بحر من الجثث

تم نشره الأربعاء 16 تشرين الأوّل / أكتوبر 2013 12:32 صباحاً
بحر من الجثث
الياس حرفوش

جثث الغارقين في مياه البحر المتوسط تؤرق الضمير الاوروبي، لكنها لا تقلق أي ضمير آخر، ولا تقلق خصوصاً ضمائر المسؤولين في الدول التي ينتمي اليها هؤلاء الضحايا. في اسبوعين تجاوز عدد الذين قتلوا وهم في طريقهم الى «الجنّة» الاوروبية الموعودة 400 شخص. تحركت اجهزة الانقاذ في الدول التي تتعرض شواطئها لهذه الغزوات، وخصوصاً ايطاليا ومالطا، لاتخاذ اجراءات تسمح بمساعدة من تتهددهم هذه الكوارث المتلاحقة، سواء بإنقاذ من يمكن انقاذه منهم، او بمنع هذه الرحلات الخطرة من الإبحار من الموانئ التي تهرب منها، وهي في معظمها موانئ دول عربية وأفريقية، باتت فيها تجارة الهجرة الى اوروبا اكثر رواجاً من تجارة المخدرات.

وبينما يقلق الضمير الاوروبي، حيث باتت قضية استقبال المهاجرين هاجساً كبيراً امام حكامه، ماذا يفعل «الضمير» في الدول التي يعرّض ابناؤها انفسهم للموت، في سبيل الخروج من بلدانهم ورمي جنسياتها في البحر؟ ماذا يفعل ذلك الضمير (في الدول العربية المعنية) غير النوم، وتوجيه التهم الى الغرب «الاستعماري» بأنه لا يفتح ابوابه واسعة امام هذه الهجرات؟

7500 سوري و7500 اريتري هربوا الى ايطاليا هذه السنة. 4600 تركوا ليبيا في شهر ايلول (سبتمبر) الماضي بالمقارنة مع 755 في ايلول 2012. عام 2013 سجل اعلى نسبة هجرة عبر المتوسط الى شواطئ اوروبا. هذه بعض الارقام المفزعة من مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين، تحصي بعض الارقام، لكنها لا تحصي مآسي مواطني دول اخرى، من بينها لبنان والعراق ومصر، اضافة الى الهجرة التقليدية من دول شمال افريقيا الى دول الجنوب الاوروبي.

هناك طبعاً «تجار بشر» يستغلون مآسي الناس وحالات اليأس التي يعانون منها، ويسرقون اموالهم مقابل وعود بإيصالهم الى دول اوروبية توفر لهم فرص اللجوء. وهناك طبعاً قوانين اوروبية هي اليوم اشد قسوة مما كانت عليه قبل عشر سنوات او عشرين، في مجال فتح الابواب للمهاجرين، بسبب الازمات الاقتصادية التي تواجهها هذه الدول، ووضعها اولوية الاهتمام بشعوبها قبل اي اولوية اخرى.

لكن، في مقابل هذا وذاك، هناك دول في منطقتنا بات العيش فيها، في نظر شعوبها، هو بمثابة موت يومي. لذلك، يغامر هؤلاء بأرواحهم، بعد ان اصبح الموت والحياة سيّان بالنسبة اليهم. لا تمنع الكوارث المتلاحقة التي تنتهي بغرقهم في مياه البحار والمحيطات من تكرار التجربة. حتى بات هذا العام بين أعلى الاعوام التي تسجل فيها ارقام الهجرة المرتفعة عبر البحر المتوسط الى اوروبا.

لم يبالغ رئيس وزراء مالطا في اعتبار هذا البحر الازرق، الذي كان عنواناً للشواطئ الخلابة، «مقبرة للمهاجرين». لقد تحولت مالطا وإيطاليا الى اكثر بلدين اوروبيين يعانيان اليوم من ذيول هذه الهجرة، اذ تحولت شواطئهما، بسبب قربها من شواطئ الدول العربية والافريقية على الضفة الاخرى من البحر، الى اول محطة للدخول منها الى القارة الاوروبية. غير ان هذه الدول ليست سوى محطة اولى. فهدف القادمين الى اوروبا ليس دول الجنوب الاوروبي (ايطاليا وإسبانيا واليونان...) التي تعاني هي ايضاً اوضاعاً اقتصادية صعبة. انما هدفهم هو الشمال الاوروبي، وبالاخص المانيا وبريطانيا والدول الاسكندنافية، التي لا تزال تتمتع بظروف اقتصادية اكثر استقراراً، وبالتالي يعتبر المهاجرون ان فرص الافادة من خدماتها الاجتماعية هي اكثر منالاً. في هذا الاطار، يشار الى ان عدد المهاجرين الى المانيا في العام الماضي بلغ 4 أضعاف عدد الذين هاجروا الى ايطاليا مثلاً.

لن تستطيع اوروبا، على رغم كل اجراءاتها، ان تلغي صورتها الجذابة كقارة مغرية لطالبي اللجوء والباحثين عن فرص حياة افضل. ومن الصعب ان ننتظر ان تتحول دولنا، في غفلة عين، الى دول قادرة على توفير حياة كريمة لمواطنيها. انها ازمة مفتوحة، لا أمل معها سوى ان يكون البحر اكثر رحمة بالذين يعبرونه الى الجنّة الموعودة.

( الحياة 16/10/2013 )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات