجراءات، الأمر الذي يبين عدم استهانة تلك المؤسسات بما يحدث من عنف أسري".