"الفضفضة" وسيلة حيوية للتخفيف من هموم النفس

المدينة نيوز:- البحث عن الراحة والتخفيف من الضيق والقلق هو ما يدفع الثلاثينية هناء مقداد التي تلجأ لصديقة عمرها لتلقي على مسامعها ما يشعل صدرها، فتشاركها هذه الصديقة همومها وانشغالاتها.
"أسعى دائما للفضفضة بكل ما يجول في خاطري لصديقتي"، واصفة الراحة والسعادة التي تشعر بها بعد الانتهاء من الكلام، "وكأن حملا ثقيلا أزيح من على كتفي".
الخمسينية سلام حماد، هي الأخرى، تعتبر الفضفضة خلاصها من الضيق الذي يسيطر على نفسها، لاسيما عندما تواجهها بعض المشاكل والمتاعب التي تكدر صفو حياتها.
"الفضفضة للشخص المناسب تخفف كثيرا من حدّة المشاكل وما تسببه من عناء نفسي"، هكذا تقول، معتبرة أن "منح النفس مساحة واسعة من الفضفضة مع الشخص المناسب تمنح جرعة معنوية فعالة، إذ تُعِين على إكمال المسير بمزيد من الثقة".
وتضيف أن اختيار الصديق المناسب ليس بالأمر الهين، لافتة إلى أن عشرة ثلاثين عاما مع صديقتها جعلت منها الشخص الأنسب لهذه المهمة الصعبة على الإطلاق، وفق تجربتها.
في حين تجد العشرينية إيمان أبو الليل في الفضفضة لأختها التي تصغرها بعام، مهربا حقيقيا من كافة الضغوط والمشاكل التي تواجهها في حياتها، خصوصا تلك التي لا يمكن أن تبوح بها لأي شخص آخر.
تقول "أشعر وأنا أفضفض لأختي كأنني أتكلم مع نفسي في المرآة"، مضيفة أن وجود أختها إلى جانبها مهمّ جدا في حياتها، حيث يولد لديها إحساسا كبيرا بالراحة.
وتجد أبو الليل في الفضفضة سبيلها الوحيد للتخلص من الهموم التي تثقل كاهلها، ووسيلة لترتيب الفوضى العارمة التي تعج بها حياتها.
إيجاد الشخص المناسب الذي يمكن ائتمانُه على تفاصيل الحياة هو ما يجعل الثلاثينية ميساء حمودة تفكر مليا قبل البوح بأي أمرٍ يقلقها.
"أشارك صديقاتي وأسرتي همومي اليومية ومشاكلي المادية ". لكن ميساء تعتبر مشاكلها الخاصة، وأسرارها، حكرا عليها وحدها، ولا يمكن البوح بها لأي كان.
يشير اختصاصي علم النفس، الدكتور محمد الحباشنة، إلى أهمية وجود شخص في حياتنا، يُصغي إلينا ويشاطرنا همومنا ويقدّر مشاكلنا، لافتا إلى أن الإنسان كثيرا ما لا يطيق ثقل الهموم التي بداخله فيبحث عمّن يخفف عنه حمله، حتى ينفّس عمّا بداخله.
بيد أن المشكلة، وفق الحباشنة، تكمن في إيجاد الشخص المناسب والموثوق به، حتى يفضفض له، متابعا أن الفضفضة سلاح ذو حدين.
فهي مفيدة وحيوية، ولكنها من ناحية أخرى قد تسيء إلى صاحبها، إذ قد يبوح الشخص بأسراره لشخص غير مناسب، أو غير قادر على توجيه النصح، أو ذي سوء نية، قد يستغل أسرارَه ضده، أو لأغراضه الشخصية فيما بعد.
على الشخص أن يختار الصديق بناء على مواصفات عالية، يقول الحباشنة، حتى لا يأخذ نصيحة خاطئة، مؤكدا أن الخيارات غير السليمة في انتقاء الصداقات تجعل الكثير يقعون في فخ الفضفضة، ولذا لابد من أن يكون الشخص الذي نفضفض له ذا عقل متزن، وجديرا بالثقة.
ويلفت الحباشنة إلى ضرورة أن تكون الفضفضة لمن نحبهم ويحبوننا، لأن فيها جزءا من تعريه الذات، والإنسان لا يتعرى أمام الغرباء، ثم لا بد أن تكون الفضفضة لدوافع سليمة، وليس فيها إساءة للآخرين، فمن خلال الفضفضة نعبّر عن مخاوفنا ومتاعبنا، بغرض البحث عن حل، وليس بدافع تشويه صورة الآخرين.
ويشير الحباشنة إلى ضرورة أن نكون على وعي بالموضوعات التي تصلح للفضفضة، معتبرا أن غياب الفضفضة هو سرّ جميع الأمراض النفسية التي تبدأ بالقلق وتنتهي بالاكتئاب.
الإنسان، في رأي الاستشاري الأسري مفيد سرحان، اجتماعي بطبعه، ولا يستطيع العيش بمعزل عن الناس، فهو يحتاج للآخرين، وإلى من يستطيع أن يشاطره همومه ومتاعبه.
ويلفت سرحان إلى أن الإنسان غالبا ما يبحث عن الشخص الجدير بالثقة، ومأمون الجانب، والذي يستطيع أن يقدم له النصيحة، ويحافظ على أسراره فلا ينشرها.
ويبين أن طبيعة العلاقات الأسرية لا تساعد كثيرا على أن يفضي الشخص بهمومه وأسرار إلى أحد أفراد العائلة، لذلك يلجأ الكثيرون للأصدقاء حتى "يفضفضوا"، ليقينهم أن هؤلاء لن يفشوا هذه الأسرار، بعيدا عن تناول أفراد الأسرة.
ويتابع" يفضل البعض ألا يعرف الأشخاص المقربون منه خصوصياته"، وخصوصا محيطه العائلي، ظنا منه أن البوح قد يؤثر على علاقاته معهم، أو يثير سوء الظن به من طرفهم، وهو يعزو ذلك إلى ضعف علاقة الحوار والتواصل داخل الكثير من الأسر، لاتخاذها طابع الرسمية الذي لا يشجع على البوح.
"يجب أن تكون العلاقة داخل الأسرة علاقة صداقة"، وليس علاقة قرابة فقط، سواء كانت هذه العلاقة مع الأب، أو الأم أو الأخوة والأخوات"، مبينا أن مفهوم الصداقة يساعد كثيرا في التخفيف عن هموم الشخص، لأن الصديق في الأصل شخص صدوق وأمين على أسرار صديقه. مؤكدا حاجة العديد من الأسر إلى مزيد من التواصل والحوار والمصارحة.
ويرى سرحان أن الإنسان بحاجة للفضفضة في كل الأحوال، فهي مستحسنة للتخفيف من أعباء الحياة، والخروج عن الروتين اليومي والأحاديث الرسمية المنصبة على القضايا اليومية المتكررة، كالمشكلات الاقتصادية والفواتير، وغيرها. " الغد "